المنشأ النفسي وكينونة النص

بقلم:محمّد مجيد حسين

اللسانيات الحسية في أجندة الصمت في أعماقنا مابين خانة الاحتواء ومرايا الإنسان الأعلى وفقا لنيتشه 1844- 1900، وفي الرواق المعرفي المتعامد يمكننا استخصار “رولان بارت 1915- 1980″ عبر نظريته: موت المؤلف.. أي أن المعاني تكتمل عبر القراءات ذات المناخات المُتباينة، فالمعاني المولودة مع صرخات النص الأولى لها لذتها، والمعاني المنبثقة من ذهنية القراء لها لذتها أيضاً.. هنا ثمة تشابك وتكامل في مصادر اللذة،
ويمكننا تحويل التشابك الدلالي إلى ثراء جمالي يناظر قبح العالم.
لهفة المطر
للمٌبدعة فوزية سليمان نموذجاً
لنقرأ النص معاً:
لهفة المطر
جمال الأنوثة إشراقة
تمد يد روحها
لتزرع أرض النجوم
هي الشتاء الذي يرويك مطره
الربيع الذي يُزهر به عمركَ
الصيف الذي يُضيء شمسكَ
الخريف الذي يعيد ترتيب أوراقكَ
فمن فرش لها الأرض..
فرشت لهُ خدها ورداً.
فوزية سليمان.
كي نعبر إلى ما وراء مقاصد النص
ونفتح أقفاله يفترض علينا الذهاب إلى دار الأوبرا وتخزين ما يمكن تخزينه من صدى النغمات كي نمتلك بعضًا من مقومات جذور الروح للكاتبة؛ فليس الجسد وهو منْ يكتب.. الروح هي منبع الإبداع.. هنا تأتينا سمو الشاعرة فوزية سليمان بنص غزير السيميائيات رغم قصره.
” لهفة المطر”
مدلول ذو أبعاد إبستمولوجيا حسَّية بمعناها العميق..
للمطر موسيقاه الدافئة، وربط المطر باللهفة
هنا استطاعت الشاعرة خلق طقس جاذب للمتلقي الشغوف.. المطر روح الأرض واللهفة ركيزة أساسية في منظومة ديمومة المشاعر الإنسانية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالحب بين طرفين متصالحين مع ذاتيهما..
لنذهب إلى منعطف الفصول في النص:
هنا الأنوثة التي تشبهها الشاعرة بالفصول هي الشتاء الذي يُعلن نهاية الظمأ؛ فهي تروي خليل روحها كعلاقة الأرض بالمطر
“هي الشتاء الذي يرويكَ مطره
الربيع الذي يزهر به عمركَ
الصيف الذي يُضيء شمسكَ
الخريف الذي يعيد ترتيب أوراقكِ”
هنا تؤكد الشاعرة أهميتها المطلقة بالنسبة لتوأم روحها؛ فهي الشتاء الثريَّ الدافئ الحنون.. والربيع في الرواقين الروحي والجسدي وهي أجواء الصيف
وهي الحصاد الأخير الذي يأتي في الخريف كمؤشر على عمق المشاعر ومتانتها، ومساحات اللهفة الثائرة بهدوء كأنها بوصلتها في الجهات الأربعة.
سنأخذ صورة أخرى من النص
” فمن فرش لها الأرض ورداً
فرشت له خدها ورداً”
هذه الصورة صوفية الروح
فطرفا العلاقة كأنهما من ذات المنشأ النفسي فكلاهما يسعى إلى بلوغ ذروة الإيثار..
الأول ” فرش لها الأرض ورداً
فجاء ردها: فرشت خدها ورداً”
هذا العمق الشعوري في عصر الأنا القاتلة للمشاعر أعتبره إنجازاً شعورياً مؤثراً وجاذباً متشعب الدلالة.
لهفة المطر
النص ذو أجواء صوفية
تعيد للأدب الكثير من قيمه التي انحسرت في عصر الرقمنة، وهذا نتاج الجانب المظلم للحرية المطلقة” الليبرالية”
لهفة المطر للشاعرة فوزية سليمان
يحثنا على العودة إلى اللذة البيضاء المنبعثة من قوانين الطبيعة المطر والأرض وانعكاسات روح الفصول على مأدُبة الكيمياء الملتهبة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!