البناء الهندسي في القصيدة السردية التعبيرية / بقلم : بقلم كريم عبدالله / بغداد -العراق

جميعنا يعلم بانّ هناك ثلاثة أشكال من الشعر وتكون هندسة القصيدة فيها كما يلي :

أولاً : القصيدة التقليدية ( العمودية ) وهي تعتمد على الوزن والقافية وبقية تقنياتها وتكتب بالطريقة العمودية .

ثانياً : القصيدة الحرّة وهي التي تتخلّى عن الوزن والقافية الموحّدة الا انها تشترك مع القصيدة العمودية شكليا من حيث التشطير وتوزيع الكلمات بطريقة معينة وترك الفراغات والنقاط والفواصل والتوقفات فيما بين فقراتها .

ثالثاً : قصيدة النثر وهي التي تكتب بطريقة النثر الواضح حيث لا تشطير ولا وزن ولا قافية موحّدة ولا فراغات ولا فواصل او سكتات بين فقراتها , تكتب على شكل فقرات متواصلة وربما متداخلة مع بعضها البعض ومن خلالها ينبثق الشعر وتتفجّر طاقات اللغة وهذا مايسمى بـ ( النثروشعرية ) حيث ينبثق الشعر الكثير من النثر .

نحن نؤمن وبقوة بان القصيدة السردية التعبيرية هي ولادة جديدة عن قصيدة النثر في الوقت الحاضر , حيث الزخم الهائل والعميق للمشاعر والشعرية الكثيفة وتضخيم طاقات اللغة الى اقصى ما يمكن وتعمّد الابهار فتتجلّى عوالم الشعور والاحساس .

ان قصيدة النثر تعتمد على تقنيات الصورة الشعرية والتوزيع االفظي الايقاعي بالتشطير وغيره , بينما تعتمد القصيدة السردية التعبيرية السرد الظاهري والرمزية والايحاء وممانعة السرد عن طريق بوح شعري عميق تعتمد على بناء جملي متواصل كما هو في النثر ,من دون سكتات و لا ايقاعات و لا فراغات و لا تشطير و لا تسطيرو هي جمل متداخلة ، الا انها متداخلة بطريقة متوحدة ، فهي تقع بين الفقرة و الجملة , ان هندسة القصيدة السردية تتخلّل فقراتها ( الفارزة الواحدة او النقطة الواحدة فقط – , / . ) . انّ الكتابات التي نقرأها يوميا في مجموعة السرد التعبيري قد حققت نجاحا لابدّ من الالتفات اليه ودراسته بجدّية اكثر وتسليط الضوء عليها , لقد فتحت الابواب شاسعة لكتابة قصيدة نثر عربية بملامح عالمية وقدّمت نموذجا من خلال القصيدة السردية التعبيرية لمرحلة مابعد الحداثة , هذه القصيدة تكتب على شكل قطعة نثرية تتخلّى عن الوزن ووحدة القافية وبلا تشطير وتوزيع شكلي وتوقفات كما قلنا سابقا , فقد تكتب على شكل قطعة نثرية واحدة ببناء جملي متواصل , او على شكل فقرات متعددة ينبعث الشعر من خلالها , او على شكل أسطر قصيرة متواصلة تحقق غاية الشعر من خلال السرد .

القصيدة السردية التعبيرية لها ثلاثة أبعاد :

1-   البُعد الكتابي حيث الكتابة الافقية وبدون تشطير وتوزيع المفردات والتخلّي عن الوزن والقافية , حيث تكون الفقرات متجاورة ومتواصلة .

2-   البُعد الاسلوبي حيث الجمالية والرسالية .

3-   البُعد اللغوي حيث تتجلّى طاقات اللغة وتتفجّر بطريقة ابداعية مدهشة والايحاء ونقل الشعور العميق حتى يجد القارىء وكأنه يعيش اجواء القصيدة وتدخل الى أعماقه وتنتزعه من الواقع لتأخذه الى عالم الحلم وكأن اللغة فيها قادمة من أعماق الحلم .

 

تنويه : أغلب هذه القصائد بحثنا طريقة كتابتها وهندستها , وليس هذا لقصور في رساليتها او جماليتها انما لغرض التأكيد على صحة مقالنا هذا وما ذهبنا اليه .

 

زغردة عصفورة ../ بقلم : عبدالكاظم الغليمي
من نافذتي المطلة على ارواح عبقة انتفضت عصفورتي الصغيرة واومات لي بجناحيها وكانها تردد اغنية صباحية حالمة وتحاول ايقاظي من حلم كم كان مرحا بين احضان الورود وعطر الزهور واغاني البلابل وشدوها ونهر سلسبيل يجري بهدوء خوفا من ايقاظ الفراشات الملونة التي تنتشر على حافتيه وبين جنبيه والوانها تسر الناطرين وفلاح منشرح الاسارير يتلو اذان الفجر وسط تهليل العصافير في مشهد تنحني له الكلمة الجميلة وتحفر لها في الاذان نشيجا مهيبا كلمتني وطارت تحمل الجمال كل الجمال .

في هذه القصيدة نجد النموذج الرائع للقصيدة السردية التعبيرية فهي كُتبت على شكل فقرة واحدة أي بناء جملي متواصل بدون ( , / . / او فاصلة ) جاءت كتلة واحدة من المشاعر والاحاسيس , وكانت قادرة على نقل الشعور العميق والأحساس القلبي , بحيث ان الدقّ على أبواب القلب والروح هو اساس هذه اللغة الجميلة ..من نافذتي المطلة على ارواح عبقة انتفضت عصفورتي الصغيرة واومات لي بجناحيها وكانها تردد اغنية صباحية حالمة / وتحاول ايقاظي من حلم كم كان مرحا بين احضان الورود وعطر الزهور واغاني البلابل / وفلاح منشرح الاسارير يتلو اذان الفجر وسط تهليل العصافير / تنحني له الكلمة الجميلة وتحفر لها في الاذان نشيجا مهيبا.. / انما عمدنا الى تقطيع هذا البناء الجملي المتواصل رغبة منّا الى الاشارة الى جماليات اللغة والاشارة الى الاسلوبية الرائعة في الكتابة وتحقق النثروشعرية الكاملة .

 

 اِنهيارُ الطين ../ بقلم حنان وليد

تفيض غيضاً رئةُ الأرضِ على أثرِ بحةِ نايٍ ضلَّ المسيرَ ، يبتلعُ موائدَ الربِّ المغمسةِ بغديرِ القمحِ المائلِ بترنيمةِ المناجلِ ،وقتها كانت أنصافُ الألهةِ بأحتدامٍ لكي تقسّمَ الأقدارَ العرجونيةَ حسبَ تقويمِ شرارةِ عاصفةِ الجوعِ والمتقيئِ شعفَ الحريةَ بألمِ فرقعاتِ الرجعِ، حينها تلاشتْ نقوشُ الوهمِ بأعينِ النجمِ عندما هوى في غابةِ الغيومِ، تنخرهُ العزلةُ وحوافُ الأنتظارِ المجعدةِ على ظهرِ جنونِ الريحِ كلّما تمتمتْ شفرةُ الشفاهِ كلكامشَ :لاتتكئْ على عظامِ الأولينِ، ربّما يغرقوك بجوفِ الحماقةِ الممضوغةِ بجرعةِ التنازلاتِ المزعنفةِ بحلمٍ فرَّ من فكِّ انهيارِ الطينِ، يا ابنَ القصبِ الأخضرِ ويا راعيَ الأرضِ أنثرْ من ملحِ صحراءِ رصيفِ الصيادين مساميراً تدقُّ بنعشِ أولادِ هابيلَ الجفافَ وأمسحْ بخصبِ كفيّك قلوبَ الكادحين، أينحسرُ الماءُ بجزِ الحناجرِ ؟ ليخشى خفافيشَ الكراسي،يبوحُ النورُ بمخابئِ الأملِ أجنحةً تتوقُ للغفرانِ، إلّا أنّ الصناديقَ خلتْ من صكوكِ المغفرةِ محشوةً بالامبالاةِ تكسوها نبوءةُ الغرابين، إنّ الجموعَ المبللةَ بعرقِ جمعِ فتاتِ الخبزِ بلا أصابعَ بلا أعينٍ، إنّها مجردُ رؤوسِ متسلسلةً لحربٍ تلوّحُ بأحلامٍ النعاس لسياطِ جلادٍ عادتْ من سقرٍ
لا أدري بماذا سوف يتشدّقُ الغرباء ؟

هنا نجد فقرات متعددة ينبعث منه الشعر , اللغة هنا تكون مرنة وتتغلغل في حنايا الروح , تتدفق اللغة فيها كالينبوع العذب وتمشي الى مصيرها دون تدخل الشاعر , هي لغة نضرة غنية غضّة عفوية دون تكلف ..تفيض غيضاً رئةُ الأرضِ على أثرِ بحةِ نايٍ ضلَّ المسيرَ ../ يبتلعُ موائدَ الربِّ المغمسةِ بغديرِ القمحِ المائلِ بترنيمةِ ../ حينها تلاشتْ نقوشُ الوهمِ بأعينِ النجمِ عندما هوى في غابةِ الغيومِ ../ يبوحُ النورُ بمخابئِ الأملِ أجنحةً تتوقُ للغفرانِ ../ إنّها مجردُ رؤوسِ متسلسلةً لحربٍ تلوّحُ بأحلامٍ النعاس لسياطِ جلادٍ عادتْ من سقرٍ ../ نلاحظ هنا قوّة المفردة والاختيار الصحيح والمناسب لموقعها حيث التجلّي الواضح والادهاش والغرابة في اللغة وسطوتها على المتلقى من البداية حتى النهاية . هذا الشكل الكتابي لا يمكن تحقيقه الا عن طريق السردية التعبيرية , حيث المساحة الواسعة للشاعر ان يستخدم كل تقنياته في الكتابة وتسخيرها لاجل انبعاث الشعر من خلال النثر .

 

دفاترُ العُشّاق… / بقلم : كامل راهي مرزوك – العراق
لحظةٌ ومللٌ واكتئاب ؛ لقد أفرغَ الصّدى جُعبته ! أوحى العِشقُ طُقوسَه ؛ لا إغفاءةَ للحيارى حيثُ الذُّبولُ أكلَ المحاجرَ ؛ والحنينُ أطبقَ كاللّيلِ هاجت بهِ الآلام . مجنونٌ مَن يعشقُ ؛ وفي رؤاهُ هذي الحكايا والخيامُ والقُبور . أيّتُها الورود ، يانديمتي عندَ الغُروب ، لا تلهثي وراءَ صداي ؛ هو موجَعٌ مثلي ؛ لم أعُد قادِرا على الشِّعر ؛ فهو يأخُذني حيثُ المأساة ؛ هناكَ في الأغوار ، أو هنا حيثُ الأسوار ؛ في العِشقِ لم يُزوَّر التاريخ ؛ وهكذا أكون حكايةً من دُموع . دفاترُ العُشّاقِ هذا القلبُ لم يعُد يقوى على المسير ؛ أيُّها القمر ، أين صاروا ؟! لقد أدماني الرّحيل . دفاترُ العُشّاقِ هذا الرّملُ والخُطواتُ والجمرُ الهاتفُ : أيّتُها الرِّياحُ خُذي إليه هذا العبير . دفاترُ العُشّاقِ ملأى بالأسرارِ والأشعارِ والصّدى يعود ؛ لقد ناداكَ قلبٌ تبِعتَه ؛ القبرُ أقسى مايكون . أيُّها الصّدى ؛ أنتَ الجُنون حلّ فيَّ أنا الجُنون ؛ ياقبرُ ، أنا هنا ؛ مامن جواب ؟! لكنّي لن أعود . كتبوا : قبرٌ وقبر ؛ حِكايةٌ في كلِّ زمان ؛ عاشقانِ هنا حلّا بعدَ الفراق . ومضت القافلة تحكي قصائدَ كانت في عُرفِهم حراما ؛ والصّدى يمور .


هنا ايضا نجد ان هندسة القصيدة جاءت على شكل فقرات متجاورة حيث التركيز وضغط الفقرات الى اقصى ما يمكن لتجلّى الشعر وينبعث من خلال هذه الطريقة الكتابية الجديدة , نجد هنا المفردات فيها تعرف مكانها . تأتي القصيدة السرديّة التعبيريّة طائعة مستسلمة , تتجلّى فيها وحدة الموضوع وتسحب القارىء الى فكرتها الموحّدة دون عناء ../ لحظةٌ ومللٌ واكتئاب ؛ لقد أفرغَ الصّدى جُعبته ! أوحى العِشقُ طُقوسَه ؛ لا إغفاءةَ للحيارى حيثُ الذُّبولُ أكلَ المحاجرَ ؛ والحنينُ أطبقَ كاللّيلِ هاجت بهِ الآلام ../ أيّتُها الورود ، يانديمتي عندَ الغُروب ، لا تلهثي وراءَ صداي ؛ هو موجَعٌ مثلي ؛ لم أعُد قادِرا على الشِّعر ؛ فهو يأخُذني حيثُ المأساة ؛ هناكَ في الأغوار ، أو هنا حيثُ الأسوار ؛ في العِشقِ لم يُزوَّر التاريخ ؛ وهكذا أكون حكايةً من دُموع . دفاترُ العُشّاقِ هذا القلبُ لم يعُد يقوى على المسير ؛ أيُّها القمر ، أين صاروا ؟! لقد أدماني الرّحيل ../ ومضت القافلة تحكي قصائدَ كانت في عُرفِهم حراما ؛ والصّدى يمور ../ . هكذا كُتبت هذه القصيدة بطريقة نموذجية ومدهشة حققت غاياتها وتحققت شروطها المطلوبة .

 

إلام بكاؤك يا قلب ؟؟ ../ بقلم : هنده السميراني – تونس

ذات التفات اليّ أخبرني الحنين انّ عينا كانت تلمح فيّ دفق الضّياء ، تسبح فيه الرّوح ولا تبالي أمواج صخب الحياة، لاتنسى.دربا ،فيه سارت دون أن تحصي السّنين، وتمضي بعيدا، تلبس رداء لا يجعل من الصّقيع دفئا.ثمّ تنزعه والحريق اضرم في القلب نارا تلتهب بها الضّلوع ويتهاوى رمادا.كلّ حلم أن تصير الآن.وغدا.دون اوبة إلى أمس تولّى، ليس فيه غير اوهام البقاء ،ليس فيه غير آمال اللقاء ولا رجوع . قد آن لك يا ايّتها الرّوح التّائهة في فرائق الذكرى.أن تقصّي منك الجناح.فقد أيس الغيم أن ينزّ منه قطر .!

 

هنا نجد الشكل الهندسي جاء على شكل فقرات متجاورة متواصلة مع بعضها , و الجملة الشعرية فيها حُبلى بالأحاسيس والمشاعر الجيّاشة وتبتعد عن التقريرية والسرد الحكائي ../ ذات التفات اليّ أخبرني الحنين انّ عينا كانت تلمح فيّ دفق الضّياء ../ تسبح فيه الرّوح ولا تبالي أمواج صخب الحياة ../ ثمّ تنزعه والحريق اضرم في القلب نارا تلتهب بها الضّلوع ويتهاوى رمادا ../ قد آن لك يا ايّتها الرّوح التّائهة في فرائق الذكرى.أن تقصّي منك الجناح.فقد أيس الغيم أن ينزّ منه قطر .! ../ . نلاحظ هنا الاختيار الذكي للمفردة المحمّلة بالمشاعر والاحاسيس صيغت بطريقة ابداعية جعلت القصيدة كتلة متوهّجة تضجّ بكل هذا الجمال .

 

 

سواد نوافذ مغلقة …/ بقلم : نعيمة عبدالحميد /ليبيا


من خلف الأبواب القديمة تفيض بذور فلاح غزيرة،صعب حصادها . محراثه التقليدي لا يتوقف عن التهام أرض مزدحمة بظلي .في اختلاط الماء بالماء تجلت مفاتيح كهوف مدن باكية ،كان قد اندحر أمام شيطاني لكن ضحكاته سموم إرهاصات تركت ندبات على تاريخ حكايتنا . و انا أعد شمس الأمس الأخير تركت له طريق نتوءات جراح، انعكفت عيناي راقبت خطى العقل بنبض كهولة كظيمة؛ لأني أريد أن أراه 
بسماء واحدة وشبح المحاصيل يقوده كفيف ؛كلحظة مناداتي له يا كنزي المخفي و كرسيه تستعر جمراته . كأن بياض أضعلي وضع يده على مغالق سوداء لنوافذ مغلقة لم تعد بكرا، و شرب شراشف الورد سكرات، لكنه مريح جدا أنه لم يلذ لي خداع ثوانيه المشدودة التوسل . 

وهنا ايضا نجد بان هندسة القصيدة جاءت على شكل فقرات كتابية متجاورة افقية , نجد ان الايقاع فيها يعتمد على جرس المفردة وتداخلها مع المفردات الاخرى وانبعاث الشعر الكثير من خلال النثر ../ من خلف الأبواب القديمة تفيض بذور فلاح غزيرة،صعب حصادها . محراثه التقليدي لا يتوقف عن التهام أرض مزدحمة بظلي ../ و انا أعد شمس الأمس الأخير تركت له طريق نتوءات جراح، انعكفت عيناي راقبت خطى العقل بنبض كهولة كظيمة؛ لأني أريد أن أراه بسماء واحدة ../ كأن بياض أضعلي وضع يده على مغالق سوداء لنوافذ مغلقة لم تعد بكرا، و شرب شراشف الورد سكرات، لكنه مريح جدا أنه لم يلذ لي خداع ثوانيه المشدودة التوسل ../ . هكذا تكون القصيدة السردية التعبيرية نموذجية مدهشة وتحقق لنا كلّ هذا الجمال والفرادة . 

 

هشيمٌ برذاذِ المرآيا ../ بقلم : سعد الساعدي

في زمنِ العهرِ والنجاسةِ عاتبَ صوتٌ يكشفُ لثامَه أمامَ الشناشيل الصّامتة فقط ، حيثُ الغيومُ التي أفرغت أسرارها ، والجنائنُ المعلّقةُ تسألُ عن حاشيةِ القصرِ البابليّ ؛ لا ثغرٌ يَفتحُ الأبوابَ ، ولا عيونٌ تتصبّبُ بعضاً من ضوءٍ ؛ كلُّ طيورِ الغابةِ تعلّمت لغةً أخرى وجدتها في صفيحةٍ مهملةٍ تملأُ جوانبَ صدئها أشلاءٌ تجمّعتْ في ساعاتِ السَحَرِ المسافرِ مع أرضٍ ماعادت سنابلُها تؤوي القطاةَ وأفراخها ، بقايا زغبٍ مرمّلٍ ، وهشيمٍ من مرايا تعكسُ نواحَ العجائزِ ، وأناشيدَ أطفالٍ الى الآن يبحثونَ في غربةِ نواقيسهم عن مقعدٍ تم تسجيله بأسمِ غريبٍ يشربُ الماءَ بنهمٍ ، ويقولُ : هل من مزيد ؟ .

 

نتلمس بوضوح التطور التصاعدي في القصيدة السرديّة التعبيريّة ونموّها وتجلّي واضح في تعظيم طاقات اللغة وانزياحاتها العذبة , وهذا ما تمنحه القصيدة السردية التعبيرية للشاعر حين يكتبها بطريقة الكتلة الواحدة ( الافقية ) حيث يجد الحرية ان يستخدم ويسخر اللغة كيفما يشاء , اللغة هنا كالعجينة بين أنامل الشاعر يشكّلها كيفما يشاء ويريد لا لشيء سوى الشعر العظيم في لغة مبهرة ..في زمنِ العهرِ والنجاسةِ عاتبَ صوتٌ يكشفُ لثامَه أمامَ الشناشيل الصّامتة فقط ، حيثُ الغيومُ التي أفرغت أسرارها ، والجنائنُ المعلّقةُ تسألُ عن حاشيةِ القصرِ البابليّ ؛ لا ثغرٌ يَفتحُ الأبوابَ ، ولا عيونٌ تتصبّبُ بعضاً من ضوءٍ ../ كلُّ طيورِ الغابةِ تعلّمت لغةً أخرى وجدتها في صفيحةٍ مهملةٍ تملأُ جوانبَ صدئها أشلاءٌ تجمّعتْ في ساعاتِ السَحَرِ المسافرِ مع أرضٍ ماعادت سنابلُها تؤوي القطاةَ وأفراخها ، بقايا زغبٍ مرمّلٍ ../ وأناشيدَ أطفالٍ الى الآن يبحثونَ في غربةِ نواقيسهم عن مقعدٍ تم تسجيله بأسمِ غريبٍ يشربُ الماءَ بنهمٍ ، ويقولُ : هل من مزيد ؟ .. / . هكذا تُكتب القصيدة السردية التعبيرية وبهذا الشكل النموذجي المدهش والحقيقي حيث تتجلّى طاقات اللغة وبانزياحات جميلة جدا لا يجيدها الاّ كتابها .

 

 

 


في قبيلتي لا شيء يذكر../ بقلم : فوزية أحمد الفيلالي

الشرفة مفتوحة على عينيك العسليتين والشمس تستقي لهيب آنفاسي من موسيقى حارة مغرية جسدها ناعم الملمس كحية الجحيم.وأنا هنا في ركني المعتم بذكريات باردة بشعري المنفلت من خيوط منسج الحرير، جالسة كقطة بلهاء تنتظر موائد الليل في حضن أعراس بلا شهود ولا طلقات كنائس .أنتظر همس عباراتك السخية في أذني وأنا التي اعتدتها كل ليلة دون أن أعي ما تقول. وحده الكلام يقول أشياء ثم يقبرها فجرا. ماتت قبيلتي على صخب خطوات عبدة شياطين الهيب هوب وأبي الهول منتصب القامة يصفق وعلى جبينه علامة!؟
كنت أحس أنّ أشحار مزارع” تشكا” لازالت صامدة تداعب عصا سليمان وتداري دود أيوب لكن شاء ماشاء وبلا هوادة خر قصر القلعة زاحفا كثابوب مزخرف بدماء العهر حتى المئذنة رأيت علمها يستنجد سكرات موت بطيء والجاريات يسكبن كؤوس النببذ المعتق للعبيد. لم أدرك أنني أجري وحدي وصحرائي تشدني إليها ،أشعر أن الضجيج يتبعني ،أصرخ بأعلى صوتي خذوا كل شيء واتركوا منديلي فوق رأسي وحفنة ترابي بين يدي.ّ فارقت هواء الأندلس وانتظرت طارق طويلا ودميتي بيدي

هنا ايضا نجد هندسة القصيدة السردية التعبيرية جاءت على شكل فقرات متجاورة متواصلة فيما بينها , والصور فيها زاهيّة برّاقة تستحّم باريج المفردات ../ الشرفة مفتوحة على عينيك العسليتين والشمس تستقي لهيب آنفاسي من موسيقى حارة مغرية جسدها ناعم الملمس كحية الجحيم../ أنتظر همس عباراتك السخية في أذني وأنا التي اعتدتها كل ليلة دون أن أعي ما تقول ../ أصرخ بأعلى صوتي خذوا كل شيء واتركوا منديلي فوق رأسي وحفنة ترابي بين يدي ../ فارقت هواء الأندلس وانتظرت طارق طويلا ودميتي بيدي ../ . هذا الهمس الجميل واللغة العذبة نجدها تتغلغل في اعماقنا رقيقة تشدّنا اليها وبقوّة وتمنحنا كل هذا الشعور بالجمال والشعر .

.

 

تقويم ../ بفلم : ابتهال الخياط 

.

وميضٌ فقط ما أراهُ في صباحِ اليومِ التسعينَ بعدَ الألفين يُشيرُ إليَّ بأنّهُ يومٌ جديدٌ فالظلامُ أخذني منذ تركتني ، كانَ رحيلكَ تقويمي عندَ أخرَ بسمةٍ للشمسِ تحكي قصةَ عشقي لكَ ، جعلتُها ساعةَ صفرٍ كي أُحصي سنينَ انتظاركَ بالساعات . إنِّي في ذات المكانِ أقفُ حيثُ قُبلتُكَ على جبيني كـ مسمارٍ ثَبتَني في أرضٍ وَعرةٍ تتبعثرَ عندَها الفراشاتُ ممزَقةً بالموتِ فـ كلُّ ما فيها كان صُبّارًا أَسوَدًا عجوزًا كثيفةً أشواكهُ يقتصَ بسمومهِ كلَّ الألوانِ المتاحةِ في دوائرِ أنفاسهِ الأخيرة ، إنّي متعبةٌ جدًا يتآكل ظلي بنهشِ الديدانِ والظلام .الموت يتسلقني فـ أينَ أنتَ لتجعلَ أحضانكَ لحدي ؟ حبيبي أظنني صرتُ خارج التقويم .! .

 

وهنا ايضا نجد بان هندسة القصيدة اعتمدت على فقرات نصّية متجاورةوشخوص نصيّة ونصوص ظرفية استطاعة الشاعرة من خلالها ان تفجّر طاقات اللغة وتمتعنا بالكثير من الشعر ../  وميضٌ فقط ما أراهُ في صباحِ اليومِ التسعينَ بعدَ الألفين يُشيرُ إليَّ بأنّهُ يومٌ جديدٌ فالظلامُ أخذني منذ تركتني ../ كانَ رحيلكَ تقويمي عندَ أخرَ بسمةٍ للشمسِ تحكي قصةَ عشقي لكَ ، جعلتُها ساعةَ صفرٍ كي أُحصي سنينَ انتظاركَ بالساعات ../ إنِّي في ذات المكانِ أقفُ حيثُ قُبلتُكَ على جبيني كـ مسمارٍ ثَبتَني في أرضٍ وَعرةٍ تتبعثرَ عندَها الفراشاتُ ممزَقةً بالموتِ فـ كلُّ ما فيها كان صُبّارًا أَسوَدًا عجوزًا كثيفةً أشواكهُ يقتصَ بسمومهِ كلَّ الألوانِ المتاحةِ في دوائرِ أنفاسهِ الأخيرة ../ الموت يتسلقني فـ أينَ أنتَ لتجعلَ أحضانكَ لحدي ؟ ../ . نلاحظ مقدرة الشاعرة من خلال ما تقدم ان تمنحنا الشعر بطريقة سردية تعبيرية , حيث السرد لا يعني القص او الحكاية , انما تجلّي واضح لطاقات اللغة والمشاعر العميقة والاحاسيس المرهفة وبتعبيرية جميلة جدا تتجلّى فيها سطوة هذه المشاعر ومقدرتها ان تغزو الروح وتبعث فيها هذا الجمال .

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!