هو عنوان لقصة قصيرة للكاتبة المغربية: لطيفة النواوي (
أميرة الصمت) بنت مدينة طنجا عروسة الشمال المغربي .
العنوان عتبة النص وكاشف عما يجول به عالم السرد وهو انعكاس لمتن القصة واحداثها ..
تروي الراوية قصتها عبر تقنية واسلوب المذكرات ومن على متن سفينة:” بدات للتو تقلع عباب البحر الى جهة غير معلومة .
وعبر تقنية الفلاش باك السينمائي والتقطيعي تبدأ القاصة في سرد مسرودها من حيث انتهت حياة البطلة (لمياء)
“في المرفأ، يعلو صوت الباخرة ويصدح المكان بصراخ المسافرين وهم يودعون احباءهم واصدقاءهم،بخطوات واهنة ونظرات شاردة، وملامح تائهة تجر “لمياء” حقيبتها وتجر معها الخيبة والإنكسار، وغير مستوعبة لطريق وجهتها”
ذكريات كثيرة تزدحم بذهنها ،وافكار مشتتة، ومخاوف، واوجاع تكاد تفتك براسها الصغير ، رفعت بصرها للسماء، تنظر للنوارس، وهي ترفرف لأجنحتها مودعة لها.
يعلو صوت الباخرة من جديد ، كأنه يستعجلها الرحيل، فاقت من شرودها على صوت أحد موظفي السفينة، هلّا استعجلت الصعود ؛من فضلك انت على وشك الرحيل،
أجابته نعم لقد حان وقت الرحيل لاترك كل الوجع خلفي لن أعيش بجهنم الأرض بعد الآن”
يشن الزمن غاراته دائماً ، ولا تكاد تهدا هذه الغارات في النوم واليقظة وفي الحوار الداخلي وفي الصمت في لهاث الآه والجري نحو اللاشيء ..”نحو الهروب الى المجهول” كل شيء هنا يذكر بالزمن وعلاماته وتجاعيد البؤس ، ونقص أعمار البشر ف “لمياء “لم تعد تستطيع مواجهة ريح الظلم وقساوة الواقع الاجتماعي …زمن غير عادل بسطوته المرعبة وما سببه من أذى وجراح وتشرد ومهانة للكرامة من الزوج الذي كان حبيبا واصبح “عمر” كابوسا وسوطا من القهر والظلم والاستغلال بعد ان تعرفت عليه لمياء التي كانت تعمل بوظيفة “ناذل” في مقهى وهو احد رواد المقهى استمرت علاقة الحب 3 سنوات وتزوجت منه كما كل فتاة تتطلع الى ان تصل الى منتهى حلمها بسكينة وحياة رغدة الا ان عمر قد ارتد واصبح من رواد النوادي الليلية ومتعاطي المخدرات لقد طرد من عمله لكثرة تغيبه واهماله بالاعمال الموكلة اليها من قبل الشركة التي يعمل بها ضغط على زوجته ان تعمل في النوادي الليلة رفضت وتعرضت للشتيمة والضرب والأذى هذه المراة العفيفة التي تربت على الفضيلة في بيت والدها الذي فتك به مرض السرطان والفقر والاخير كان ايضا سببا في موت وحتف امها وتستعرض معاناتها مع الفقر وضنك الحياة منذ طفولتها واحلامها المنكسرة بان تقتني دراجة هوائية
لم تجد امامها الا الهروب نحو المجهول مثلها مثل مصير كل فقراء العرب وافريفيا واسيا والذين كانوا طعاما للاسماك والحيتان …
فالزمن سفينة الموت والضياع في مسيرة الحزن التي تعفر وجه لمياء بالوحل والغبار والأفتراس ومن ثم الصمت والسكون والسفاد والكآبة والظلمة المريعة لما يخبئه القدر العاتي من خوف كإعصار غامض لا نعرف متى ينفجر وفي أي لحظة واي مكان.
في هذه القصة التي نوعت القاصة فيها اصوات السارد بضمير الغائب وبضمير المتكلم والمخاطب وتمكنت من ان تبحر في عالم المرأة وإكتشاف الحالة النفسية التي تعيشها وبلغة قريبة الى الحس الإنساني المغموس بالقهر والاستلاب والدمع والحرقة والعمق المجبول بنداءات روحانية تعانق الفضاءات الخارجية حتى لو كانت على شكل نوارس تخفف عنها خوفها وتمسح دموعها من بعيد وتصفق للأمل والتحليق بأجنحة الحياة والسعادة.
لقد عرت كاتبتنا من خلال البطلة “لمياء” بنية المجتمع الشرقي الذكوري والتناقضات التي يعيشها ولقد نجحت في نقل الصورة الحقيقية والواقعية لهذا العالم الذكوري والاناني ولم يعد صادقا في وعوده ومبادئه .
رسمت لطيفة بتلقائية شديدة وبعفوية شفيفة وبلغة بسبطة شخصية لمياء بابعادها النفسية وحسها الانثوي فكثفت الشعور والعاطفة ومن خلال تيار الوعي والمونولوج لتعبر لنا عن عالمها ولتقربنا من شخصيتها المركزية والتي تعكس في ملامح سخطها رؤى الكاتبة وخاصة حكايا الفقر والجوع والالم والاستغلال والمذلة والظلم وهي تنشد الخلاص من طفولتها وماضيها وحاضرها من خلال الهروب بعيدا عن الأرض التي لوثتها اقدام البشر ولكن الى
اين الى البحر وهل البحر آمن يا لطيفة؟!
وهل الأفق البعيد الذي تنشديه آمن؟!
هل الهروب سيمحو ندوب الخيانة والافتراس والتنكيل دون رجفة لصراخات لمياء الثكلى وانينها وهل الهروب سيطفىء نار قهر لمياء من دناءة “عمر” وصمت النظام السياسي على فقر عائلتها وغياب الرعاية الصحية والمجتمعية ..هل هروبها واحتمال تعرضها للغرق …او الملاحقة من دول اللجوء سيغير
من وضعية هذا المجتمع بكل ما فيه من تناقضات وتخلف وذكورية وظلم طبقي ؟!
وهل النسيان يا صديقتي هو هدية الزمن الوحيدة التي تجعلك تنسين ما فعلت ببطلتك وباهلها الوحوش الضارية من نهش لاحلامكم ولحمكم وكرامتكم وكبرياؤكم ؟!
هل هو نسيان معقود على نواصية الخلاص بالهروب …بالفناء..ام بالمواجهة وبالتمرد لتححقيق العدتلة والحق والحرية والحياة الكريمة والمساواة والصحة والتعليم والمشاركة السياسية و…الخ)
من حقنا ان نقلق على مصيرنا ومستقبلنا ورفاهيتنا وعيشنا وحياتنا ولكن لن يوزعوه علينا جلاذينا بالمجان لا بد أن نصرخ ان نثور أن نناضل ونكافح ونتحدى بارادة فولاذية لتحقيق ذاتنا وانسانيتنا لا ان نستسلم خانعبن اذلاء او نهرب ونترك الوطن للصوص وللمفسدين ولتجار المخدرات…
لنركز في القص على الروح المتقدة المشتعلة والمتفائلة والحالمة والقوية ..بالرغم من ان القارىء يلمس روحا خفية من الصراخ والاحتجاج مرات بتدخل الراوي او من خلال لمياء ..
لطيفة قاصة متمكنة من تقنياتها وتعدد اساليب سردها وتقطيعها السينمائي والاسترجاعي الزماني والمكاني متنقلة من مشهد الى آخر وهي تهدف الى تكسير الخطية السردية وتمنح القارىء قدرا من التشويق ومن خلال صور ذهنية متعاقبة في الفضاء الورقي ..وزمن متعدد
في قصصها الجديدة ستركز اكثر على التوتر وتعميق الصراع والمفارقة وتوظيف السخرية والتناص والتاويل والرمز والتجريب وتبتعد عن السرد التابع وتبحث عن السرد المتقدم والمستشرف بالامل والتغيير والخوض بالهم الجمعي وتجاوز ما يسمى بالادب النسوي ..لان القضايا التي تواجه المجتمع تصيب الرجل والمراة على سواء فلم يعد الصراع بين الرجل والمرأة هو ما يتصدر قضايا الشعوب وتطلعاتها نحو حياة تسود فيها الدبمقراطية والحرية والمساواة ورغد الحياة
ولا بد من طرح اسئلة وتكثيف القفلة بالاندهاش
قصة رغم ما فيها من حزن وانكسار وضياع وهروب وقساوة
وتيه الا انها قصة مكتملة العناصر من مكان وزمان واحداث وتشويق وادوات حديثة استخدمتها القاصة في تكنيك السرد ومن نهاية مفتوحة
بوركت صديقتي والى الامام