الناقد / محمد رمضان الجبور
يظلّ العنوان هو المفتاح الأهم في الولوج إلى متن العمل الأدبي ، والمدخل الرئيس الذي من خلاله يستطيع المتلقي أن يكوّن فكرة عن مكونات العمل الإبداعي ، فهو من أهم العناصر في دراسة العمل الأدبي ، ودليل القارئ للنص ، وفي رواية نجمة بيت لحم ، نرى أن الروائي قد أختار ما يناسب أحداث الرواية ، فنجمة بيت لحم لها دلالات متعددة ، صرّح الروائي ببعضها في متن العمل ، وغاب بعضها لأسباب فنية ولعدم وجود ما يناسبها من أحداث . ومن هذه الدلالات أن نجمة بيت لحم ، هي نبتة برية بيضاء اللون تكثر في الأراضي التابعة لمدينة بيت لحم ، وقد أطلق ( كنعان التلحمي على زوجته نوفة بأنها نجمة بيت لحم ” يفكر في التسمية سيسمي النملة نجمة . لأن زوجته نوفة نجمة بيت لحم . يبتسم مرة أخرى لأن النبتة هي نجمة بيت لحم . لا أحد هنا . تقف النملة تحاور النبتة . نجمة تحاور نجمة بيت لحم البيضاء تشم الأرض.”1
بالإضافة لما ورد عن قصة نجمة بيت لحم وولادة السيد المسيح عليه السلام فيقال نجم بيت لحم أو نجم الميلاد هو نجم ذُكرَ في قصة ولادة المسيح ( عليه السلام ) في إنجيل متى، حيثُ يروي الإنجيل أنه كشف مكان ولادة المسيح للمجوس الثلاثة وقادهم لاحقا إلى بيت لحم. كان المجوس الثلاثة من المشرق وبسبب ظهور النجم سافروا إلى القدس وهناك قابلوا الملك هيرودس الأول وسألوه: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ”.
تبدأ الرواية بصوت ( كنعان التلحمي) وهو ينادي على غنمه التي انتثرت فوق الصخور لترعى العشب ( عَي هو ) ، هذا الصوت يتكرر في الرواية كثيراً دالاً على اشتغال هؤلاء الناس بمهنة الرعي ، ثم بعد صفحات قليلة نرى أن ( كنعان التلحمي ) قد غاب وأختفى ، ويُرجح أهل القرية أن الجن والشياطين هم من خطفوا كنعان التلحمي ، وتظلّ زوجته نوفة تنتظر عودة كنعان ، ولكن دون جدوى .
والمتصفح لرواية نجمة بيت لحم يرى أن الروائي مصطفى القرنة قد ركّز في هذا العمل الأدبي على موضوع التراث بشقيه المادي والمعنوي ، فنراه يُعرّج على ذكر الأماكن القديمة في مدينة بيت لحم وما جاورها ” لا تجهد نفسك بالتفكير فإن سدوم وعمورة كانوا بالأمس هنا وتلاشوا خيط دخان ” 2
الرواية تتحدث عن حقبة غارقة في الزمن الماضي ، فيصف حياة الناس ، وكيف كانوا يعيشون في تلك الفترة من الزمن ، فالروائي يؤكد بأسلوب غير مباشر هوية الشعب الفلسطيني الذي عاش وسكن في هذه الأرض قبل مئات وآلاف السنين ، فيذكر بعض أسماء المغاور ، مغارة احميطون ، خربة قمران ، “مغاور الفرديس وهو جبل قريب سكنه ملك ظالم ، يسرق رجالهم ويقتل أطفالهم ، هم يسمعون صراخه من التل القريب يشق سكون الليل سأقتلكم ” 3
تنوعت أساليب ذكر التراث في هذه الرواية واشتملت على الكثير من أنواع التراث ، فوصف الحياة اليومية لهؤلاء الناس ، وكيف كانوا يعيشون في المغاور ، ويشتغلون في رعي الأغنام ، ونقل الملح من البحر الميت القريب من بيت لحم ، وذكر العادات والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الفترة كلّ ذلك هو من صلب التراث الذي أراده الكاتب .
وإذا ذكرنا التراث المعنوي ، فقد تلخص في كثير من المحاور ، فاختفاء كنعان التلحمي ورد ذلك إلى أن الجن والشياطين هم من حبس كنعان، هي من الحكايات الخرافية ، عادة رش الملح لصد الجن من الاقتراب من منطقة البشر ، قد تم ذكرها في أكثر من مكان من الرواية ، بل انهم احضروا الكثير من الملح على ظهور الحمير من البحر الميت للفتك بالجن والشياطين ، المحاكمات التي تم عقدها من قبل الجن لمحاكمة البشر ما هي إلا نوع من الخرفات وظفها الروائي في حديثه عن التراث المعنوي . هذه بعض الأمثلة التي وظفها الروائي للحديث عن التراث في مدينة بيت لحم القديمة .
تتنامى عقدة اختفاء كنعان التلحمي ، وتُصر زوجته على انتظاره ، ولكن يتضح لنا في نهاية الرواية أن الجن قد حكموا عليه بالإعدام وتم قتله ، وفي ذلك رمزية مفرطة في رصد معاناة الشعب الفلسطيني ، وما يعانيه من قتل وتشريد على أيدي الصهاينة الغزاة .
جماليات المكان :
لقد ارتبط عنوان الرواية بالمكان ، فبدا هو القاسم الأعظم في الرواية ، وقد تعدد ذكر الأماكن بما يناسب الفضاء الروائي ، وقد برع الروائي مصطفى القرنة في توظيف المكان في العديد من الروايات ، بل لا نبالغ إذا قلنا أن الروائي القرنة مُغرم في تتبع وذكر الأمكنة ، فعلاقة الروائي بالمكان علاقة وطيدة ، وقد أحسن وأجاد في توظيفها ، وقد ساعده في ذلك خياله الخصب وثقافته الواسعة .
وفي هذه الرواية (نجمة بيت لحم ) نرى الروائي قد أولى المكان عناية خاصة ، فتحدث عن الكثير من الأماكن التي كان لها دور في إغناء العمل الإبداعي ، فالمكان الكبير الواضح هو مدينة بيت لحم ، المدينة الفلسطينية التي تمتد جذورها إلى ما قبل الميلاد ، المدينة التي اشتهرت بآثارها التاريخية والدينية ، فقد جعل الروائي منها البؤرة التي منها تنطلق الأحداث وتتفرع ، بالإضافة لما ذكره عن تلك الكهوف والمغاور التي انتشرت في ذلك العهد ، بل كانت مساكن للكثير من الناس ، وربط الروائي ما بين المدينة بيت لحم وما بين البحر الميت ، وصور لنا كيف كانت رحلة جلب الملح من البحر الميت ، فالمكان في رواية نجمة بيت لحم يحمل دلالات متنوعة ، وعلاقات تبين مدى ارتباط الإنسان بالمكان ، فالتفاعل مع المكان أضفى على الرواية نوعاً من الحركة وساعد في ظهور الشخصيات ورسمها وتوظيفها ، ويظل المكان له حضوره المتميز في الرواية ، فمن خلاله نقرأ الأحداث ونميز سلوك الشخصيات ، وقد تنوّعت الأمكنة التي تطرق إليها الروائي لتناسب تطور العقدة والأحداث ، فهناك المغاور ، وجلسات المحكمة التي تم عقدها من قبل طائفة الجن ، والجبال والوديان ، والبحر الميت وما جاوره ، ومملكة سدوم ، ووادي التين ، جبل دنون ، خربة الفشخة ، بئر الحثرورة، وغيرها من الأماكن التي كان لها الحضور المميز .
وتظل رواية ( نجمة بيت لحم ) رواية تؤرخ لفترة زمنية محددة ، وتحكي قصة مجموعة من الناس وقع عليهم الظلم وحاولوا الفرار ، ولكنهم تمسكوا بالأرض والوطن ولجأوا إلى الكهوف والمغاور من بطش الأعداء ، وتضاف هذه الرواية إلى رصيد الروائي الكبير مصطفى القرنة ، فقد صدر للروائي قبل هذه الرواية أكثر من خمس عشرة رواية ، ويذكر أن هذه الرواية صادرة بدعم من وزارة الثقافة الفلسطينية بمناسبة اختيار مدينة بيت لحم عاصمة للثقافة العربية .
1) الرواية ص 7
2) الرواية ص 5
3) الرواية ص 15