الزمن عند حنان باشا بين الوجع والرحيل والوهم

كتبت :تبارك الياسين

‎إن الزمن في نصوص حنان باشا هو صوت نسوي ناقد، يعبّر عن تجربة المرأة بين الرحيل والوجع والوهم. وهو مرآة تكشف وجعها وتحديها، وتعيد بناء هويتها في مواجهة مجتمع متسارع وقاسٍ. ورغم الطابع العاطفي الذي يغلّف سردها، فإن معالجتها للزمن تضعه في صميم
‎التجربة الإنسانية والنسوية معاً.

‎تتعامل الكاتبة الأردنية حنان باشا مع الزمن في أعمالها القصصية بوصفه عنصراً درامياً محورياً، لا مجرد خلفية للأحداث. فالزمن يتحوّل لديها إلى رمز يعكس صراع المرأة مع الفقد والاغتراب والوهم، ويصبح أداة نقدية تكشف حدود الواقع الاجتماعي وقسوته.

‎في “للرحيل طقوس أخرى”:


‎يصبح الزمان طقساً يومياً يُعاد ترجمته ليحمل دلالات الرحيل العاطفي والاجتماعي. العنوان نفسه يشير إلى “طقوس” تتجاوز  الزمن، حيث يتداخل الماضي مع الحاضر في حلقات من الانتظار والانفصال. على سبيل المثال، في القصة الرئيسية التي تحمل العنوان نفسه، تُصور باشا الزمن كمحبس ذهبي يربط بين الزوجين، لكنه يتحول إلى قيد يعجل الرحيل هنا، ويجعل الزمن يسير ببطء في لحظات الذكريات العائلية  ثم يتسارع نحو الانهيار العاطفي، الزمن هنا رمزاً للتحولات في موقف المرأة من الرجل في وقت الشدائد الاقتصادية والاجتماعية.
‎يتجلّى الزمن مثل طقس يومي متكرر، ولكنه في الوقت نفسه يكشف لحظات الفقد والرحيل. فهو يبطئ عند استعادة الذكريات العائلية، ثم يتسارع عند الانفصال والانهيار. كما في قصة ( المحطة لا تنتظر أحداً)
‎ بهذا المعنى، يصبح الزمن قيداً يفرض على المرأة طقوس رحيل لا تنتهي. وقد وصف الناقد نايف النوايسة هذه المجموعة بأنها “غارقة في موضوعة المرأة”، لأن الزمن فيها يبرز الفجوة بين طموحها وبين واقعها الراكد.
‎الزمن في هذه المجموعة سريع كالضوء وبرتم بطيء كدقيقة هربت من عقارب الساعة

‎في “أوجاع البنفسج”:

‎يتحول الزمان إلى “أوجاع” حسية تُشبه رائحة البنفسج المتفتّتة، رمزاً للذاكرة الجماعية المجروحة. الزمن هنا ليس خطياً، بل مجزأً كأوراق الزهور تحت العواصف، يعكس التوتر بين الجمال الزائل والألم الدائم. البنفسج، كرمز أنثوي، يمثل زمناً يبطئ في اللحظات الشخصية (الحنين إلى الطفولة أو الحب المفقود)، لكنه ينفجر في صدمات الحاضر، كالحروب أو الفقدان الاجتماعي. هذا التصوير ينتقد الزمن كعامل يُسرق من المرأة حريتها، حيث تُصبح الأوجاع “بنفسجية”  رقيقة لكنها عميقة
‎يتحوّل الزمن إلى وجع حسي وذاكرة مجروحة. فهو ليس خطياً، بل مجزأً كأوراق البنفسج الذابلة، يربط بين الماضي الحالم والحاضر الموجع. الزمن هنا يُظهر كيف تُسرق من المرأة لحظات الحرية، ولكنه في الوقت نفسه يمنحها القدرة على تحويل الألم إلى قوة وصمود. البنفسج يصبح رمزاً لزمن أنثوي هشّ من الخارج، لكنه عميق الدلالة من الداخل.
‎النقد هنا يكمن في أن الزمن، رغم ألمه، يصبح أداة تحررية عندما تُرويه المرأة، مما يجعل الكتاب شاهداً على صمودها العاطفي.

‎في “وقد يكون وهماً”:
‎يُقدَّم الزمن كوهم يتداخل فيه الواقع بالخيال. أحياناً يتسارع في العلاقات الاجتماعية، وأحياناً يتباطأ في الذكريات الخاصة. الزمن هنا انعكاس للاغتراب النفسي، وأداة دفاعية ضد الفقدان. وتحوّله الكاتبة إلى “احتمالية مفتوحة”، تجعل منه مجالاً للتحرر وإعادة صياغة الذات.

‎وقد يكون وهما.
‎ يعامل الزمن كوهم يتداخل بين الواقع والخيال، حيث يفقد الراوي سيطرته عليه ليصبح مرآة للاغتراب النفسي. الزمن هنا غير ملموس .إنه “وهم” يتسارع في اللحظات الاجتماعية (كالعلاقات الزوجية المتوترة) ويتباطأ في الذكريات الشخصية، مما يعكس تحولات المرأة من الاعتماد إلى الاستقلال. هذا النهج ينتقد الزمن كبناء اجتماعي يُفرض على المرأة، حيث يُصبح الوهم دفاعاً نفسياً ضد الفقدان، كما في صور الرجل الذي يُرسم كظل زمني متعالٍ أو غائب.  تستخدم السرد المتداخل لتُظهر كيف يتحول الزمن إلى “قد يكون” احتمالية مفتوحة للتحرر، مما يجعل القصة نقداً للوهم الذي يحيط بنا

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!