– هاشم خليل عبدالغني- الأردن
هيام شحادة شاعرة فلسطينية تكتب قصائد وطنية ووجدانية ، في منتهى الرقة والشفافية ، كما نلمس في شعرها الوطني روحا حالمة ثائرة متفجرة بالغضب .
أحبت شاعرتنا .. الكتابة مند الصغر، وشغفت بالشعر. كتبت وتكتب الخواطر والنصوص الأدبية ، نثرًا وشعرًا موزونًا ، تخرجت من كلية الآداب – قسم اللغة الإنجليزية ، لها ديوان شعر بعنوان ( همسات وحديث الروح ) من ابرز هوايتها القراءة بكافة إشكالها ، آداب وفن وشعر ، وهي عازفة قيثار جيدة ، من الشعراء المفضلين لدى (هيام شحادة ) محمود درويش ، أبو القاسم ألشابي ، ونزار قباني ، فدوى طوقان .. وفي هذه العجالة سنلقي الضوء على جانب من قصائدها الوطنية :-
– الوطن والقدس:-
في قصيدة ” وجع في وطني ” وبلغة قريبة جداً من اللهجة العامية ، تتحدث الشاعرة عن صمود وثبات ومقاومة الشعب الفلسطيني ، فتصفه بأنه شعب صابر يتحمل بكبرياء وجلد المصائب والمحن والبلاء ، وحيدا في ساحة المواجهة بعد أن وقعت القدس قي قبضة العدو الصهيوني ، ونفض الحكام العرب أيديهم من القضية الفلسطينية .. وتدين وتستهجن الشاعرة صمت العرب وتخليهم عن واجبهم نحو ارض فلسطين المقدسة ، وما يتعرض له المسجد الأقصى من اعتداءات همجية من قطعان الصهاينة ، (حالة الأقصى تدمي القلوب ) وتتساءل مستنكرة موقف الحكام العرب ” أنتم صامتون ” ماذا فعلتم لفلسطين ؟ ! فماذا تنتظرون ؟ّ!
” آآآخ يا وطن
يا شعب صابر عالمحن
فلسطين يتيمة والقدس أسيرة
طالها وجع ووهن
أمة يعرب ,,يا أمة الضاد
ما بالكم؟ أقصانا الجريح يئن,,
ينادي وأنتم صامتون ..تاهت دروب الصلوات
والنسك والعبادات …أغلقت أبوابه ومازلتم صامتون
وعن الحق ساكتون فماذا تنتظرون
سلام على أقصانا يوم اشتد عليه البأس …وعليه تبكي العيون ”
إن للقدس مكانة خاصة عند المسلمين والعرب …. هي أولى القبلتين التي توجه إليها المسلمون في صلاتهم نحو ما يزيد عن ستة عشر شهرا بإمامة النبي صلى الله عليه وسلم . وفيها ثالث الحرمين الشريفين ، و فيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هنا يرتبط ذلك المكان بعقيدة كل مسلم ، والقدس هي مهبط الأنبياء والرسل ومنها انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده لا شريك له .
وفي القدس أبرز معالم الحضارة الإسلامية وقد تركت تلك الحضارة بصمات لا تنسى فيها ، مازالت ماثلة أمام التاريخ كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة والجامع العمري وحائط البراق .
تتحدث الشاعرة هيام شحادة في قصائدها عن المكانة الخاصة للقدس عند الشعب الفلسطيني ، فهي جزء لايتجزأ من هوية الشعب الفلسطيني وثقافته على مر التاريخ والعصور، فالشاعرة ملتزمة بقضايا شعبها ومجتمعها تعبر عن همومه الإنسانية والوجدانية والوطنية والقومية، وتبرز بوضوح الظلم الذي لحق بأبناء فلسطين ..
فالقدس بالنسبة للشاعرة انبعاث نور محسوس أضاء العالم بهاء ومعرفة وتوحيداً وإيماناً بالله . وهي دقات وضربات قلب كل حر نبيل شريف عالي الهمة ذو مكانة عالية ..
تخاطب الشاعرة القدس لا تحزني ولا تتوجعي فسيبقى نورك مضيئاً شديدا بقدسيتك وعظمتك ومكانتك ، بالتضحية والفداء وبدماء الشهداء وستظل أمجادك ومآثرك مصونة عزيزة …
” يا قدس يا إشراقه الروح يا نبض كل الشرفاء
لا تحزني ,,,نورك وقاد بدماء الشهداء
أمجادك عز وبهاء وإباء ”
تواصل الشاعرة هيام شحادة .. بيان قداسة مدينة القدس وأهميتها .. فهي منارة العلم ونوره وإشعاعه الذي هدى البشرية للحق والإيمان .. وهي ارض الشرفاء والأتقياء الظاهرين . وهي أيضا المكان الذي يحشر فيه الخلائق يوم القيامة .
” يا منارة الشرائع و أرض المحشر والمنشر
يا منبت الأحرار والأولياء
يا قدس ,,يا بوابة السماء ”
بعد أن تحدث الشاعرة ” هيام شحادة “عن الوطن الفلسطيني والقدس تحديداً .. وما يعانيه الفلسطيني من وجع وما تعانيه القدس من مكابدة وتهويد .. تنتقل للحديث عن ممارسات الاحتلال الصهيوني من مصادرة للأراضي الفلسطينية ، وخاصة استهداف منطقة الخان الأحمر المطلة على مدينة القدس… كخطوة صهيونية أخيرة لوأد حلم الدولة الفلسطينية .
فتقول الشاعرة ألم ووجع فيك يا وطني ، وغربة لا تنتهي ، وتشير الشاعرة إلا أن قرية الخان الأحمر ، هي بوابة القدس ونافذتها .
” وجع فيك ياوطني
وتغريبه لا تنتهي
هي الباب والنافذة والكتاب
هي مدخل للقدس تعتلي فوق السحاب ”
وتتحدث الشاعرة عن جرائم الصهاينة ،و مقاومة وتصدي الفلسطيني لمحاولة هدم وتدمير ومصادرة أراضي قرية الخان الأحمر ، وتشريد أهلها بالقوة فتقول :
” فيها نسابق حلمنا للحرية ….هي الخان الأحمر
وهمجية احتلال لا تنتهي
هدم..وتنكيل..وتشريد,, وعذاب
طمس للعلم والمعرفة كي يعيش فيها الأغراب ”
o أمام هذه الهجمة الشرسة تطالب “هيام شحادة ” أبناء فلسطين بالصبر والثبات والتحدي، كما أنها ترفع من معنويات أبناء شعبها ، حين تشبه رجاله بالأسود في الذود عن الحق والوطن، ونساؤه الماجدات في منتهى الشرف والمروءة مقاومات صابرات . .. إلى أن تقول ..هذه سمات شعب الجبارين منذ الأزل .
o ” صبرا يا وطني ,, صبرا
فيك رجال أسود ونساء ماجدات
فيك شعب الجبارين لا غاب منهم من غاب ”
o
– أيقونة فلسطين :-
كما ترصد وتسجل “هيام شحادة ” بكل فخر واعتزاز ، بطولات المقاومين الفلسطينيين ، الصامدين رغم الجراح ، ففي قصيده ” جميلة فلسطين …عهد ” تتحدث عن شجاعة وبطولة الفتاة الفلسطينية عهد التميمي.. التي تصدت لجنود الاحتلال بكل شجاعة ورباطة جأش ، حين صفعت جنديا صهيونياً مدججا بالسلاح ، ما أدى إلى اعتقالها من منزلها. سنة 2017، كانت عهد التميمي لا تزال طالبة في الثانوية العامة بالفرع الأدبي في مدرسة البيرة الثانوية للبنات. أصبحت عهد التميمي أيقونة وطنية بالنسبة للفلسطينيين، الذين رأوا في وقوفها في وجه جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح شجاعة كبيرة.
o هيام شحادة .. التقطت بعدسة حروفها صوراً لبطولة ( عهد) وعلقتها في معرض الفداء والتضحية الفلسطيني ، إلى جانب المقاومين الأحرار ، ” عهد ” كما تصفها الشاعرة : غضب وبراءة .. وحرية تنتظر بلا قيود ….لا يخضع فيها الفلسطيني لقهر أو غلبة ويتصرّف طبقًا لإرادته وطبيعته ، كريماً عزيزاً بريئا من الذل ، بما عرف عنه من كبرياء وعزة .
“يا غضب الثورة ودمع الأبرياء
حرية تنتظرك على أعتاب وطن
والعهد لخطاك ثابت…. صرخة الحرية
نبض عز وكرامه
سنابل الكبرياء تعانق السماء ”
تنتقل الشاعرة لوصف جمال الفتاة ” عهد ” وصفاً ماديا محسوساً ، ضفائر شعرك عهد الشقراء التي تشبه شعاع الشمس ، نار حامية تدك وتدمر حصونهم المنيعة ، وزرقة عيونك الحادة الممتلئة عِزَّةٍ ورِفعة وشرفا .. امتدت وطالت السماء ، حين قمتِ بإذلال وإهانة الجندي الصهيوني بصفعه بيدك الحرة على وجهه الكريه ، بكل شموخ وأنفة وعظمة .
تؤكد الشاعرة بأن موقف ( عهد ) هذا شاهد على بطولات الشعب الفلسطيني ، ودليل على عدم استسلامه وثورته الغاضبة .. التي تعرقها الأمة العربية جمعاء .
” خصلات شعرك الذهبية كشعاع شمس
لهيب نار حمراء تدكّ حصونهم الهوجاء
زرقاء العيون ثاقبة نحو مجد للوطن يطال السماء
صفعة يد فلسطينية حرة والهامة تشمخ في العلياء
وشاهد عصر يحاكي بطولات وثورات غضب
تشهدها الأمة جمعاء ”
ولشهداء “مسيرات العودة ” التي بدأت في قطاع غزة والتي سلطت عليها الأضواء الإعلامية بفكرتها وسلميتها وبشهدائها وجرحاها الذين كتبوا صفحات مشرقة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتحول بعضهم إلى أيقونات في النضال الفلسطيني.” كتبت الشاعرة (هيام شحادة ) قصائد تمجد بطولاتهم وتحيي تضحياتهم ، وتوثق انتهاكات الاحتلال ، وتؤكد أن مسرات العودة ، شوق للأرض وتثبيت للحق .
– شهيدة الإنسانية:-
في قصيدة “رزان يا درّة الوطن ” تشيد الشاعرة ببطولة وشجاعة رزان النجار شهيدة الإنسانية ،21 عاما، التي استشهدت في شرق خان يونس خلال عملها في إسعاف الجرحى في الأسبوع العاشر من “مسيرات العودة الكبرى” عند حدود القطاع مع فلسطين المحتلة .
تشير الشاعرة في نصها ( رزان يا درة الوطن ) إلى أنها شهيدة من شهداء فلسطين ، قامت بواجبها نحو أهلها ووطنها ، تخاطب الشاعرة ( الشهيدة رزان ) لقد كنت بما قمت به من عمل بطولي شجاع ، بالقرب من خطوط التماس مع العدو الصهيوني ، بإسعافك للجرحى المكلومين ، زارعة البسمة على شفاههم ، ملاكا يضمد جراحهم ، ويداوي آلامهم ، وأنت متفائلة بالنصر ، سلاحك ضمادة ودواء وإيمان ..وتهنئ الشاعرة( رزان ) بنيلها الشهادة وبفوزها بالفردوس برفقة الشهداء والصديقين .
“يا بسمة على شفاه المكلومين
ملاك حنا بجناحيه يضمد جراحا
يداوي ألاما لجرحى في العراء
قامتك مستبشرة ضاحكة هيفاء
يداك بالدم الزكي مخضبتين
مقدامة سريعة الخطى رمضاء
على خط النار تهرولين
يا بسمة العمر والعمر انقضى
أيتها الراحلة عن دنيا الفناء
اهنئي بالفردوس مع الشهداء ”
ولنتذكر معاً ما كتبته رزان على فيسبوك قبل استشهادها بيوم : «راجع ومش حتراجع، وارشقني برصاصك ومش خايف، وأنا كل يوم بكون بأرضي سلمي وبأهلي حاشد، مستمرون بجمعة من غزة إلى حيفا».
– حارس الحدود “المقعد”:-
تتحدث الشاعرة في قصيدة ( راية خفاقة ) الشهيد إبراهيم أبو ريا المقعد الفلسطيني الذي تحدى الاحتلال ، حين أطلق جندي صهيوني النار على رأسه ليرتقي شهيداً وهو يحمل العلم الفلسطيني .. أثناء مسيرات العودة في قطاع غزة ، ” شهيد بنصف جسد .. لكنه بعزيمة أمة ”
تقول الشاعرة مخاطبة الوطن .. وطني فيك أنين ووجع مؤلم ، ناتج عن الاحتلال والحصار والقهر ، ولكن فيك رجال لا يقبلون الدنية ، منهم رجل ( مقعد ) اكتسى وجهه بالنور والتقوى والصلاح ، ولكنه نار ملتهبة على العدى .
وتواصل الشاعرة سرد طريقة مشاركة ( إبراهيم أبو ثريا ) في مسيرات العودة ، كان رحمه الله يزحف على ارض الوطن مقبل لا مدبر نحو حدود أرضه المحتلة ، بكل كبرياء وأنفة وشموخ ، رافعا راية الوطن ، استطاع ( إبراهيم أبو ثريا ) المقعد أن يزلزل الأرض بعزيمته التي لا تعرف الخوف والتردد ، تحت أقدام المحتل الغاصب ، وتذكرنا الشاعرة في ثنايا نصها بمقولة للشهيد (فلسطين بلدي والقدس عاصمتي ) .
“فيك يا وطني وجع,,وأنين
بطل من نور ونار
زحف على ثرى وطن
ذراعان شامختان
راية العز ترفرف خفاقة
نصف جسد زلزل الأرض
نيرانا وبركان غضب
فلسطيني رافع الهامة
منتصب القامة
(فلسطين بلدي والقدس عاصمتي )
أيها البطل هذا نداؤك”
إلى أن تقول الشاعرة ، لقد سقطت شهيدا في سبيل الله والوطن ، فعشت عزيزا مكرماُ نبيلاً ، واستشهدت كريما جامعا للخير والشرف والفضائل ، وتطالب الشاعرة بإشعال نار المقاومة في أرضنا المحتلة لتكون نيراناً وبراكيننا تحت أقدامه .
” في سبيل الله والوطن لبيت النداء
عشت عزيزا وموت كريما
صنعت مجد أمة مازالت نائمة
أيها الجسد الممزق,,أشعل الأرض
نيرانا وبركانا ”
مما تقدم نلاحظ أن الشاعرة عبرت عن عواطفها وموقفها من الكيان المحتل ، وسجلت جانبا مشرقاُ لمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال ، بلغة نبرتها عالية وبروح ثورية تُجِلّ الشهادة والشهداء ..
هاشم خليل عبدالغني