هاشم خليل عبدالغني – الأردن
الـقدس بالـنسبة للـشعراء العـرب والفلـسطينيين،رمـز عـزة وكـرامة ، وهـي كـذلك مـركـز الـصراع العـربي “الصهيوني”.
تفاعل الشعراء العرب مع القــدس وانتصاراتهـا وانكـساراتها وبيـنوا أثـر ذلـك كـله فــي نـفـوس الـمسلـمين وخـاصة أهـــل فلسطين.
ومـن أبـرز الشعـراء الأردنـيين الـمعاصرين الـذيـن تفـاعـلوا والتحــموا بالقــدس التحاماً روحيـاً ووجـدانياً ، وعـبروا عــن معــاناتها بــكـل صـدق والـتزام الشاعـر المتميز جـاسر خـالـد البـزور .
البــزور شـاعــر وكـاتـب مـن بلـدة ” المطلة “قضـاء جنـين (نائـب رئيس جمعيـة خـطاب الثقـافية في مدينة المـفـرق ) نشر
عـدداً مـن قصائـده فـي مجـلات وصحف محلية وعربية والـمواقــع الالـكترونـية . أصــدر ديـوانيين شعـريين هـما : ( ثغر الهـوى – فـي حـضــرة الـربيـع ) ومخـطـوط شعــري قــيد الانجـاز بعـنوان “على هامش الخجل” .
البـزور عـضو فــي عـدد مـن الروابـط والاتـحادات الثقافية الأردنـية والعـربية ، عـضو رابطــة الـكتـاب الأردنيـين– عـضو الإتحـاد العـام للـكتاب والأدبـاء العـرب– عضو اتحاد كتاب آسيا وأفريقـيا وأمريـكا اللاتينيـة .
ابتداءً لا بد من الإشارة إلى أن القـدس ومسجـدها الأقصى المبـارك،تعـاني معـاناة مركبة كما يتبين من قصيدة( للقدس ) للشاعر جاسر البزور، تعـاني من الاحتلال أولا : تعاني من محاولة الكيان الغاصب، محو معالمها الإسـلاميـة وتـدمـير مقـدساتهـا، مـن حـصـار ودمــار؛ مــن حـفــر وإحــراق ، مــن قتل وإبعاد،ومصادرة وهــدم للبـيوت فـي محــاولة لتغيير الحـقائق التـاريخية والجغرافية عــلى الأرض لـنزع الصـفة العــربيـة الـفـلسطينيــة عــن الــمـدينـة وإلباسهـا ثـوباً صهيونـياً زائفاً.
والمعانـاة الثانية : للأسف فـي ضوء التـجربـة التـاريخية لـما يقــارب أكثر من ثمانين سنة، ثبــت انه لا يمكن التعويل الجاد على دور عـربي أو إســلامي ، فالعرب والمسلمون في سبات عميق ولا يتـوقـع لهـم أن يستيقـظـوا أبــدا، رغــم أن الأقصى على وشك الانهـيار،بفـعـل الحفـريات مـن تـحته والاستعـدادات قـائمـــة لاقتسـامـه بين اليهـود والمـسلمـين مـرحلـيا قبــل أن يفـرضـوا سيطرتهم الكــاملة عـلـيه، وطـــرد المسلــمـين مـنه وبـناء الهيكـل المزعوم .
يثـير الشــاعر فـي قـصيـدته عــدداً مـن الأسئلـة ، إذا لم يحرك العـرب والـمسلمـين اغـتصاب مقدساتهم، فـما الذي يحـركهم ؟ ما المـطلوب من العـرب والمسلمين تجاه الأقصى؟ وهـل بات العرب بعيدين عن القضية الفلسطينية؟ ولماذا ؟
في مطلع القصيدة يشير الشاعر إلى عمـلية التزييف والتزوير التي أراد لها النظام العربي أن تصبح حـالة طبيعة مـعتادة في وجـدان الإنسـان العـربي ، بـالتسـتر عـلى الحـقيـقة لتـضلـيل الرأي العام العربي .
فـالشاعـر يـؤكــد أن حقيقة المتخاذلين واضحة كالشمس وإخـفاء الحـقـائق لـن يــدوم ،لا خـوف عــلى القـدس مــن الصهاينة ولا من صفقات ترامب.. بقـدر الخـوف مــن “خناجر الغدر ” فبعضـهم قرر بيع القـدس سراً .. ثـم يندد في الإعلام علناً ! هذا الواقع المتردي.. دفع العـاجز عـن الكـلام للكلام والجهر بحقيقة تواطئكم وتأمركم وفجوركم .
ولكن يـا من تسيرون في درب مظـلم لا نهايـة له ، إن نجمة في سماء القدس ( طفلة مقدسية مرابطة) صادقة العقيدة والإيمان بأرضها وحقها، فضحت حقيقتكم المزيفة بصمـودهـا ومـقـاومتـها لـلمحـتل وبـرفـضها الـخـضوع والاستسلام .هذه المرابطة صرخت بكل إباء وشمم بوجه الصهاينة ” دولتكم المزعومة تحت قدمي ” .
ما كانَ للزيفِ وجهٌ يَحْجبُ
الشَّمْسا
لكنَّ فَرطَ الخَنا قدْ يُنطق
الخُرْسا
لمْ تَنحني طفلةُ الأَقْصى
لِمغتَصِبٍ
بالمقابل نجد عبداً رقيقا للدرهم والكرسي ، خائن لوطنه وأمته ودينه ، تنازل عن مبادئه لأعداء الوطن ، في سبيل تحقيق مكسب شخصي .لا علاقة له بالقدس والمقدسات.
إن المالك الشرعي للقدس رجالها المدافعون عنها الذين نذروا حياتهم من أجلها .
يشير الشاعر البزور إلى أن مدينة القدس تحظى بأهمية دينية كبرى لدى المسلمين . فهي مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء ،فالمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثاني المسجدين، فهو أحد الثلاثة مساجد المقدسة التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارتها وشد الرحال اليها.
وابْنُ الخِيانَةِ عَبْدٌ طَأْطَأَ الرأسا
لا يمْلكُ الحقَّ مُثْليٌّ وليسَ
له باعٌ على الأرضِ حَتَّى يمنحَ
القُدسا
لا يَمْلكُ القدس إلا مَنْ يعيشُ لها
وٱيةُ الله في الإسراءِ لا تُنْسى
ويمضي شاعرنا في قصيدته بنهج الاستفهام الاستنكاري الــذي أضـاف دهشـة وإبـهاراً لدي المتلقي ، فيقول البزور كم أسقـطت المماطـلة والـتدليس أنظـمة لا عـهد ولا أمـان لها !! أنـظـمة لا تـتورع عـن ارتكـاب الجـرائم، واستـباحـة الـدمـاء وانتهــاك الـمقدسـات، ويتـابـع الشـاعـر قـائلاً ليتنا نتعلم من دروس الـتاريخ وعـبره ، أن الـربيـع الـذي حـلمنا به كـاد أن يجفف ما بقي من مروءتنا وحماستنا وصوتنا .
كما يرى الشاعر أن النصر من عند الله ولن نحقق النصر إلا إذا تخلصنا من الدنس والرجس والأعمال القبيحة القذرة .
كَم أسقطَ الغدرُ في التسويفِ أنظمة
وليتَ يُعطي لنا تاريخُها درسا
كادَ الرَّبيعُ بأن يمتَّصَ نَخْوتَنا
لولا الحياءُ وكِدْنا نفْقِدُ الحسَّا
يا قوةَ الله يا إيمان أمَّتنا
لن يُكْتبَ النَّصرُ حتى نَطْرد
الرِّجسا
بأسلوب سلـس مــرن ولغــة شـعـرية غــاصبة يـدعــو الشاعــر للثورة والتمرد عـلى كـل مـا ألم ببلادنا العـربية مـن فـوضى وتمزق ومعــاناة ورضــوخ للأعــداء ، ويطـالب البـزور( والوجــع يـعتصـر قلبه )، باجتثاث و اِسْتِئْصَالُ سوس الفـرقة والتبعــية مـن جذورها ويتسـاءل مستنكراً بغــضب شـديـد، أيـن الســلام وأقــصانا مستبـاح قطعـان الصهاينة ؟! أي سـلام تفـاوضون من اجله ! ” والتهديدات الإرهـابيــة العنـصـرية بـهـدم الأقــصى تبـلـغ ذروتـها والاعتــداءات الـصهيونيـة عــلى الـقـدس والأمـاكـن المـقدسة لم تتوقف منـذ عـام 1967 “.
أيقَنْتُ من قبل والٱلامُ تَعْصرني
من فَزَّ مِنْ سَوَسٍ فَلْيَخْلَع
الضِّرْسا
أين السلام وأقصانا يُباحُ به
نَبْحُ الكلابِ وفي جيبِ الرَّدى
أمسى
ويمضي الشـاعـر بتوجـيه أسئلـته الاستنكــاريـة ، لمـدعـي الشهامة والرجــولة الذين يرددون شعـارات الوطنية والحب فـي المناسبات الوطنية،أين رجولتكم وكـــرامتكم ومروءتكم ؟ فــمنـذ
أن أقيـمت دولـــة الاحــتلال على الأراضي الفلسطينية وهي تعلن خـطـطها ونـــوايـاهـا لتهويـد القـدس والاستـيلاء عــليها ،ومـنـذ الاحـتـلال الصـهيـوني لـلـمدينة المـقـدسة عـام 1967 ، تعـرضت المـدينـة إلـى إجـــراءات إداريــة وعــسكرية تـهــدف إلى فــرض الطـابـع اليهـودي عــليها، فـالشاعـر يصـارحهم (الرجــولة عــمل بطـولي لا يُصنـع فـــي النــوادي ووســائل الإعــلام ) بـصراحـة ”
لا تحدثوني عـن الرجولة … دعوني أراها ” .
يستنكر الشاعر تخاذل الحكومات العربية والإسلامية عن نصرة المسجـد الأقـصى، وغـياب شعـوب الأمـة عــن صـد الهـجمـة التـي استهدـفت المساس بقبلــة المسلمين الأولى.، من المعيب والمشين أن نـكتـفي بـالتنـديد والاستنـكار فــي قمـمنا ، وفــي الأقـصى نسـاء مـرابطـات منـذ عــشرات السنيين ، فــي مصــاطب العـلـم والتعــلـيم والصلاة والاعتكاف، والدفاع عن هذه المساحة الدينية والتاريخية.
يرى (الشاعر البزور) أن الوقائع كشفت النوايا الحقيقية لبعض الأنظمة العربية التي تؤيد الفلسطينيين وتؤكد على حقوقهم ،ولكنها حقيقة تعمق علاقاتها وتوثيقها مع دولة الاحتلال “الصهيوني”، خروجًا عن الوطنية والعروبة.
فهذه الأنظمة العربية التي فرطت بالكثير من الثوابت ،تركت المقاوم الفلسطيني وحيداً في الميدان دون أي دعم معنوي أو مادي واكتفوا بالتنظير ودعم إعلامي مزدوج ، منافق ، متخاذل، يقوده منتفعون فاسدون يروّجون معتقدات، أيديولوجيات وشعارات رنّانة وطنّانة من أجل مصالحهم الشخصيّة، فإدّعاء الدفاع عن الوطن تجارة رابحة ..
( إذا نطق الغراب فقال خيرا*** فأين الخير من وجه الغراب ) دعوات هذا الغراب وأمثاله لن تجد لها صدى أو آثرا في نفوس الأحرار .
أين الشهامة يا من تهتفون بها
أَمْ أنَّهُ الجُبْنُ إِنْ لَمْ أُخْطِئ
أَمْ أنَّهُ الجُبْنُ إِنْ لَمْ أُخْطِئ
الحَدْسا
عارٌ علينا وفي الأقصى … مرابطة
تُقاومُ الذُّلَ والأحقادَ والرَّفْسا
ونَرفعُ الشَّجبَ والتَّنديدَ في قِمَمٍ
وَتَضرِبُ الكَأْسُ مَعْ أعدائِنا الكَأْسا
وَيُتْركُ الحرُّ في الهيجاء… مُنْتصِباً
مِنْ غيرِ نِبْلٍ ، كَفيفٌ يَسْحَبُ… القوسا
مَدَّتْ لهُ كَذِباً تَنْظيرَها فِئَةٌ
وَجْهُ الغُرابِ بِها يَسْتَنْطِقُ الدَّسا
والثائرون بَدو مِنْ حَوْلِهِ زَبَداً
لَوْ راحْ يُصْرِخُهُمْ لَنْ يَسْمَعَ.. . الهَمْسا
ما حل بفلسطين والقدس بالتحديد ، وعد رباني ، ووعد الله سيكتمل بالنصر وتحرير فلسطين من الصهاينة ، كما يشير الشاعر إلى أن البطش الصهيوني ،من قتل وتعذيب وتشريد وتهجير واعتداء على حرمات المسلمين فاق كل الحدود .
ثم ينتقل الشاعر للحديث عن الغدر والتدليس ، فيقول : إن الخونة الذين اشتروا بخبثهم وخــداعهم،المجـد والرفعة والوجاهة الزائـفة أوْلَى بهؤلاء وبأمثالهم العقاب الشديد تحت طائلة الخيانة العظمى .. ( الشيء المؤسِف والمُحزن في الخيانة ، أنها لا تأتي أبداً من أعدائنا ) كما قال – غوتاما بودا– .
وينهي (جاسر البزور ) قصيدته مخاطبا الناس .. لقد بينت وبإسهاب الأخطار التي تحيط بالقدس ، مـن استيطان وأنفاق وحفريات ، تغيير المعـالم الإسلامـية حـول الـمسجد الأقـصى ، سرقـة الـــوثائق الإسلامية المتعلقة بالقدس ،في ظل هذا الواقع المؤلم ،القدس تستـغيث بـالعـالمين العـربي والإسـلامـي ، لتحريرها مـن بـين أنياب مؤامرات التهويد.. فهل من مغيث؟
هذا هو الوعدُ والأسْوارُ تَحْمِلُهُ
وَسَطْوَةُ الظُّلْمِ رَوَّى فَيْضُها.. الغَرْسا
إِنَّ الَّذينَ اشْتَروا بالغَدْرِ هالَتَهُمْ
أَحْرى بأنْ يَشْربوا في المُنْتَهى … البُؤْسا
يا أيُّها الناس إنِّي قَدْ بَصَرْتُ … بِكُمْ
قُدْساً تُنادي فَقوموا وابْذِلوا.. النفسا
مما تقدم يتبـين أن الشاعر تنـاول فـي قـصيدته جـوانب متعددة أبرزها الاحتلال الصهيوني للقدس، ومـا يقوم به من تهويد للمـدينة المقدسة ، كما تناول مـقاومة أهلها للاحتـلال والمرابطة الدائمة فـي ساحات ومصاطب المسجد الأقصى ، كما أشار للتخاذل العربي عــن نصرة القدس والأقصى ،ووقـف مد يد العـون المادي والمعنوي لـهم كما هاجم المطبعين العرب مع الصهاينة بالسر والعلن .
لعـل أهـم ما يـميز هـذا الـنص اللغة الثورية المتمردة ، والتعابير المـدهشة التي تترك أثـرا وبـصمة فــي نفس المتلقي، فالنص يمتاز بـالصدق ووضـوح الفــكرة والجــرأة ، كـما يمتاز بجمال الإسلوب ووضوحه وقوة الحجة والبرهان .