حكاية اغنية/عاده صغير يربونه بقلم/ غلام علي

 

كلمات الشاعر : ابوبكر باسحيم
الحان وغناء : الفنان عوض دحان

صادفت قمري سلب عقلي
يمشي بخطوات موزونه
عاده صغير يربونه
شعره مسلسل شعر هندي
بالمسك والعود يدهنونه
الخشم نصله سلب شرقي
كل الغواني يحسدونه
العين بالكحل مليانه
وسحر هاروت في عيونه
والساق في البحر يتمايل
كأنه إلا سمك تونه
خدود فيها خلق ربي
عمباء وفرسك وزيتونه
والصدر بستان يا روحي
اثنين شراح يحرسونه
من يوم شفته أسر قلبي
بعيونه الحلو وبجفونه
حواجبه سود فتانه
كانها سيوف مسنونه
والكف منقوش بالحنى
خبراء من الشام ينقشونه
يا غارة الله من حسنه
وريح عطره ومفتونه
عاده صغير يربونه

من واقع الحدث والتجربة الشخصية كفنان وشاهد عيان اروي قصة ميلاد الرائعة الغنائية الابينية ( عاده صغير يربونه) :

في مطلع السبعينيات في الزمن الجميل ، ايام الحرية والانفتاح والطيبة والبراءة وبساطة الحياة ، وهي أحلى مرحلة عشناها بريعان الشباب وعنفوانه مع تقليعة الشارلستون والآفرو والكعب العالي .

هناك حينما كنا على موعد مع الفرح والابتهاج والرقص ، على ايقاعات وانغام الديسكو وميلاد هذه الرائعة الغنائية وذلك من خلال محفل عرس ( مخدرة) لأحد زملاء الدراسة في حارة ( العصلة) أحد أعرق الأحياء الشعبية في مدينة (زنجبار العاصمة الإدارية) لمحافظة أبين التاريخية ومن احياءها الشهيرة كذلك : حارة سواحل زنجبار , دار الأمير ( الطميسي) ، حارة الصرح ، حارة باجديد ( المحل ) مسقط رأس الزعيم خالد الذكر سالم ربيع علي (سالمين ) الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته .

كما توجد العديد من القرى والمعالم المتناثرة على ضفاف الدلتا وتحيط بزنجبار العاصمة كالسوار على المعصم ومنها :
حصن آل شداد ، المراقد ، باجدار ، باشحاره ، عمودية ، المسيمير ، الخاملة ، الديو ، الكود .
بالإضافة إلى قرية الشيخ عبدالله ، قرية الشيخ سالم ، الطرية وعبر عثمان والمخزن وجسر بو شنب وغيرها من القرى والمعالم .. وكذلك قلاع خنفر جعار الشهيرة والحصينة ذات التخطيط الحضري والعمران الحديث والطرق المسفلتة والمعبدة ( العاصمة السياسية لابين ) .

ميلاد الرائعة (عاده صغير يربونه ) :

وعودة للرائعة الغنائية عاده صغير يربونه ، كان الفنان المستضاف في ذلك المحفل أبنها البار الاستاذ عوض سالم دحان من مواليد شقره 1954 م وقد بدأ نجمه يسطع ويتلألأ في سماء الأغنية ويفرض وجوده بكل قوة من خلال إعماله الجديدة ( والجديد الطازج في كل محفل ) المواكب لايقاعات العصر وعدم التقليد واستجرار أغان عفى عليها الزمن من كثر الاستجرار والتكرار المقيت والممل .
وبذلك بتقديري الشخصي كان ومازال متسيدا بروائعه الغنائية وبصوته الطربي الجهوري وبحضوره الطاغ في الافراح والفعاليات الشعبية والمجتمعية بكل جدارة واستحقاق والفنان الشعبي الأول المطلوب والمرغوب جماهيرياً .

الفنان القدير عوض دحان ( عندليب حسان) وغريدها الاقر وسفير الأغنية الابينية الدحيفية هو الامتداد الطبيعي للرواد الاوائل ممن نشروا اللون الابيني في الزمن الجميل ومنهم الفنان القدير حمود حزام وشقيقته الفنانة آمنه حزام والرائعة الدحيفية على اسطوانات الجرامافون ( دخلنا عدن منشان فوطه حرير لكنه التاجر البهري مغلي علينا حريره ) والفنانه العدنية فطوم ناصر ، محمد صالح عزاني ومجدد الأغنية الحديثة والكلاسيكية العملاق محمد سعد عبدالله والرائعة الخالدة ( سرى الليل وا نايم على البحر ماشي فايده في منام الليل حل السريه ) والفنان المتعدد المواهب عمر محفوظ غابه والرائعة ( يالقادري يا بن احمد يا عسل صياني للناس نسيوك انا مانساك طول الزماني ) والفنان أحمد عمر عوذلي والرائعة ( يا بابور جباني لانته تباني وديني عدن ساني ) والفنان سعيد عبدالله الشعوي والرائعة ( يا ليلة القدر في الدنيا) وكذلك الوالد احمد عبدالله عبادي وسالم علي بن غاليه والفنان الميسري وبلبل بنا القدير عوض احمد ومجدد الأغنية الحديثة وصانع الالحان ومبتكر الروائع الطربية الموسيقار محمد محسن عطروش .

الدحان وعاده صغير يربونه

وكالعادة هناك عند الاستراحة اي بعد الوصلة الغنائية يحصل مزاح على خفيف ( مناجمات ومداعبات) بين أعضاء الفرقة الموسيقية وتبادل بعض الكلمات والمصطلحات المشفرة فيما بينهم ومن تلك الكلمات التي لا زالت عالقة بالذاكرة من أيام الطيش والشباب ، والتي تحمل فيما تحمل بين طياتها من معاني اللكع والدكع والدحش والترميز ومنها :
* آيي ، عرفك أحمر يا بربري !!!؟
* اوووووه مجري مكينه ورا
* ألا جاكم ألا فروا !!!؟
* واهابوي ما الليله جمل ياكل جمل ،والبكره الحمراء همل بلا جمال
* لا إنه عشقني ولا كفاني بلاه
* من الجمل يحتجب خلي ، ويكشف لثامه على الجمال

 

فيما تزامن ذلك الحوار الصاخب بين أعضاء الفرقة الموسيقية ، الباذخ بمعاني الحب والشجن واللوعة والهيام ، المترعة والمشبعة بالصور الجمالية مع مرور فرس عولقي بمحاذاة المخدرة مع ميعاد الأصيل وغروب الشمس ، حالي الطرف ممشوق القوام ، يتهادى ويتمخطر بكل انفة وكبرياء ، واثق الخطوة يمشي ملكاً ، ومتجبرٱ على الخلائق :
ما بفرق الزين دوب
خل القلب هذا يذوب
بعدك وافرس عولقي
حالي يا عنب رازقي

هنا فقط كانت لحظة المخاض والبداية لهذه الرائعة الغنائية التي ملأت الآفاق شهرة وانتشارا واسعٱ ، هنا فقط عندما بدأ الفنان وضابط الايقاع الشهير صالح سلوم عبيد بالقول :
صادفت قمري سلب عقلي
يمشي بخطوات موزونه

وحنب هناك أي غرز في الرمال ولم تسعفه الحليلة بالمزيد من الأبيات الشعرية ولا الزملاء ساعدوه وانقذوه بالبترات للخروج من ذلك المازق . . باستثناء أحد رفقة الدرب دفعه الفضول حبٱ بالمشاركة وكأنه في مساجلة شعريه وبعفوية مفرطة أخذ يهمهم ويردد :
( عاده صغير يربونه)

فيما التقطها الفنان القدير دحان بسرعة البرق أي ذلك الاستهلال الشعري الجميل وأخذ يدندن ويصبغ عليها ذلك اللحن الخالد ، ويأخذ ذلك المقطع الغنائي مباشرة عند إنتهاء المحفل إلى أخيه وجاره الاعز ، الشاعر الكبير أبي بكر باسحيم ويطلب منه أن يبني له على ذلك النسق والميزان ، وكان له ما أراد ( عاده صغير يربونه) .

عند ذلك فقط كانت ميلاد هذه التحفة الغنائية وروعة الروائع وأغنية المواسم على مستوى الداخل والخارج ، وقد ملأت الآفاق شهرة وانتشارا ، وجدلٱ واسعٱ وحراكٱ ثقافيٱ يفوق وصفه الوصف .
لا سيما وقد تغنى بها العديد من المطربين والفنانين العرب وكذلك من الهند والسند .

ولك أن تتخيل عندما يجتمع العملاقان ، عندليب حسان وحضوره الطاغ بعنفوان الشباب وهو يقطر القٱ ونغمٱ وإبداع بمعية فارس الأغنية وسلطان الطرب فيصل علوي في محفل عرس ويتم تأدية تلك الرائعة بشكل دويتو ،( كما حصل ذلك بإحدى مناطق دلتا أبين ) ويتناوبان في أداءها شطرٱ بشطر . . مع الخواجوان في الدلتاوين ، العاشقان والمتيمان بالفن والطرب حد الجنون ، الخواجه أبو صلاح من دلتا تبن لحج الخضيرة والخواجه صالح عطبوش ( الوز) من دلتا أبين الخير والعطاء ، لاسيما وهما يتمتعان بالظرافة والفكاهة والزخارف والعرب الصوتية في تقليد نغمة العود بفميهما مع القفشات والاسقاطات الفنية الجميلة .
هناك حيث الكل يرقص ويغني منتشيٱ و فرحٱ ، احتفاءٱ بالفرصة الذهبية النادره التي لا تعوض بثمن وذلك بوجود العملاقين الدحان وبن علوي .
هناك حيث تشعر وكأن المخدره كلها تتراقص مع الأضواء المتلألأة والجمهور العريض كله على بعضه على أرجوحة تهتز وتتراقص وتلعب

ويا سلام يا سلام على تلك الأيام الجميله يا سلام ، أيام الحرية والسلى والانفتاح والطيبة المتناهية يا سلام يا سلام .

من الذكريات الطريفة :

مع شهرة وانتشار تلك الرائعة الغنائية تقدمت العديد من شركات الصوتيات والاستريوهات لاحقاً بطلب (التسجيل الخاص ) لتلك الرائعة من العملاق فيصل علوي ولكنه أعتذر في بادئ الأمر معللٱ ذلك :
بصعوبة الأمر وانه سيدخل في متاهات وفي مساءلات قانونية وهو في غنى عن ذلك ، فيما يترتب على ذلك من حقوق مادية وأدبية وسيكون موقفه محرج أمام أخيه الفنان القدير عوض دحان وجمهوره العريض .
ونحن نعلم علم اليقين أواصر العلاقة الأخوية المتينة والمودة الصادقة التي تربطهما أي ( بن علوي ودحان) وأن أحب الاصوات الغنائية إلى قلبه أي بن علوي هو : صوت عندليب حسان الفنان دحان وكذلك صوت الفنان حسن المهنى .

ولكن سبحان الله مغير الأحوال من حال الى حال :
إذ أن حبيبنا العملاق أبو باسل الله يرحمه ويغفر له ، اذعن أخيراً واستسلم قسراً تحت الضغوطات العالية والالحاح الشديد من قبل الشركات ، حيث طلب لاحقاً من أخيه الشاعر الغنائي القدير سالم علي حجيري أن يبني له قصيدة على ذلك اللحن وبنفس المنوال على ذلك النسق والمقياس والميزان ، وقد كان له ما أراد نقتطف هنا بعضٱ منها :

جميل في طلعته يسحر
مقدر على فرقته مقدر
هذي الحقيقه وكل السر
بربكم هل عرفتونه
عاده صغير يربونه
إن سار له نهد يترجرج
شغل فؤادي وشجه شج
كيف البصر ما معي مخرج وكيف باعيش من دونه عاده صغير يربونه

بيد أن الشاعر القدير الحجيري تلقى ردود عنيفة وقصائد معارضه كثيرة من قبل جمهور ومحبي عندليب حسان ، ومن ابرز تلك الردود المعارضه جواب الشاعر الغنائي الابيني ( أحمد كرفل) وما تسعفني به الذاكرة بعنوان :
با تكذبوا لو تسمونه
عاده صغير يربونه

بما وصفتوه أنا محتج
ذي هاش عقلك وشجه شج
فتشت وإنه سقيم أعرج
با تكذبوا لو تسمونه
عاده صغير يربونه

إن سار له نهد يترجرج
يبان في طلعته اعوج
من يعرفه صار به محرج
با تكذبوا لو تسمونه
عاده صغير يربونه

الجعد ذي فوق لمتاني
معتار من آدمي ثاني
هذا حصل صدق قدامي
با تكذبوا لو تسمونه
عاده صغير يربونه

خلاصة الخلاصة :
نستخلص من ذلك الجدل الكبير والتنوع والثراء الثقافي أنه كان هناك حراك ثقافي متعاظم ، وخلق وابتكار فني باذخ ، وإبداع وإنتاج ثقافي متنوع ، بعكس واقع اليوم البائس والجدب الثقافي حيث باتت تلازمنا ضحالة الإنتاج والافلاس والتسطيح والفقر والافقار في كل مناحي الحياة وباتت مواسمنا كلها سراب في سراب مع كل موسم وحصاد .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!