للعمل الأدبي قطبان ، قطب فني وقطب جمالي ..
القطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي ، فهو يحمل معنى ودلالة وبناءً شكلياً .
أما القطب الجمالي فيكمن في عملية القراءة التي تُخرج النص من حالته المجردة إلى الحالة الملموسة ، أي انه يتحقق بصرياً وذهنياً عبر استيعاب النص وفهمه وتأويله ، ويَعْبر العمل إلى الإبداع من خلال تجربة الكاتب الواقعية والخيالية وهكذا يظهر الفكر والخيال والوجود الظاهري للأشياء ، وهذا ما نلاحظه في ” مذكرات مجنون في مدن مجنونة ” للكاتب محمد صوالحة .
أدب الرحلات ، من أجمل أنواع الأعمال الأدبية فهو يوثق كل ما صادف ” الرحالة الكاتب ” عبر تنقلاته ، فيصف الأماكن التي زارها ، ويلقي بالضوء على عادات الشعوب ، فيستمتع القارئ لدرجة انه قد يشعر بأنه يشاهد فيلماً سينمائياً مصوراً ، أو كأنه عاش في تلك المدينة حقبة من الزمن .
هكذا هو أسلوب الكاتب محمد صوالحة ، وخاصة أنه استقى معلوماته من مشاهد حيه وتصوير مباشر ، جمع فيها المعلومات الجغرافية والتاريخية والاجتماعية بمنهجية رشيقة خاصة به ، تدفعك لقراءة كتابه أكثر وأكثر .
ونعود لمسمى أدب الرحلات فهو مسمى واسع ، فـرغم التبـاين بين :
ابن بطوطة ، ماركو بولو ، تشارلز داروين ، ارنست همنجواي ، ونجيب محفوظ ، إلا أن الفكرة التي تجمعهم هي فكرة الرحلــة نفسها زمانيــاً ومكانيــاً ونفسيــاً .
وللأسف في ظل التطور التكنولوجي والمعلوماتي بدأ فــن أدب الرحلات يغيب بشكل ملحوظ عن الساحة الأدبية العربية ، وما أحوجنا لهذا التجاسر البشري الطبيعي بعيداً عن الجمود والآلية الحديثة والمادية ، التي تنقل الصورة نقلاً مجرداً خالياً من الروح .