الناقد المغربي جواد مرزوق  يقرأ  قصيدة  السفر ملاذ التائهين 

 

 النص 

السفرملاذ التائهين

وعين أمل تتسع في أفق الغابرين

أعلنت شوارعك فرحا

لاتخفيه سماؤك الرمادية

أطل عليك من حيث لا تعلمين

تترقبين الغيث في خلوة سرمدية

و أنت الوجود حين تقبلين

اه منك تروي الحيارى

فلم الغيث تستجدين ؟

أنت فرحة اذار الأولى

ترقصين أحواش حافية القدمين

بحناء الاثارة مخضبتين

تهتز صدور الفرح

تتمايل قروش *تاونزا*

تقرع طبول الهوى

تتصدع غرف الفؤاد

معلنة صيحة الانعتاق

تردد الجبال صداها

موالا أطلسيا للعاشقين

تراتيل عيسى تناديك يازهرة الأركَان

فاتحة عشقي أن أنا الرباب

فاعزفيني على سلم الجبين

وزفي الي ملهمتي

لتختلي الأشعار بالألحان

يا قبلة العشق الصوفي

يامن رتلت سفر التكوين

شبكتِ كف سمائي وأرضك رتقا

كشفت عن الأسرار ساقا

وأنت اليوم بعد الأربعين عشقا

تشهدين

بأن لا دولة نصبت راية

الروح الاك

وبأن لا قواعد للجنون

وأن لاسلطة على القلب المفتون

لا توغلي في غياب الحضور ،

تعري من هاته الملاحف

لأفرك الملح التي لذغتنا

لنغتسل معا من درك الماضي

ونطهر وجه اليقين

افردي الجديلتين

لامشط نوستالجياك و الحنين

تحت زخات المطر

وأرسمك نجمة خماسية المقام

فاقع لونها تسر الناظرين

تضيء ليلي اليتيم .

من فرجة نافذة العشق اناديك

مدي يدك لتنفلتي من سجن عشتار

تصدعي من الزمان

لتعزفينا انشودة منفرجة البساط

تحملينا لبر الحياة

فتزغرد المناجل لحصاد البيان

غاب الماضي ونحن الحاضر

وحدي سيل العطاء

على ضفتيك ياأم الربيع

فراوبي تغار من كل العابرين

لا تغزلي صوف المستحيل

وتبحثي عن مصباح

يعيدك لسيرتك الأولى

حواليك شمسي وأنا

أفلا تبصرين

خديجة عثمان برخوخ

*********************************************

 القراءة 

 هكذا قرأت نص الشاعرة خديجة عثمان

السفر ملاذ التائهين

 وعين أمل تتسع في أفق الغابرين

ديدن الشمس كلما عقلت نفسها يأتي الفيض منها دفئا ونورا وحياة، يرسم للتائهين محجات ويهب للعدم شكل الوجود ويمنح للكائنات حرارة الفرح.

هكذا تأتي كتابات الشاعرة خديجة عثمان عقد لؤلؤ على طبق تمسكه عشتار لترشق بمكنونه كوكب الحياة

إلا أن شاعرتنا على خلاف كل من تغنوا بجلالة عشتار ، وما يحمله اسمها من معان ، ترى أن حواء هذا العالم يجب أن تنفلت من قالب آلهة الحب والجمال والخصب، إذ ترى فيه تبخيسا لمؤهلات المرأة ،وحبسها في سجن الجسد الممهور بملكات المتعة والإنجاب

وتعود الدعوة إلى الانطلاق والتحرركجرس ملازم للنص في تفصيله ومجمله ، حين تقرر الشاعرة في الاستهلال:

السفر ملاذ التائهين

وعين أمل تتسع في افق الغابرين

ويبرز ترويض اللغة في هذا الخطاب الذي يمزج بين ضمائر المتكلم ،والمخاطب/ الآخر، والمخاطب / الذات، والتي تجعلها الشاعرة في مقابل الأنا ، إذ تلغي أناها الفردية لتخاطب الذات الجمعية التي تجتمع فيها كل النساء، على اعتبار أن التجربة الحياتية يمكن اسقاطها على شريحة مجتمعية عريضة

والمراة / حواء في راي الشاعرة هي أصل الوجود ورمز العطاء والبذل والرضا وصمت الملائكة، لذا فليس عليها أن تستجدي الأعتراف/ الغيث ،لأنها أصل الرواء وربيع الكون.

وياتي التبئير هاهنا على المرأة القروية الهاجعة تحت نير المجتمع الذكوري بكل رجعيته وظلمه المحفور في ذاكرة العرف او التعصب الديني الجاهل..فتستلهم شاعرتنا من التراث الأمازيغي مشهد الرقص كطقس جماعي يجعل المرأة مناسباتيا في قلب الحدث، لتؤكد أن الأنثى يجب أن تستثمر هذا الطقس وتتمثله ليصبح قالبا سلوكيا وحياتيا يعيد إليها المكانة المرموقة في مشهد الحياة العامة واخلاقياتها..هي دعوة إلى الانعتاق الشامل ترددها جبال الأطلس موالا للعاشقين.

وتحرص الشاعرة بموازاة مع دعوة التحرر أن تذكر المراة بالماضي المضيء الذي كتبته العذراء مريم ومثيلاثها على جبين التاريخ منذ سفر التكوين ، مذكرة بقواعد مولانا جلال الدين الرومي

وتأخذ الرمزية مساحة شاسعة من النص حيث تصير القيود ملاحفا ، و الهموم ملحا ، وتخضيب الجديلتين بماء المطر إشارة الى التطهرمن درن الماضي وإجحافه

وتكتمل الصورة حين تجعل الشاعرة المرأة في مراتب الجمال والجلال ، نبعا رقراقا من التضحيات يسير لا يخطئ المصب ولا يبحث عن المستحيل في سعيه إلى تصحيح الموازين.لا لشيء سوى لأن الأنثى هي ذلك النهر الفياض يهتدي بنور العقل / الشمس ( حواليك الشمس وأنا )..ويبرز ضمير المتكلم في آخر النص كمنبه يخبر بإشراك الذات الشاعرة المبدعة في مشهدية النص كوثيقة استقلال واضحة المعالم تحدوها الرغبة في التحررمن رزء العالم ، لكنه تحرر ممهور بإيقاع القيم ليس إلا.

والنص إلى جانب متعة القراءة التي يحققها ، ما زال يمنح مسافات التأويل والتمحيص ، بما يحمل بين طياته من غنى إن على مستوى الصور البلاغية، أو على مستوى استلهامه للثرات الديني والإنساني الأدبي والفولكلوري، وتبدو جليا ملاءمة المعجم لدوال النص، فقد قطفت الشاعرة من حقول الصوفية ( الخلوة السرمدية – الوجود- الغيث- العشق الصوفي – الأسرار – الأربعين عشقا – راية الروح)..ومن التراث الشعبي نجد ( أحواش – تاونزة  الرباب – الحناء ) ومن الموروت  الديني ( سفر التكوين- تراتيل عيسى – فاقع لونها تسر الناظرين )

وعلى سبيل الختم تتأكد القناعة بان الشاعرة خديجة عثمان تحمل هموم الانثى في معناها المطلق ،بالتزام صوفي يجعها تذيب ذاتها لتجتمع فيها كل النساء ،وكأنها صهرت لواعجهن وهمومهن في كأس اليقين تتجرعها في صمت الحكيمات ليأتي الفيض شعرا شفيفا وئيدا كحديث الروح يسري نحو مرافئ الجمال والكمال..

كل التقدير لهذا البيرق يلوح من بعيد كمنارة الوصول أو مفازة العبور نحو ضفاف الأمن المنشود ..وكل التبجيل لهذا الالتزام بقضية تخص نصف المجتمع بل كله ، قضية المراة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!