القاص والناقد / محمد رمضان الجبور/ الأردن
(مغاريف) …هكذا طاب للقاصة والكاتبة ماجدة الطراونة أن تعنون مجموعتها القصصية الثانية ، بعد أن صدر لها مجموعة قصصية بعنوان ( طفلة الفرح ) ، بالإضافة لما تكتبه للأطفال ، فقد صدر لها ( النهر الحزين ) ،( ورقة بسكويت شجاعة ) ، ( ندى وصديقاتها ) .
(مغاريف )…مجموعة قصصية حديثة الإصدار ، ضمت بين دفتيها اثنتين وعشرين قصة قصيرة ، تنوعت موضوعاتها رغم أنها في النهاية تصبُّ في بوتقةٍ واحدة ، فهي تعالج مجموعة من الظواهر الاجتماعية السائدة في المجتمع العربي عامة والمجتمع الأردني خاصةً.
وربما أكثر ما يستفز المتلقي في البداية ذلك العنوان ( مغاريف) ، ويشعر المتلقي بشيء من الدهشة والاستغراب ، وتزول هذه الغربة عندما يعلم المتلقي أن القاصة ماجدة الطراونة قد قصدت هذا العنوان واختارته لمجموعتها ، لأنها أرادت أن تغرف من كل بحر من بحور الإبداع غَرفة ، وبحسها البدوي الجميل تعلم أن العيون مغاريف الحكي ، لذا نرى في صورة الغلاف الأمامي قد برزت صورة العين واضحة ، وكأنها تريد أن يحمل الغلاف دلالة العنوان ، فجاءت صورة العين تؤكد ما رمت له القاصة والكاتبة ماجدة الطراونة ، ومفردة مغاريف من المفردات الشائعة ، فهي من الفعل غَرفَ ، وربما جاز لنا أن نقول أن القاصة في اختيارها لهذا العنوان قد تناصت مع الآية القرآنية في سورة البقرة ” فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلً”
بالإضافة لما أسلفنا من تناص العنوان مع المثل الشعبي ، العيون مغاريف القلوب أو العيون مغاريف الحكي ، وقد قيل المثل بأساليب متعددة .
تكاد تكون القرية من العناصر الرئيسية والهامة في مجموعة القاصة ماجدة الطراونة ، فهي ابنة القرية بكل ما تعني الكلمة ، فهي تعشق القرية بكل ما فيها ، فالقرية كانت الأساس والمركز الذي انطلقت منه العديد من قصص المجموعة ، فعنصر المكان كان من العناصر الهامة ، لا شك أن هناك مجموعة من العناصر البنائية التي تساهم في بناء وتجميل القصة القصيرة ، وربما كان أبرز هذه العناصر في هذه المجموعة المكان …القرية …المدينة …الدكان ..المدرسة …الشارع …بيت العنكبوت ….، فالمكان من أهم العناصر الأساسية في معظم الأعمال الأدبية ولكنه في القصة والرواية يكون الأبرز والأهم ، ففيه تجري الأحداث ، ومن خلاله تنمو الشخصيات ، وقد عمدت القاصة ماجدة الطراونة لعنونة بعض قصص المجموعة بما يدل على أهمية المكان على سبيل المثال : قرية الأحلام ، قريتي ، عمان مدينة الأحلام ، في طريقي لمدرستي الجديدة ، بيت العنكبوت ، دكان العم راضي ……
ومن خلال هذه العناوين تحاول القاصة أن تصف الحياة الاجتماعية والحياتية للمكان سواء كان القرية أو المدينة ، من عادات وتقاليد ، ورسم مشاهد للقرية بجمالها وما يعمها من هدوء ، ووصف للحياة القروية .
ففي قصة ( قرية الأحلام ) تقرر ليلى الابتعاد عن القرية والبحث عن مكان آخر تنعم فيه بالراحة والهدوء ، وتحزم أمتعتها وتبدأ بالبحث عن ذلك المكان ، وبعد محاولات عدة ، وبعد أن تلتقي بمجوعة من الأشخاص أثناء بحثها وتنفر من تصرفاتهم ، تعود أدراجها إلى قريتها وهي في قرارة نفسها تقول ، أنه لا يوجد أجمل من قريتها . ” سارت ليلى دون اتجاه محدد وقررت أن تركب مع أي سيارة تصادفها في طريقها من اجل التوجه إلى قرية أكثر هدوءاً وأغنى حالاً. ” [1]
وفي قصة ( قريتي) تتغزل القاصة بجمال قريتها فتُصبغ عليها كل صفات الجمال ، فالشمس تنشر خيوطها الذهبية على القرية ، والقمر يكتب أشعاراً في جمالها ويغازلها ، حتى الغيوم تكون في قريتها سخية كريمة ، وتصف القاصة أشجارها ، وثلوجها ، وصيفها ، وبردها وحرها ” الشمس تطلع من قريتي وتنشر خيوطها الذهبية على الكون عشقا .. والنجوم تسامر قريتي لتخبر العالم بحكاياتها الموروثة من جذور الأصالة .. أما القمر في غازل قريتي ليكتب أشعارا بسحرها ومفاتنها ،ويوزع دواوينه على عشاق الكون ليزدادوا عشقا وولها أما الغيوم فهي سخية رخية تهطل على قريتي دلالا وتروي سهولها وهضابها غيثا لتزداد جمالا وخصوبة. وعندما يأتي الثلج يكللها كعروس فاتنة تخفي جمالها لفصل الربيع الخلاب. ” [2]
قد تلجأ القاصة إلى الإيحاء والتلميح أحياناً ، فقد وفقت القاصة ماجدة الطراونة في نسج بعض القصص التي أضفت عليها جمالية دلالية ، فأصبحت تحمل بعداً إبداعياً منح الحدث انزياحاً عن رتابة السرد ،ففي قصة ( عصافير الدوري والطيور المهاجرة) تعقد القاصة مقارنة ما بين طيور الدوري التي هي جزء من القرية ، وبين الطيور المهاجرة التي دخلت القرية وفرح الناس بألوانها وجمالها ، فالطيور التي اعتادت القرية على وجودها –طيور الدوري- تساعد الفلاحين في الحفاظ على الزرع والسنابل بقتل الحشرات والتخلص منها ، ولكن الطيور المهاجرة التي أتت من خارج القرية فتكت بالزرع وعاثت فساداً بالقرية ” ذاتي ومتفاجئ الفلاحون بعصافير غريبة تحلق في سماء قرانا ذات ألوان مختلفة كألوان قوس قزح.. أنبهر الجميع بجمالها وروعة ألوانها وتغريداتها الأخّاذة للعقول.. انشدّ الجميع نحوها وحمّلقوا أنظارهم بها ليستمتعوا بجمالها ولم ينتبهوا بأنها نهشت السنابل وأكلتْ القمح. حاولوا أن يُبعدوها ولكن للأسف كانت قد استوطنت وبنتْ أعشاشها فوق الأشجار”[3]
رمزية جميلة وظفتها القاصة لمعالجة قضية تعاني منها الأوطان .
وفي قصة ( عمان مدينة الأحلام ) نبقى مع المكان الذي يُشكّل الخطاب القصصي والجزء الأكبر من المادة الجوهرية للخطاب وما يحمه من دلالات اجتماعية وسياسية وثقافية ، فالقاصة ماجدة الطراونة تتحسس بقلمها النماذج الإنسانية التي ترتبط بالمكان ، سواء كان المكان حقيقياً أو رمزياً ، فهي تتجول بقلمها عبر القرى والمدن طارحةً أفكارها ، ففي قصة ( (عمان مدينة الأحلام ) تتوقف القاصة مع الذكريات ، ذكريات الطفولة ، وكيف كانت تتخيل عمان ، بشوارعها المزدحمة بالمارة والسيارات ، مما حدا بها أن تسير وراء رجل ليس والدها ، فقد ضاعت في الزحام ، ثم تنتقل بنا القاصة إلى بعد أربعين عاماً وهي تعلم كل شبرٍ في مدينة عمان ، فكأننا أمام وصف تاريخي لمدينة عمان بأسلوب قصصي ممتع .
لم تخلُ هذه المجموعة من رصد لمجموعة من الظواهر الاجتماعية ، فجاءت بعض قصص المجموعة تناقش بعض القضايا الاجتماعية الهامة ، ففي قصة ( ملك الكرسي عبد الله حماشا) تسرد لنا القاصة قصة ذلك الشاب ( عبد الله حماشا) الذي أقعده المرض وهو في سن الطفولة ، فصار لا يقوى على المشي ، بل أصبح الكرسي ، كرسي ذوي الإعاقة الحركية رفيقه الدائم ، ولم يثنِ ذلك من عزمه وأرادته ، فما كان منه إلا أن نزل إلى السوق ليصبح بائعاً للأحذية حتى لا يكون عالةً على غيره ، فالقاصة تطرح قضية من قضايا المجتمع ، فالشاب عبد الله حماشا رغم إعاقته ورغم مرضه ، لم يقعده ذلك ‘من أن يعيش من كد وتعب يده ، وكأنها ترسل رسالة للذين أصابهم العجز المعنوي وليس الجسدي لحثهم على العمل وعدم الجلوس .
القصة فيها رسائل متعددة ، فهي تصف الصعوبات التي يجدها من فقد الحركة ، أيضاً رسالة إلى المجتمع للاهتمام بهذا الفئة من الناس ، فهم يحتاجون الرعاية أكثر من غيرهم .
“تبدأُ المعاناة من خروجنا من منزلنا الذي يقع في الطابق الأول من العمارة التي نسكن بها ونزولا لدرج حيث يحمل نيهو وإخوتي حمل الله بوط على الأرض وهم يشعرون نيب أننَّي ملك على الكرسي وصاروا ينادونني بملك الكرسي فانطبع اللقب فيداخلي كنجمة تضيء دروب العتمة، كانت ضحكاتنا تملأ الفضاء أملا وتزلزل كل درجة تهبط أقدامنا عليها ثقة وعزم”[4].
وفي قصة (رصاصة العنوسة) تتحدث القاصة عن ظاهرة اجتماعية أصبحت من القضايا الهامة في المجتمع العربي عامة ، وهي قضية زواج الفتيات ومشكلة العنوسة ، فالأب أو الأم تسارع إلى تزويج الفتاة لأول من يتقدم لها ، فليس للفتاة من خيار إلا أن تقبل بمن تقدم لها ، حتى لا تبقى عالة في وجه والدها ووالدتها . ” إنها الرصاصة القاتلة التي أصابت فارس أحلامها من أمها عندما أطاعته اونفذت رغبتها حنقا لتلها ذات يوم »عليك قبولأ ولطالب ليدك حتى لا يفوتك القطار في محطة العنوسة.” [5] .
لا نريد أن نسترسل في الوقوف عند نماذج أخرى ، رغم أن المجموعة تزخر بقصص أخرى ، عالجت بعض الظواهر الاجتماعية بأسلوب قصصي وسرد ممتع ، نبارك للقاصة ماجدة الطراونة ، ونتمنى لها مزيد من النجاحات .
[1]مغاريف ص9 [2]مغاريف ص 21 [3]مغاريف ص57 [4]مغاريف ص 34 [5]مغاريف ص37