قراءة :أحلام حسين غانم
على سبيل البيان
قال تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا). الآية السابعة والستين ( ٦٧ ) من سورة غَافِر
وقال أرسطو:” إنَّ الذين يُعلِّمون الأطفال جيِّدًا أحَقُّ بالتكريم من الذين يُنجبونهم؛ فهؤلاء منحوهم الحياة فقط، أمَّا أولئك فقد منحوهم العيش الكريم.”
وقال جبران خليل جبران: “الطفولة هي الأرض الخصبة التي تتفتّح فيها براعم الحلم والخيال”.
وعليه يسوغ القول: إنَّ الطفولة مرحلة مهمة من مراحل العمر باعتبارها الوجه المشرق للحياة والمزهرة بالأمل، فالطفولة لا تقتصر على الغذاء والوقاية إنما تحتاج على رعاية عقلية واجتماعية ونفسية تتلاءم مع طبيعة الإنسان بوصفه أكرم مخلوقات الله .
على سبيل الطفولة:
إن طفولة الإنسان بيضاء لابد أن تمتلئ بالقيم والأفكار الصحيحة وبكل ما له تأثير إيجابي يسهم في تنشئته السليمة التي تؤهله ليكون رجل الغد، وأدب الأطفال عنصر ووسيط هام في تربية الطفل وتوجيهه وبناء شخصيته، واستنبات نوازع الخير والقيم الصحيحة لديه ،وله إثر سردي لا يقل أهمية عن بقية المتون الفنية الأخرى ،فالجمهور الصغير هو الآخر له أدباء ومبدعون ينظمون فيما يخصهم ويخدمهم الأعمال الفنية .
والقصة تحديدًا أحد أهم الاجناس السردية التي نالت صدى واسع المدى من الإقبال، لذلك راودتنا التساؤلات حول ماهية القصة الموجه للطفل وهل لهذا النمط السردي أبعادًا أخلاقية وتربوية تخدم الطفل كمتلقي أول ؟
وهل يمكن الأخذ بعين الاعتبار ما جاءت به المجموعة القصصية للكاتبة “أنيبال دكدوك “من أفكار وأساليب خدمت هذه الأبعاد الأخلاقية والأنماط الموجهة للمتلقين الصغار؟
المقام الأول :
حيث للإجابة عن هذه الأسئلة يقول الباحث “حسن شحاتة :” القصة تأتي في المقام الأول من الأدب المقدم للأطفال . فالأطفال يحنون إليها ويستمتعون بها، فإذا أضيف إلى هذا كله سرد جميل وحوار ممتع كانت القصة قطعة من الفن الرفيع محببة إلى الأطفال .
فعن طرقها يعرف الأطفال الخير والشر، فينجذب إلى الخير وينأى عن الشر، والقصة تزود الطفل بالمعلومات وتعرفه الصحيح من الخطأ، وتنمي حصيلته اللغوية وتزيد من قدرته في السيطرة على اللغة، وتنمي معرفته بالماضي والحاضر، وتشرئب به إلى المستقبل، وتنمي لديه مهارات التذوق الأدبي “.-1
ويجذبهم ما فيها من أفكار وأخيلة وحوادث والأدب القصصي كرسالة قوية مؤثرة تميل إليها نفوس الأطفال كونها تزخر بتقنيات سردية متنوعة.
يعتبر أدب الطفل العمود الفقري لبناء شخصية الطفل في مختلف النواحي من خلال فنون تعبيرية متنوعة جعلته محور اهتمام الكاتب لأنه جزء من الإبداع الموجه على فئة معينة وهي الطفل، كونها تختلف عن الكبار من حيث العقل والخبرة والإدراك.
رحلة طفولية:
من هذا المنطلق ،تقدم الكاتبة “أنيبال دكدوك” مجموعة قصصية هادفة للأطفال المنشورة ضمن (السلسلة الثانية ) في ثوب فضائي سماوي مرصع بالنجوم ، مجسدة رحلة طفولية غائب عنها العنوان ،وتحمل في مدارها أسلوبًا سهلا بسيطًا ولكنه يحمل بين طياته أدوات كاتبة تحمل في قلبها طفلاً ، تملك لغة رصينة ، وفكرًا عميقًا على مدار سبعة قصص هي ، القطة الضائعة ، نرجس وهدية العيد ، القناعة ، رامز والفراشات ، الزائر الأبيض، قيمة الوقت ، الصياد والسمكة .”
غياب العنوان:
غياب عنوان عن مجموعة قصصية للأطفال يمثل نقصاً في تحديد هوية الكتاب، ويجعل من الصعب تسويقه أو تقديمه للقارئ بشكل جذاب، كما أنه يربك الأطفال في التفاعل مع محتوى القصص. قد يفقد الكتاب هنا قوته في الترويج للقصص وترك انطباع إيجابي لدى القراء الصغار، مما يؤثر سلبًا على نجاحه وانتشاره؛ لأن العنوان هو أول ما يراه القارئ، وغيابه يضيع فرصة لجذب انتباه الأطفال والآباء للاهتمام بالمجموعة القصصية.
على سبيل السؤال:
ما هو البُعد الأخلاقي والتربوي الذي تحمله هذه القصص للأطفال؟
من هذه المنطلقات والأفكار سنحاول بناء الترصيص بوعي مناسب لهذه القصص التي تحمل بعداً أخلاقياً بالغ الأهمية يساهم في بناء شخصية الطفل وتنمية قيمه ومعتقداته من خلال تقديم نماذج سلوكية إيجابية، وغرس قيم مثل الصدق، الشجاعة، التعاطف، وتحمل المسؤولية.
حاولت تعمل هذه القصص كوسيلة ممتعة وغير مباشرة لتعليم الطفل التفريق بين الصواب والخطأ، مما يساعده على فهم عواقب الأفعال وتشكيل سلوكه بشكل ملهم وبطرق تُعزز من قدراته العقلية والاجتماعية والعاطفية.
تعزيز الفهم العاطفي:
عملت الكاتبة على تعزيز الفهم العاطفي بدا ذلك في قصة ” القطة الضائعة” بعد أن غابت القطة سكّر عدّة أيام عن المنزل وعادت ومعها مجموعة من القطط ،وكانت تركض وتلعب بسعادة .. عند ذلك ادركت زهرة أن سكّر تحتاج إلى أصدقاء من جنسها، ولا يكفي أن تدللها فقط لكي تكون سعيدة.”
ساعدت القصة الأطفال على التعرف على المشاعر المختلفة والتعبير عنها وفهمها لدى الآخرين، مما يعزز ذكاءهم العاطفي ومهاراتهم في العلاقات الاجتماعية من خلال ” تعزيز الفهم العاطفي”
البُعد السلوكي إذ تُسهم القصة في تعديل السلوك اليومي للطفل عبر نماذج يُحبها ويثق بها (شخصيات القصة)
غرس القيم الإيجابية:
حاولت الكاتبة بأسلوب واضح وبسيط أن تساعد على غرس وتثبيت القيم الأخلاقية والاجتماعية الهامة في عقل الطفل، مثل الصبر والشجاعة والمسؤولية ومحبة الآخرين والقناعة والوفاء ، والإيمان بالله كما في قصة “نرجس وهديّةُ العيد”:
” عادت نرجس إلى المنزل مع والدتها لتجد بابا نويل أهدى والدة نرجس ماكينة خياطة لتحيك بها الملابس الصوفية.
وكانت الهدية الأجمل، لأنها تقدم مصدر عيش لنرجس ووالدتها. وقفت نرجس ونظرت إلى السماء وشكرت الله على نعمة المحبة.”
البعد الأخلاقي
وتمثّل البعد الأخلاقي في قصة “رامز والفراشات ” من حيث تعزيز القيم والمبادئ الإيجابية في نفوس الأطفال من خلال سرد ممتع وشيق وبسيط جدًا، مما يساعد على تنمية الجانب الاجتماعي والنفسي لديهم، ويعزز لديهم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ والتفاعل الصحيح مع الآخرين.
هو مشهد واضح بسيط يدور بين الأم وابنها بأسلوب يسهل على الطفل إدراكه ثم هو مشهد من الواقع ويحدث في كثير من العائلات.
” خاطبت الأم رامز قائلة: أطلق سراح الفراشة يا ولدي، اتركها تطير من زهرة إلى أخرى، فالله خلقها لتزين الطبيعة ولا يحق لك أن تحبسها في الكيس فتموت”. من خلال شخصية الأم قدمت للطفل مساحة آمنة ليمارس هذا “التجريب القيمي” ليفهم معنى الحرية وتبعده من الإملاء إلى الاكتشاف.
بين هذه القيم نكتشف مزيج الأحلام والخيال حيث تتراقص الكلمات كالفراشات الساحرة، تحمل في جناحيها عوالم لامتناهية تجذب الأطفال إليها كالمغناطيس، وتأسر قلوبهم بسحرها الخاص.
التفاعل الإيجابي:
ليتمثّل هذا البعُد في تنشئة الطفل على قيم التشارك والتفاعل الإيجابي، فتنقله القصة كما تتنقل الفراشات من مركزية الذات إلى الوعي بالآخرين، وهي خطوة بالغة الأهمية في تشكيل إنسان مسؤول اجتماعيًّا.
حيث يجد فيها القارئ ملاذًا آمنا وتعلمه القيم الفاضلة في التعامل وتُعزز القيم وأهميتها داخل الإنسان، فيتقمص تلقائيًا تلك الخصال في تعامله مع كما في قصة “القناعة ”
أما قصة “قيمة الوقت ” تضعنا عبر رسالة غير مباشرة ترسلها الكاتبة للطفل، وتضعه أمام تحد أو مشكلة، ثم تجعله يكتشف الحل الذي لا يكون إلا بقيمة إنسانية تحاول الكاتبة غرسها في الطفل. حيث تقول:” سألت المعلمة لولو: هل أنت مريضة يا لولو؟
أجابت لولو بخجل: كلا معلّمتي، أنا لم أحضر واجبي بسبب استهتاري بالوقت. لكنني أعدك أن أنظم وقتي والا أكرر ما فعلت، لأن الوقت ثمين ويجب استغلاله بأشياء مفيدة.”
تقوم الكاتبة بدورٍ تربوي عبر تقديم مواقف حياتيّة مُبسّطة تحمل بذورًا عميقة للتوجيه السلوكي، دون أن يشعر الطفل بأنه تحت رقابة أو ضغط، مثل الاعتذار، واحترام الوقت، وضبط النفس والوفاء كما في قصة الصياد والسمكة.
تعزيز الإبداع والخيال:
لم يعد سرد القصص مصدرًا للترفيه فحسب، بل يعد أيضًا أداة قيمة لتعزيز الإبداع والخيال ومهارات الاتصال، وهذا ما عززته قصة، الزائر الأبيض”.
ولعبت هذه القصة دورًا هامًا في تشكيل ابتساماتهم وأفكارهم، وتنمية مهاراتهم، وحاولت أن تكسبهم الاتجاهات الإيجابية وهي تزوِّدهم بالحب والفرح والحقائق عن الطبيعة والحياة، وتُطلعهم على فرح الطبيعة بالثلج “الزائر الأبيض” الذي زرع السعادة في أرجاء المكان.
فمن خلال السرد الجذّاب، حاولت الكاتبة “أنيبال دكدوك ” نقل الأطفال إلى عوالم سحريّة، حيث يتم تعليمهم العديد من القيم في سياق تربوي خيالي على لسان بعض الشخصيّات الخياليَّة، بجانب تحفيز عقولهم للتفكير بطرق جديدة ومثيرة مثل قصة ” الصياد والسمكة والوفاء بالوعد.
البعد البصري :
ولتنمية البعد البصري للطفل يرفق كل نص في هذه المجموعة برسمة تعبر عن المشهد المتحدث عنه، حيث تشير هذه الرسومات إلى طبيعة التعبيرات النفسية وهيئة وهندام الأشخاص المتحدث عنهم، ويستطيع الطفل أن يحس من خلال هذه الرسومات التي توضح ما حاولت الكاتبة عدم البوح به وهي تتحدث بلسان الصياد والسمكة. بالإضافة إلى سهولة الملامح التعبيرية للرسومات المرفقة في المتن السردي، هذا الذي يحرك عدة حواس للمتلقي في آن واحد كحاسة البصر، واللمس وغيره.
على سبيل الختم:
الأطفال يتمتَّعون بميزة تذوّق الجمال، إنّ في داخلهم نداءً عميقاً يجذبهم نحو الجميل، كذلك لديهم توقٌ للتسامي والبطولة، وإلى المعرفة والمغامرة والانطلاق..
القصة هي الفن الأدبي الأكثر تأثيرا في نفس الطفل وتشكيل سلوكه وبناء شخصيته، فالأطفال منذ سن مبكرة يميلون إلى قراءة وسماع القصص والميل إلى الإتحاد بشخصياتها ومحاكاتها، لهذا فإن مضمون الفكر الأخلاقي الإنساني لشخصية الطفل في مراحل حياته ، يستمد أصوله من مضامين تلك القصص التي تحمل في طياتها ، أغراضًا تربوية، أخلاقية علمية وتزودهم بمختلف أنواع المعارف والمعلومات التي تساعده على التواصل والاندماج في البيئة الاجتماعية “.2
تُظهر المجموعة القصصية للكاتبة “أنيبال دكدوك” كيف أن جزاء الإحسان هو الإحسان، وكيف أن الأعمال الطيبة المبنية على الوفاء تؤدي إلى نتائج سعيدة.
والجدير بالذكر، أن القصة وسيلة تربوية قوية وفعالة، فهي “فنّ لمّاح ذكي” لأنه يعتمد على الإيجاز والسرعة في إيصال الأفكار والقيم والمعلومات، ويتجاوب مع ميول الأطفال وفطرتهم نحو الجمال والبطولة والمعرفة، مما يجعلها أداة ناجحة لتنمية خبرات الطفل، وتعزيز قدراته النفسية واللغوية والاجتماعية، وإرشاده نحو السلوك الإيجابي في الحياة.
وهذا ما سعت إليه الكاتبة “انبال دكدوك” في مجموعتها القصصية الوجهة للأطفال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1- حسن شحاتة، أدب الطفل العربي، دراسات وبحوث، الدار المصرية اللبنانية، طبعة مزيدة ومنقحة، القاهرة، د ت، ص26 0
2-ينظر، أمل حمدي دكاك، القصة في مجالات الأطفال ودور ها في تنشئة الأطفال اجتماعيا ، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، ط1، دمشق،2012، ص14.