الواقع والأسطورة في رواية “العاشق الذي ابتلعته الرواية” لأُسَيد الحوتري

قام من مهده شامخًا، منتصب القامة يمشي، يختال بجماله. أسَر النّاس بطيب قلبه ورُقيّ خُلقه. فكان العاشق الذي تماهت روحه مع أرواح الآخرين والأوّلين.
يحمل في داخله قصة عشق بسيطة استحالت إلى قضية وجودية تشغل كيانه.
فما هي تلك الرواية التي سكنت كيان هذا العاشق وابتلعته؟
سؤال يتبادر إلى ذهن القاريء حول العلاقة الجدلية بين العاشق والرواية، منذ العتبة الأولى حيث العنوان الدّال والمفتوح على التأويل.
تُعد رواية “العاشق الذي ابتلعته الرواية” للكاتب أسيد الحوتري، عملا أدبيًّا يقترب في من الأسطورة ضمن أجواء رمزية كثيفة، تجمع بين التاريخ والسياسة والإنسانية في القضية الفلسطينية، في سياق يختزل تجربة الإنسان الفلسطيني بين صراع الوجود والانتماء، وتحوّل العشق من تجربة إنسانية لتتجاوز حدود الفرد وتلامس الهمّ الجمعي للأمة.
وتتجلى الرواية في بنائها السردي المتماسك والذي تتشابك فيه الأزمنة التاريخية، الممتدة من العهد العثماني مرورًا بالانتداب البريطاني وصولًا إلى الاحتلال الصهيوني، في صياغة درامية تُجسّد تطور المعاناة الفلسطينية بوصفها مسارًا إنسانيًا وتاريخيًا متواصلًا.
واستطاع الروائي توظيف تقنيات الميتاسرد بوعي فني جميل، حيث يستحضر أرواح الأدباء الفلسطينيين وتجسيدها في شخصية “عميد الأسرى أو الأديب”، التي تمثل الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، مُستخدماً الأداء المسرحي داخل السرد لتكثيف البعد الإنساني في تجربة المقاومة، وتفعيل الذاكرة كعنصر ديناميكي في بناء النص.
ومن أبرز سمات الرواية دمج السرد الواقعي بالأسطورة والتراث الشعبي، ضمن رؤية ميثولوجية مُحكمة الحًبْك، من خلال إعادة تشكيل شخصية (ظريف الطول) وإحيائها بوصفها رمزًا للمقاومة والخلود. في تماهي مع الأسطورة الكنعانية (بعل) بما تحمله من دلالات الحياة والتجدد والانبعاث.
وتتسم الرواية بتعدد الأصوات السردية والتركيز على الصراعات الداخلية للشخصيات، ما يعكس العمق النفسي والبعد الإنساني في الرواية. فيبْرز الصراع بين الانتماء والاغتراب، وبين الخيانة والنضال، كأحد المحاور المركزية التي تسهم في تطوير الحدث وتعميق الدلالة.
من جهة أخرى، منح الكاتب المرأة دورًا محوريًا فاعلًا، في حل الأزمات، وحل عُقد الأحداث، فتظهر كشريك في سرد الحكاية ومواجهة التحديات الكبرى التي تحيط بالأرض والإنسان.
وقد حملت أسماء الشخصيات مثل عليان، بعل، عنّات، عشتار، والفرس براق، دلالات رمزية تربط الماضي بالحاضر والمستقبل في تناص أدبي يُعيد إنتاج التاريخ في صور مُتجددة.
ويبرز البُعد الرمزي في الرواية في توظيف الكاتب للذاكرة بوصفها كيانًا حيًا يتنقل بين الشخصيات، مؤكدًا أن الذاكرة الوطنية هي القوة المحركة لبقاء الفلسطيني واستمراره.
وبرؤية فلسفية عميقة، تؤكد الرواية، أنّ الحرب لا تُقصي الحب. بل يظل حاضرًا بقوة، يصهل في كل زمان ومكان، يُذيب كل العوائق والمستحيلات، فتنتصر به الأرواح. إذ يُشكّل الحب بمختلف أشكاله، حب الأرض… الحبيبة… والطبيعة… والحياة، وِحْدة وجدانية لا تنفصل.
وهو مصدر النضال وجوهر البقاء في الحياة.
(لقد اختفيت لكنني لم أمت) عبارة مستعارة من رواية المتشائل لإميل حبيبي، تتردد في كل الفصول، لتُعبّر عن الخلود الروحي للعاشق، وعن انبعاث الروح الفلسطينية المقاومة عبر الأزمنة المختلفة والمتغيرة. روح لا تفنى مهما حاولوا طمس هويتها أو اغتيال شخصيتها. إحالة رمزية إلى استمرارية النضال الفلسطيني في ملحمة لا تنتهي.
وأنّ أرض فلسطين تظل ثابتة لا تتغيّر، وهي المكان التي تحتضن كل الأحداث، تبقى حجر الأساس لكل الحكايات.
واخيرا يعبّر الكاتب عن إيمانه بأن ما يُنتزع بالقوة لا يُستعاد إلا بالقوة. في إحالة واضحة إلى فلسفة المقاومة بوصفها شرطًا للوجود.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!