الناقد / محمد رمضان الجبور / الأردن
من الروايات الصادرة حديثاً ، والتي ترسم مشاهد الوباء والجائحة التي ألمّت بالعالم أجمع ، ومن العتبة الأولى لهذا العمل الأدبي والتي تتكون من العنوان وصورة الغلاف؛ يلمح المتلقي بعض خفايا هذا العمل الأدبي ، فالعنوان الذي تم اختياره يتكون من عنوان فرعي وعنوان رئيسي ، العنوان الفرعي هو العنوان الذي جاء بخط أصغر حجماً من العنوان الرئيسي ، وجاء في رأس الصفحة وهو يحمل دلالة لمحتوى العمل الأدبي ( عذراً ..كوفيد 19 ) ، فالعنوان الفرعي يشير إلى محتوى العمل الأدبي بشكل عام ، وهو الوباء أو الجائحة التي أصابت معظم دول العالم بلا استثناء ، ويحمل دلالة أخرى ، فالمفردة التي تم استخدامها (عذراً) تحمل في طياتها نوع من السخرية المبطنة ، فكأن الروائية أمل الزعبي قد هالها ما فعل هذا الوباء بهذا العالم فهي تطلب العذر منه بأسلوب تهكمي فيه الكثير من الحزن والألم .
وقد جاءت المفردة مناسبة جداً للموضوع لما أحدث هذا الوباء من هلع وخوف لكل البشر .
أما العنوان الآخر والرئيسي فقد جاء بخط كبير ، واضح للعيان في حجمه بالنسبة للعنوان السابق الفرعي ، ( عائدون بلا أرواح ) ، فكلمة عائدون توحي بالسفر والغربة ، وكأن الروائية تريد أن تُلمّح للمتلقي أنها تتحدث عن أناس أصابهم الوباء وتلك الجائحة وهم في غربة وسفر ، فالعنوان له دلالة واضحة لما في متن العمل .
أما بالنسبة للغلاف فهو يحمل لوحة تُعبّر عن الموجود في متن العمل ، فالعيون تقطر دماً وليس دموعاً ، وصورة الدرج الفارغ الذي يمتد بلا نهاية يُعبر عن آمال ميتة لن تتحقق .
الرواية تحكي قصة عائلة أردنية مكونة من الزوج مروان والزوجة سوزان وبنتان وولد وخادمة هاجرت إلى أميركا للعمل وللبحث عن حياة رغيدة ، وفعلا كانت حياتهم مميزة ، وكانوا يرفلون بأثواب السعادة ، وكان كلاهما يعملان في مستشفى من مستشفيات تلك الولاية ، فالزوج طبيب ، والزوجة تعمل في مختبر ، وظلوا ينعمون بالسعادة حتى ظهر هذا الوباء وهذه الجائحة (الكورونا) فقلب حياتهم رأساً على عقب .
وبدأ هاجس العودة يراودهما إلا أن ظروف العمل والخوف من ضياع حقوقهم أجبرتهم على البقاء في أميركا ، ورغم التزامهم بكل أمور السلامة العامة ، إلا أن الوباء قد أصاب الزوج (مروان) ، ومن هنا تبدأ العقدة والحبكة بالتأزم ، ويظل حلم العودة إلى الوطن (الأردن) هو الحلم الأكبر الذي يراود العائلة .
الأبعاد النفسية :
( عذراً لـ… كوفيد 19 عائدون بلا أرواح) أحدى الروايات التي تناولت موضوع الوباء (الكورونا) ، وقد أهتمت الرواية بالأبعاد النفسية التي رافقت هذا الوباء ، فكان الاهتمام في الغالب في الجوانب النفسية للشخصيات ، وقد استطاعت الروائية أمل الزعبي تجسيد الجانب النفسي في شخصية الزوجة “سوزان” ، فقد ظهر لنا في العديد من صفحات الرواية ، مشاعرها ، وأفكارها ، وقلقها المستمر ، وما أصبحت تعانيه بعد ظهور هذا الوباء ، فبعد أن كانت تعيش حياة سعيدة وزوجها وأولادها ، أصبحت تعيش في قلق مستمر ، فمجرد دخولها إلى البيت تقوم بخلع ملابسها والكمامات والقفازات وتدخل لتستحم ، فهي تعمل في نفس المستشفى الذي يعمل بها زوجها ولكنها في قسم المختبرات وتحليل العينات فهو مكان خطر جداً ، ” بدأت حملتها المعتادة بعد الدخول من الباب الرئيسي …نزعت ما كان عليها من ملابس فوقية وحذاء وكمامتها والقفازات ، ووضعتهم في المكان المخصص للتعقيم ، ودخلت مباشرة إلى حمام غرفتها النوم للاستحمام والتعقيم كعادتها ” [1]،القلق يلازمها ، القلق على حياتها الشخصية ، القلق على زوجها ، القلق على أولادها ، القلق على أهلها في الأردن ، هذا الوباء جعل من القلق أمراً لا مفر منه ” كانت قلقة على الأولاد ، تفكر بهم كثيراً ، وعندما يأتي وقت النوم وتطمئن على نومهم وسلامتهم تبدأ بالصلاة والتوسل إلى الله ليحفظ لها زوجها المقيم هناك بالمستشفى منذ أسبوعين “[2]
فالرواية ترصد الحالة النفسية للزوجة (سوزان) التي ازدادت سوءاً عندما أصاب هذا الوباء أعز الناس لديها ، زوجها الطبيب ، وتزداد الحياة صعوبة أكثر عندما تسمع بخبر وفاة زوجها ،فالروائية تسلط الضوء على الشخصية الرئيسية (سوزان ) الزوجة ، وتحاول أن تنبش ما بداخلها من عقد نفسية بسبب الظروف التي ترافقها وتعيشها ، فهي تصوّر أحاسيسها للمتلقي ، وتمكّن المتلقي من فهم الكثير من هذه الأحاسيس ، وباء ، وغربة ، وموت أعز الناس لديها ، وأطفال يسألون عن عودة أبيهم الذي لن يعود ، كلها جوانب نفسية مؤلمة جداً ، فالجانب التفشي في الرواية قد يكون الأكثر وضوحاً ـ فالروائية أمل الزعبي قد أجادت ونجحت في تصوير مشاعر الشخصيات وسلوكها وعواطفها ، فشخصية سوزان قد صورتها الروائية على أنها ضحية الغربة والمرض والقلق ، والكآبة ، والوحدة ، تكالبت عليها الظروف من كل جانب ” لا تبقي وحيدة فتحمّلي عقلك فوق طاقته ، أذهبي أنت وأولادك زوري معارفنا وغيّري تلك الأجواء الكئيبة التي تنامين وتصحين عليها ، ليكون الأصحاب قربك حبيبتي فيخففوا عنك المصاب ….” [3]
لقد اتكأت الروائية أمل الزعبي على ما يسمى بتيار الوعي في بناء روايتها ، فتيار الوعي قد أتاح لشخصية سوزان الزوجة والشخصية الرئيسة والمحورية في الرواية الكشف عما يدور بداخلها من قلق وحزن وألم ، ولقد استطاعت الروائية من خلاله أن تسرد لنا معانتها من آلام البعد والاغتراب ، فهي تتوق إلى العودة إلى وطنها مهما كلفها الثمن ، ومهما قدّم لها الآخرون من مغريات مادية ، فبعد موت زوجها لم يبق لها ما تتأسف عليه في هذه الغربة .
وتزداد معاناة الزوجة بعد موت زوجها ، فالذين من حولها يريدون منها ويساومونها على أن تقدم ما تركه زوجها لخدمة الولاية التي تعمل بها ، وهي تُصر في داخلها بأنها لن تُفرط بمال زوجها لهؤلاء ، فوطنها أحق بها ، كل ذلك زاد من آلامها وغربتها .
ولكنها بينها وبين نفسها تُصر على العودة لوطنها الأردن مهما كانت هناك من صعوبات ، ومهما كانت الظروف ، فقد بات أمر العودة للوطن الهاجس الأكبر لها بعد موت زوجها .
” –لن أبقى في أميركا سأغادر بأقرب وقت وأعود للأردن .
– لكن هذا صعب في هذه الظروف فأنت تعلمين أن مطارات الأردن مغلقة ولا مجال للسفر إليهم .برأيي أفتحي مشروعاً هنا تصرفين منه عليك وعل الأولاد وتؤمنين مستقبلهم .
– لن أفتح أي مشروع هنا حتى لو اضطررت للبقاء في هذه الظروف “[4]
الصراع الداخلي والخارجي الذي تعيشه شخصية الزوجة (سوزان) هيمن على أجزاء الرواية وشدّ المتلقي لمتابعة تطور هذه الشخصية ونمائها ، واستخدام الروائية لتيار الوعي مكّنها من نبش ما تعانيه هذه الشخصية من حزن وألم وغربة وأمل ، مشاعر الخوف على أولادها من هذا الاغتراب وهذا الوباء ، إصرارها على العودة للوطن ، وكأنها تهرب من الجحيم إلى الجنة فالوطن جنتها . كل هذه الأمور أثرت في نفسية الشخصية وكشفت عن الصراع الذي تعيشه هذه الشخصية .
وتتحقق رغبتها بالرجوع إلى الوطن عن طريق السفر إلى العراق ، ثم السفر من العراق إلى الأردن عن طريق البر ، تعلم التعب والمشقة التي سوف تواجه امرأة مع ثلاثة أطفال ، الا أن هذا التعب سيكون سبباً لراحتها .
فالرواية في معظمها ترتكز على الأبعاد النفسية للشخصية الرئيسية والمحورية الزوجة (سوزان) ، هناك شخصيات أخرى ثانوية في الرواية كان لها دور في نسج أحداث الرواية وتأزم حبكتها ، الزوج مروان ، الأولاد الثلاثة ، الخادمة موني ، وابن العم طارق ، وعدد من الموظفين في المستشفى التي تعمل فيها هي وزوجها .
وفقت الروائية في سرد وتسلسل الأحداث ووصف الوضع العام نتيجة انتشار هذا الوباء ، فرغم وجود الأحداث في مكان بعيد عن وطنها ، إلا أنها لم تنس الوطن ، بل كانت ترصد أحداث وطنها بأسلوب مقنع وجميل .
تبقى هذه الرواية من الروايات التي اتخذت من الوباء (الكورونا) موضوعاً رئيسياً ، مما جعلها تُضاف الى قائمة الروايات التي تناولت هذا الموضوع ، مثل رواية الدكتور حسين العموش عدوى الحب والموت ) ورواية مصطفى القرنة ( هاربون من كورونا) و(بيرغامو)) .
[1]ص 20 رواية(عذراً لـ..كوفيد 19 عائدون بلا أرواح )
[2]ص13 رواية(عذراً لـ..كوفيد 19 عائدون بلا أرواح )
[3]ص101 رواية(عذراً لـ..كوفيد 19 عائدون بلا أرواح )
[4]ص 129 رواية(عذراً لـ..كوفيد 19 عائدون بلا أرواح)