بقلم : دكتور على غبن
يحفل هذا النص برمزية مدهشة تحاول تصوير الصراعات النفسية للشخصية العربية بطريقة جمالية بسيطة جمعت بين الفكرة التراثية لقصة ألف ليلة وليلة ومعطيات الحضارة اليومية في قالب من الوصف النفسي الدقيق الممتزج بالكوميديا القائمة على المفارقة (هروب شهريار من مملكته من شهرزاد مع الفاتنة صاحبة الملاءة).
كما يحفل النص بالكثير من الدلالات الرمزية وعقد الذنب المتأتية من المفارقة القصدية للكاتبة والتي أسقطتها على شخصيات النص سواء منها الشخصيات الإنسانية وغير الإنسانية. تلك الشخصيات التي أثرت في النص وقام عليها بناؤه.
فالملاءة مذنبة بمحاولتها إحفاء الجمال والاستحواذ عليه وحصره في نمطية الصورة المحددة بمكان مألوف…
شهرزاد مذنبة أيضا في استكانتها للصورة النمطية التي رسمتها لنفسها منذ أول ليلة ولجت فيها قصر سلطانها شهريار وبدأت فيه بسرد قصصها لتظل كل ليلة حبيسة حياتها النمطية وتبقى على قيد الحكاية.
القصص القديمة مذنبة أيضا في كونها رضيت أن تظل في قالبها القديم المكرور مفضلة الاختباء في ظلال الماضي مقتنعة بعدم مواكبة الزمن الجديد والولوج في روحه.
الشعب مذنب في تنميطه لصورة حاكمه فهو لا يرى في شهريار إلا صورة الحاكم المؤله، متعدد القدرات والمعارف، ملهم بطبيعته، ديك بين دجاجاته، ويغفل هذا الشعب عن نوازع شهريار ورغباته البسيطة وشهواته الإنسانية الطبيعية، فالشعب بسيط مذنب ببساطته.
أما الصداع الذي أصاب شهريار فهو ذلك الصراع الذي يجتاح النفس البشرية المشتتة الممزقة بين الماضي والمستقبل.
في حين يمثل المغص الذي أصاب شهريار الاضطراب الناتج عن صراع الصداع والتشتت صراع البقاء في جوه السلطاني العتيد والخروج إلى عوالم الحضارة الجديدة… وعلاجه لا يكون إلا بالخروج على النمطية القديمة وكسر الرتابة والتحرر من صورة الحاكم المؤله وإفساح المجال للحياة الجديدة.
الديك والدجاجات معادل موضوعي في مقدمة النص للسلطان شهريار ونسائه او جواريه في الحرملك، وهناك ديكة أخرون لهم كل العلاقة بمفهوم الديك والدجاجات، لكن لا علاقة لهم بالصراع بين الديك الشهرياري وصداعه ومغصه فلهم صداعاتهم المغايرة ولهم مغصهم المختلف.
شهريار محاصر بين صورته المثالية أمام رعيته وبين رغباته الشيطانية حينا والتحررية حينا آخر… ينتصر في النهاية لنفسه، فيخرج من نمطية الصورة بمساعدة المرأة التي تمثل له الحياة الجديدة بكل مفاتنها وجمالها.
والمراة في هذا النص تجسدت بشكلين متناقضين… شهرزاد ذات الحضور النمطي الضعيف والتي كانت في نظر شهريار بقصصها القديمة مبعثا على الملل شكلت سجنا ضاق به لكنه تقبله على مضض فلم يسع للتخلص منه.
في حين ظهرت المراة في الشكل الثاني بصورة المرأة الجريئة ولعلها المراة الغريبة أو الغربية المنفتحة على الحياة وهي المفتاح الذي حرر شهريار من عالمه التقليدي وبث فيه الرغبة بالخروج من عالمة السلطاني إلى حياة التحرر الجديدة، تلك الحياة المخبوءة خلف الغلالة الرقيقة للعباءة.
لغة النص سهلة جميلة مباشرة…تشد القارئ وتقوده نحو الفكرة مباشرة دون اللجوء إلى كثير من الصور والمبالغات، لكنها مع ذلك لغة تحمل في طياتها عناصر الاختزال التي تتيح للخيال ممارسة دوره المحبب في رسم الصور وإكمال الفراغات.
وعلى عكس المتوقع من الأدب الأنثوي يكون شهريار هو بطل هذا النص وشخصيته الرئيسة وهو شخصية ديناميكية متجددة تواكب الزمن وتطوره في حين تختبئ المرأة التقليدية شهرزاد في الظل، لتحل محلها امرأة أخرى من عصر آخر بصفات حداثية للمراة تمثلت في جراتها في عرض وتسويق ذاتها من خلال تسويق فتنتها بلغة إيحائية حينا وتصريحية حينا آخر، منادية بالتحرر من الصورة النمطية للمرأة لتعود إلى دور المرأة الفاعل بعد أن أثرت في شهريار وكسبت تأييده وضمنت وقوفه إلى جانبها من خلال توظيفها لمهارتها الأنثوية الازلية في عرض قضيتها في حين تبرز الملاءة ممثلة لقيود المجتمع التقليدي التي تحاول كبح جماع التطور الزمني بكل ما تمثله هذه القيود من مفاهيم اجتماعية ودينية وتقافية، لكنها مع ذلك تظل ملاءة مسالمة بيضاء يضعف أثرها أكثر وأكثرأمام توق المراة للانعتاق والتحرر.