بقلم:كمال محمود علي اليماني
نشرت القاصة والروائية أوسان العامري رابط مجموعتها القصصية ( عيون الشقاء) على صفحتها في الفيسبوك ؛ مما حدا بي لأن أنزل المجموعة وأقرأها ، فلقد قرأت لها بعضاً من القصص القصيرة في الفيسبوك ، وقرأت لها من قبل روايتها ( وجه القمر) ، ووجدتها قاصة متمكنة من فن القصة،
التجنيس الذي حمله الغلاف للكتاب هو ( مجموعة قصصية) ،ولقد حوى الكتاب بين دفتيه 24 قصة قصيرة في 127 صفحة ، وكانت القاصة أوسان قد أصدرت قبلها رواية ( وجه القمر) المذكورة آنفا ، وهي الرواية التي فازت بجائزة محمد عبدالولي للرواية ، في دورتها الأولى ، والتي تبنتها دار عناوين الثقافية.
حملت المجموعة عنوان القصة الثالثة التي انتهت بعبارة تقول: (( ونسيت يا أماه أن للشقاء عيون ))، ولقد تساوق العنوان مع المتن الحكائي في المجموعة وعبر عنه تعبيراً دقيقاً ؛ إذ جاءت كل القصص تقريباً تحمل في ثناياها صورة من صور الشقاء والمعاناة والعذاب .
وبالنظر إلى الحقل الدلالي لعناوين المجموعة نجد: عيون الشقاء ، بقايا قلب، قتل حلمي ، رسالة لم تقرأ ، فقدت بعضي ، قارب من ورق ، حافية القدمين ، حبيس المقهى ، اشتعال الفاجعة وحوار مبتور .
وهي عناوين تبعث في النفس إحساساً بالشقاء دون شك.
والقصص التي حوتها المجموعة ، وإن كانت من وحي الخيال في معظمها ، إلا أنها تلامس الواقع بشكل لافت وتعالج مشاكل يعانيها أفراد المجتمع بكل فئاته، ولهذا فكل القصص تنتمي للأدب الواقعي.
كان السارد في أربعة عشر قصة غائباً ، في حين أنه كان حاضراً في عشر قصص
؛ ولهذا جاءت القصص العشر بضمير المتكلم ، وهي القصص التي ظهرت فيها الانفعالات والبوح بصورة أكبر ؛ نظراً لما يمنحه ضمير المتكلم من إمكانية للإفصاح عن المشاعر الذاتية للسارد ، والاتجاه نحو تصوير أحاسيسه الداخلية.
خط سير السرد كان مستقيماً في كثير من القصص ، أي بداية /وسط / نهاية ، غير أن القاصة قد عمدت إلى الاستفادة من تقنية الاسترجاع في عدد من قصصها ؛ مما أحدث قطعا في خط السير السردي، وهي تقنية اعتمدت في بعض الأحيان على التذكر للرجوع إلى الماضي ، وأحياناً أخرى كان فيها الانتقال من زمن ومكان القص إلى زمن ومكان آخرين بما يشبه الالتفات.
وعلى الرغم من أن القصص ، كما ذكرت سلفاً، في من الأدب الواقعي إلا أن لغتها لم تكون مباشرة أو وعظية أو فجة كحال الواقع ، بل إنا حظيت بلغة شفافة ، شاعرة ، راقية ، ولم تعتمد القاصة اللهجة العامية في حواراتها ، ولكنها لجأت إلى العربية الوسط التي تتناسب مع مستويات جميع أبطالها.
اللافت للنظر في قصص المجموعة أن القاصة أوسان العامري قد التزمت جميع عناصر وأركان القصة: من شخصيات ، وأحداث ، وحبكة ، وحوار ، وزمان ، ومكان في جل قصصها. وأدارت الأحداث بإحكام وبقدرة فائقة تؤكد موهبتها ، وتحمل رسائلها إلى القارىء بشكل مشوّق وممتع.
تناولت القاصة عددا ً من الموضوعات المتنوعة التي تنقلت خلالها من معاناة أفراد من المجتمع من الفقر ، أو الإهمال ، أو العنف الأسري والاختطاف القسري ، وآخرين عانوا من الفقد والغياب ، ومن تسلط المجتمع بتقاليده البالية التي تحول دون تحقيق مطامحهم ، بالذات فيما يتعلق بالمرأة ، وبالمناسبة ، فقد وقفت القاصة موقفاً وسطاً في تناولها لمعاناة أفراد المجتمع؛ إذ لم تكن صوت المرأة المفرد كحال كثيرات من القاصات ، لكن قصصها توزعت بين المرأة والرجل ؛ فجاءت إحدى عشر قصة ببطلات من النساء ، وعشر قصص بأبطال من الرجال ، وقصة واحدة بطلها طفل ، وبهذا تكون أوسان العامري قد تفوقت على ذاتها الأنثوية ، وتجاوزتها إلى دائرة المجتمع الأوسع.
وإذا كان القاص الرائع راجح المحوري قد جعل أدوات موسيقية أبطالاً لقصة من قصص مجموعته( إحساس محرّم) ، فإن القاصة أوسان قد جعلت أبطال قصة لها غصن ، وقصة أخرى غصن وعصفور.
ولقد سعت القاصة ، في مجموعتها ، إلى إبراز الجانب المأساوي في حياة أبطالها ، الذين هم أفراد المجتمع، لتشكّل بذلك إدانة للظروف التي يحيونها ، والتي تسببت في شقائهم ، وهي بذلك ألقت الضوء وسلّطته بقوة على قاعدة أن معرفة المشكلة هي نصف الحل، ولا أدل على ذلك من النهايات المستكينة والمستلبة التي أنهت بها الكثر من قصصها ، مثل:
* لقد صار جسداً فقط ، اما الذاكرة فهي عالقة هناك وراء دهاليز السجون.
* مات الرجال في عيني من بعده ياريم.
* أبى الغصن إلا السكون فاشتدت عليه رياح الشوق ؛ فانكسر.
* أغلقت الباب وغرقت في الظلام مرة أخرى.
* كيف أطل، وأنا الضرير ياغيمة.
حوت القصص الكثير من الصور الجميلة التي أتقنت القاصة إيرادها في ثنايا قصصها سرداً ووصفاً ، ومنها قولها:
* طرقت الباب . فتحت عيني وتأففت . ظننت الوقت مازال ليلاً . تسلل شعاع الصباح مبتسماً يراقص ستائر نافذتي.
* ارتجفت شفتاها . تلاشت الدموع من عينيها كما تبددت العهود والأحلام.
* وارتعشت يداها . سقط طوق الياسمين من يديها. تناثرت زهرات مغادرة بتلاتها، مشيعةً حباً مات في حضن الخذلان.
* غامت مآقيها
فقلت في نفسي: الآن تمطر.
* ذات صباح كانت على المورد وحيدة كنجمة تغفو على وجه الشفق.
* انتظرتُ الموسم بفارغ الصبر
وطال الانتظار..
حلَّ مزهراً
عاد عبقهن من جديد وأشرق الغيم
أزهر المكان، وتنفس جمالاً.
* كعقد لؤلؤ انتثرت على الرصيف.
كانت رحلتي القرائية مع هذه المجموعة رحلة شائقة وممتعة، وكيف لاتكون وقد ضمت المجموعة قصصاً نُسجت بإبداع ينم عن موهبة قصصية مبدعة.
أوسان العامري قاصة سيكون لها شأن في عالم القصة اليمنية والعربية، ولسوف تثبت الأيام صدق نبؤتي فيها ، بإذن الله.