بقلم:محمد مجيد حسين
“الشعر الحديث لا يعبّر عن العالم، بل يعيد خلقه بلغته الخاصة.”
على ضوء هذا التصور يقدم الشاعر محمد مجيد حسين نصاً شعرياً ينسج ملامحه من بنية حداثية تستند إلى تعددية الدلالات وثراء الصورة الشعرية، والاشتغال على الرمز، في تماهٍ بين العاطفة والانزياح اللغوي، ما يمنح النص طاقة إيحائية كثيفة.
العنوان ودلالته النبوئية
يفتتح الشاعر نصه بعنوان استشرافي (“نبوءة قلبي”)، مما يوحي بتمهيد لحالة شعورية لا تروى بل تتنبأ و تستشرف لا تعاش فقط. وهذا يضع المتلقي في حالة ترقب وتأويل مستمر معززاً البعد الفلسفي الغنوصي للنص….
المعجم الشعري والرمزية
يوظف النص معجماً مركباً من عناصر الطبيعة (“طوفان”، “دمع”، “ليث”، “أوراق الأرز”، “الخريف”، “الربيع”) ويعيد إنتاجها في سياق ذاتي-رمزي. فـ”النون” تتحول من حرف إلى كينونة جمالية متشظية بين الحضور والغياب و بين “واحة” و”ثورة”، في إحالة مزدوجة إلى الأنثى والكتابة معاً حيث تطابق “النون” الأنوثة والجمال والحريق الداخلي….
التناص والانزياح
النص يستبطن أصداء دينية وصوفية وأسطورية دون الإفصاح المباشر مما يمنحه قابلية للتأويل المتعدد. فـ”النون” قد تومئ إلى بدايات “ن والقلم وما يسطرون”، بما يشي بإيحاء قرآني صوفي لكنها تنزاح نحو فضاء أنثوي جمالي تراجيدي….
الشعرية الحداثية
تتمظهر حداثة النص في تفكيك البنية الخطية التقليدية للقصيدة. فغياب السردية الكاملة وتداخل الصور وكثافة المجاز وتعدد الأصوات الداخلية (أنا/هي/النون) تجعل النص يتجاوز التعبير إلى الإيحاء محققاً شعريته من خلال تكسير اللغة لا عبر سبكها….
الجمال بوصفه مأساة
الجمال هنا ليس مظهراً سطحياً ، بل قوة فاعلة تفتك و تحرض و تذيب، وتبعث الحياة من “زوايا قاتلة”. فالجمال أنثى، نار، دمعة، وطن، وربما كتابة. هذا الانزياح من الجمال كمتعة إلى الجمال كمأساة هو لب الرؤية الحداثية في النص…
و بالتالي ، يمثل النص شعرية حداثية بامتياز ، يتكئ على الانزياح و التكثيف الرمزي ويعيد تشكيل الأنوثة والكتابة والجمال كأقانيم ثلاثية تؤسس لعالم متوتر ميتافيزيقي، يزاوج بين اللذة والألم و بين الطوفان والسكينة. تتجلى حداثة الشاعر لا في مخالفة الشكل فقط، بل في تفجير اللغة من الداخل لتغدو الكتابة فعل وجود، و”النون” مرآة الذات والآخر والغياب….
إنحاز فاطمة العبدالله
نبوءة قلبي .. طوفان العناق
بضراوة تهزُ
ملوحة الدمعِ
وزئير ليثٍ
تحت سطوة الأنوثة
وسلطان الجمال
على مسرح أوجاعي
يفتك بيّ ..
والأصيل الموغلِ بالدفء
يرسمُ حتمية الكتابة
على شرف النقاء
النون تقتحمُ نبوءة قلبي
متماوجة على أوراق الأرز
صانعة لمواد لا تنزف
وربما للنون سحر الغياب
في أوبرا الجمال ..
وأنا مُتيم بالجمال
ومن زوايا قاتلة
تبعثُ الحياة ..
النون :
أوراق الخريف
نعومة الربيع
و..
النون فضاء الدهشة
في أكتوبر
النون واحة الفيافي ..
ثورة على امتداد
نهر جنوني ..
الحرائق الباردة
الحرائق الصامدة
النون أميرة الحرائق
في زحمة الدموع
عند طوفان العناق ..