دراسة قراءة لــ قصيدة “حبٌ من نوع الصلصال” للشاعر بهاء جمعة

بقلم:علي جاسم

في قصيدته “حبٌ من نوع الصلصال”، يقدّم الشاعر بهاء جمعة تجربة شعريّة تدمج بين السرد الشِعري والتأمل النفسي في علاقة الشاعر بالجمال والحب والخيال. هذه القصيدة ليست مجرد نص عن العاطفة، بل بناء فنيّ دقيق يطرح أسئلة حول حدود الواقع والتخييل، ومكانة المرأة في المخيلة الشعرية، ودور الشاعر ككائن حالم ومعزول.
1. البنية والتكرار بوصفهما أسلوبًا شعريًا
تقوم القصيدة على بنية سردية متكررة: فتاة – تشكيل – كتابة – زواج سري. هذا التكرار ليس زخرفيًا، بل مقصود لخلق إيقاع يشبه طقسًا داخليًا يتكرر دون كلل، كعادة سرية، أو كقدر لا فكاك منه. كل مقطع يعيد دورة الشاعر مع الخيال، لكن بشخصية أنثوية مختلفة – ومع ذلك، فإن النتيجة واحدة: علاقة خيالية لا تُعلن، وزواج من طرف واحد.
هذا التكرار يفضح، لا يُجمّل. إنه يرينا كيف تتحول العاطفة في حياة الشاعر الخجول إلى صنعة داخل الغرفة، وإلى فعل فردي لا يتجاوز الخيال.
2. الصلصال كرمز للهشاشة والسيطرة
استخدام الصلصال في عنوان القصيدة وفي أولى صورها ليس عابرًا. الصلصال مادة طيّعة، هشّة، ويمكن تشكيلها إلى أي هيئة، لكنها لا تلبث أن تتصلّب وتفقد مرونتها. الشاعر هنا لا يُحبّ النساء الحقيقيات، بل نسخًا من خياله، يُشكّلها كما يشاء، ثم يكتب لها، ويتزوجها “في السر” – أي في داخل رأسه، لا في الواقع.
الحب من نوع الصلصال هو الحب الذي لا يهدد الشاعر بالخسارة، ولا يتطلّب منه مواجهة حقيقية. هو حب “آمن”، لكنه فارغ من التبادل. وكلما خرج الشاعر من غرفته، حمل عزلته معه، ثم عاد بها ليصنع امرأةً جديدة، ويُعيد نفس الطقس.
3. اللغة البسيطة كواجهة للعمق
اللافت في القصيدة أن لغتها شديدة البساطة – شبه نثرية، أقرب إلى الحكاية منها إلى الشعر الغنائي. هذه البساطة خادعة؛ فهي لا تنبع من ضعف بل من ثقة في الفكرة، ومن رغبة في أن تصل دون زينة. لا استعارات معقدة، لا انزياحات لغوية متعبة، بل تدفق هادئ، كمن يحكي ما لا يُقال عادة.
هذه اللغة تخدم تمامًا شخصية “الشاعر الخجول”، وتمنح النص تماسكًا داخليًا، يجمع بين البراءة والألم واللاجدوى.
4. نقد رومانسيّة الشعراء القرويين
في السطر الختامي، يُسمي الشاعر نفسه بـ”الشاعر القروي”، وهو وصف يُستدعى كثيرًا في الأدب العربي للإشارة إلى البراءة، الطيبة، وربما العزلة. لكن هنا، التسمية تأتي بنبرة مُحبطة ساخرة. فالشاعر ليس نبيًا في قريته، بل مجرد رجل يصنع لنفسه عرائس من صلصال ويمنحها قصائد، ثم يخفيها.
القصيدة، إذًا، ليست فقط عن الشاعر الذي يحبّ النساء الخياليات، بل عن عجز الشعر نفسه أمام الواقع. عن هذا التوتر الدائم بين العالم الذي يُرى، والعالم الذي يُراد.
خاتمة: بهاء جمعة وشعر الخيال المقيم
قصيدة “حبّ من نوع الصلصال” لا تُبهر بالقوة، بل بالهشاشة المصاغة بذكاء. إنها نصّ عن شاعر يعرف أن العالم الحقيقي لا يُطاق، فيعود إلى مادته الأولى: الخيال، والتشكيل، والكلمة.
في هذه القصيدة، نرى بوضوح كيف ينجح بهاء جمعة في تحويل تجربته الشخصية إلى نص يتجاوز الذات، ويطرح على القارئ سؤالًا كبيرًا:
هل الحبّ ما نعيشه… أم ما نتخيله؟
قصيدة “حبٌ من نوع الصلصال” للشاعر بهاء جمعة
حبٌ من نوع الصلصال
جاء بصندوق من صلصالٍ كبير
جلست بجواره فتاة جميلة في الباص
عاد إلى غرفته، حاول تشكيلها
ثم كتب لها قصيدة حب وتزوجها في السر
اشترى كراسة من مكتبة
ابتاعتها له فتاة بارعة الجمال
عاد إلى غرفته و شكل فتاة تشبه الملائكة
وكتب لها قصيدة حب وتزوجها في السر
اشترت منه باقة ورد فتاة لها غمازة أسفل الذقن
عاد إلى غرفته
وشكل فتاة بغمازة أسفل الذقن
ثم كتب لها قصيدة حب
وتزوجها في السر
وكلما صادف فتاة جميلة
يشكلها و يكتب لها قصيدة حب
ثم يتزوجها في السر
تلك هي حياة الشاعر الخجول
سيء الحظ
الشاعر القروي

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!