بقلم : الناقدة أسمى الزهار
تغيرات السّرد في التجربة الرّوائية:
قد تبدوا كلمة “رواية” في باديء الأمر كلمة بسيطة لا تستثير رغبة القارىء إلى معرفة بداياتها التاريخية أو مساراتها عبر الأزمنة القديمة و الحديثة..و حتى مصيرها في ظل الحداثة و العولمة إلّا أنّ انتشارها الواسع وتأثيرها على القاريء العربي و الغربي أدّى إلى إعطائها حجما لا يُستهان به و بُعدًا ثقافياً مهمًا ..هذا ما جعلها تخضع للدراسة من ناحية طريقة السرد ،ترابط الأحداث،الأبعاد الفكرية،و مواكبتها للتطور الحضاري الحاصل ..كذلك انعكاس الظاهرة المجتمعية في مرآة النص الأدبي..
في كتابه “نظريات السّرد الحديثة” أشار الكاتب والاس مارتن إلى فكرة تغيير أسلوب السّرد ذلك دون التخلّي عن الفكرة الرئيسية للقصة و نرى هذا جليّا في العديد من الروايات كرواية “العقل و العاطفة” ل جين أوستن حيث تحوّل النص من خطاب رسائلي إلى الشخص الثالث أو الغائب.
كانت الرواية و لاتزال فنّا نثرّيا لا علاقة له بالكلام الموزون و المقفّى كما يظهر ذلك في الشعر ..و لوحة جميلة يستمتع القاريء بكلماتها المزخرفة و أسلوبها السردي الأخّاذ و لذلك فقد تعدّدت الرُّؤى حولها و أهمها هو أنها تعتمد على جزئين مهمّين ألا و هما الحدث الرئيس، و طريقة سرده.
مع تطورات العصر اتجه النص الأدبي بخطى واضحة نحو التخلي عن العباءة التقليدية للرواية حيث أنه تحرّر من الكثير من الضوابط التي تتعلق بالأبنية و النّسق لغةً و خطابًا فصار هناك توظيف أكثر للفنون الإبداعية و التشكيلية على حد سواء مما ساعدها على الخروج من نفق النمطية القديم و ظهورها بشكل أكثر إثارة و تشوقا بعدما صار هناك دمج للمفاهيم السياسية و الأشخاص التاريخية و السِّير الشعبية بين أسطرها في الكثير من الأحيان…
لقد كان السرد الروائي ولا يزال وسيلة اجتماعية للتواصل بين الشعوب باعتباره الحامل الرئيس للأفكار والمعتقدات و التقاليد.. وتغيراته عبر التاريخ أحدثت منعطفا واضحا في مسار الثقافات..حيث أنها ساهمت في نقل أحداث المجتمعات و قضاياها عبر النصوص الأدبية التي شهدت في الحقبة الأخيرة تطوّرا ملحوظا بالأخص في هذا العالم الذي امتطى صهوة التكنولوجيا و مشى بخطى ثابتة نحو العولمة ، ما زادها انتشارًا في الآونة الأخيرة هو الترجمة نحو العديد من اللغات حيث أنها عملت على توحيد الأفكار و نشرها على حد سواء..هذا ما أضفى نكهة مميزة على الطابع الأدبي في مختلف الدول كانت عربية أم أجنبية..
لقد عرفت الرواية العربية تطورا كبيرا في القرن العشرين مما أدى إلى التفاف القراء والنقاد حولها رغم اختلاف اهتماماتهم وأهدافهم فازدادت مكانتها في النصف الثاني من هذا القرن حيث تعددت تقنيات كتابتها و تباينت الصِيغ
المستعملة في تشكيل ملامح السرد الروائي فتعددت عناصره و شخصياته و الفضاء الزماني و المكاني الذي تدور فيه الأحداث
لقد كان التعبير منذ بداياته احتياجا مهما في حياة الإنسان فرغبته في مشاركة تجاربه و
أحاسيسه دفعته إلى الكتابة ما أدّى إلى ظهور عدة أصناف أدبية نذكر منها أول نوع روائي ألا وهو القصة القصيرة و كتابة الرسالة حيث انتشرت هذه الأخيرة خاصة بين الخلفاء و الولاة و رؤساء الأحزاب ..فتعددت أنواع الخطابات الدينية و المناشير السياسية بينهم..كما تضمنت القصة قديما سردا بسيطا لأحداث أسطورية و أخرى واقعية تصور معارك العرب و طريقة عيشهم و تعاملاتهم ..فما كان أنذاك للقصة شأن يذكر و لم تكن لها رسالة إنسانية عظيمة تيتحق أن تضيف للأدب وزناً فالشعوب وقتها كانت تحتفظ بصورتها البدائية البعيدة كل البعد عن الحداثة ..
أحاسيسه دفعته إلى الكتابة ما أدّى إلى ظهور عدة أصناف أدبية نذكر منها أول نوع روائي ألا وهو القصة القصيرة و كتابة الرسالة حيث انتشرت هذه الأخيرة خاصة بين الخلفاء و الولاة و رؤساء الأحزاب ..فتعددت أنواع الخطابات الدينية و المناشير السياسية بينهم..كما تضمنت القصة قديما سردا بسيطا لأحداث أسطورية و أخرى واقعية تصور معارك العرب و طريقة عيشهم و تعاملاتهم ..فما كان أنذاك للقصة شأن يذكر و لم تكن لها رسالة إنسانية عظيمة تيتحق أن تضيف للأدب وزناً فالشعوب وقتها كانت تحتفظ بصورتها البدائية البعيدة كل البعد عن الحداثة ..
تعدّدت أساليب السرد قديما فراح البعض يروي قصته على ألسنة البهائم و الطيرحاملة بين طياتها حِكما و مُثُلا أخلاقية جميلة و انتهى البعض الآخر إلى تدوين القصص الشعبية بمختلف مواضيعها و تجلّياتها البسيطة البعيدة عن السياسة و التاريخ و الدين..
في القرن الثاني عشر ميلادي ظهرت قصة لطفل لا يعرف والديه ..يعيش في جزيرة مهجورة من جزر الهند ..ربّته غزالة
معتقدة أنه ابنها الضائع ..و هو “حي ابن يقضان” حيث أن هذه القصة اعتبرت الأحسن في أعين قراء ونقّاد العصور الوسطى.
فقد وصل كاتبها “ابن طفيل” القيسي الأندلسي إلى درجة كبيرة من النضج القصصي في إبلاغ الرسالة و جعل القارىء يعيش أحداثها كأنه جزء منها..ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الكاتب الإنجليزي رديارد كبلنج إستقى فكرة روايته ” الأدغال” منها..و كان ذلك في القرن التاسع عشر..لكن العمل الذي كان الأكثر شبها برواية “حي ابن يقضان” كان للكاتب الإنكليزي دانييل ديفو متمثّلا في روايته الشهيرة ” روبنسون كروز” .
فقد وصل كاتبها “ابن طفيل” القيسي الأندلسي إلى درجة كبيرة من النضج القصصي في إبلاغ الرسالة و جعل القارىء يعيش أحداثها كأنه جزء منها..ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الكاتب الإنجليزي رديارد كبلنج إستقى فكرة روايته ” الأدغال” منها..و كان ذلك في القرن التاسع عشر..لكن العمل الذي كان الأكثر شبها برواية “حي ابن يقضان” كان للكاتب الإنكليزي دانييل ديفو متمثّلا في روايته الشهيرة ” روبنسون كروز” .
بمرور السنوات وصل الوعي الأدبي إلى مرحلة الإستقرار حيث بدا نمو القصة و نضج ملامحها واضحا فبدأت تتغير نحو اتجاهات فلسفية معالجةً حقائق كبيرة و مشكلات اجتماعية عميقة؛ مُشكّلة كائناً قويا اسمه الرواية، حيث تبرز الشخصيات بشكل أفضل، والمشاعر بطريقة أعمق، و نتيجة لهذا التغير وصل الأدباء في فترة قصيرة إلى الدفاع عن هوّيتهم و حقوقهم و إبداء آراءهم السّياسية و الإجتماعية بصفة أكثر حرّية..