قراءة الدكتورة : زبيدة الفول.
هلوسة الشكوى
الاديب: محمد صوالحة
( 1 )
هذا القلب
يحتاج امرأة بيدها
تخنق فيه العتمة
يحتاج امرأة
بيدها تنزع شوك الفجر
المنثور بأصقاع الروح
لتشكل هذا الجسد المتأكل
تزرع فيه الحلم
يحتاج امرأة نجدد
فيه النبض
تهب الحرف القيمة
تمنح كلماتي معناها
وتشرق في العمر
نجما يصرخ فيّ
أنا لعينيك فضاء
ولروحك كنت الثريا و كنت الجوزاء
(2)
أنا يا أنتً
وحدي أتوسد كف الليل
أبكي .. أبكي
ويعلو صوت نحيبي
والليل بحنان الدنيا
يهدهد قلبي
يهديني ذاك الطيف
النوراني
لتداعبني ذكراك
يهديني صوتك
فأذوب فوق شموع الذكرى
أناديك يا أنت
ارحم تلك الزيتونة
ارحم عيناها من جمر الدمع
ارحم تلك الرمانة
انفض عنها غبار الحزن
تعال اليها عصفورا
ينقر فيها الحب نهارا
وليلاً تسهر فوق الاغصان
يا انت
ارحم هذا القلب
المثقل بالشوق
للقياك
تعال … خذني اليك
لتبرد فيّ النار
لنحلق سويا في
المطلق
لنمارس سويا صلاة
النور .. صلاة الحب
وتطفي في قلب الارض النار.
—————————-
المقدمة
النصوص الشعرية التي تولد من رحم الوجدان تأتي مشبعة بطاقة لا تقف عند حدود البوح الشخصي، بل تتحول إلى خطاب وجودي يعبّر عن الهمّ الإنساني الأعمق. نص «هلوسة — الشكوى» من هذا النمط؛ فهو لا يكتفي برسم ملامح علاقة وجدانية، بل يبني عالماً رمزياً ينقل التجربة من مستوى الشكوى الفردية إلى أفق كوني يمزج بين الحنين الروحي والتجربة العاطفية، وبين النداء الداخلي والبحث عن خلاص يتجاوز حدود الجسد.
⸻
التحليل النقدي
1. البنية الشكلية والإيقاع
المقاطع لا تخضع لوزنٍ تقليدي، بل تعتمد على موسيقى داخلية تُنشئها التكرارات والوقفات والتنغيم. عبارة «يحتاج امرأة» على سبيل المثال تشكّل لازمةً إيقاعية تتردد في النص كنبض متواتر، وتُعطي شعورًا بالضرورة والإلحاح. أما ترديد «يا أنت» و«ارحم» في المقطع الثاني فيحوّل النص إلى مناجاة قريبة من تراتيل وجدانية أو صلاة شعرية.
2. اللغة والأسلوب
اللغة في النص تميل إلى البساطة المحمّلة بالدلالات المجازية. التراكيب مثل: «تخنق فيه العتمة»، «تنزع شوك الفجر»، «تزرع فيه الحلم» تجعل من المرأة قوة مخلِّصة، تحوِّل العاطفة إلى فعل وجودي. الأسلوب يزاوج بين الخطاب المباشر الذي يقرّب القارئ من حرارة التجربة، والرمزية التي تفتح الباب على التأويل الروحي والفلسفي.
3. الصور الشعرية والرموز
• الزيتونة والرمانة: صور راسخة في الموروث العربي، تستدعي السلام والخصب والأنوثة. حضورها في النص يمنح البعد الوجداني عمقًا حضاريًا وجذورًا متأصلة.
• الشموع والذكرى: تعبير عن الأمل والحنين، حيث الذوبان في ضوء الشمعة يتحوّل إلى ذوبان في الذكرى.
• العصفور: رمز للحب حين يتحول إلى كائن حيّ يحمل الدفء والحركة.
• المطلق وصلاة النور: صور ترتقي بالحب من مجرد إحساس بشري إلى طقس ميتافيزيقي يجاور التجربة الصوفية.
هذه الشبكة الرمزية تُثري النص وتمنحه بعدًا يتجاوز حدود الغزل المباشر نحو أفق فلسفي وروحي أرحب.
4. الثيمات الكبرى والتأويل
المحور الأساسي في النص هو الحب كضرورة وجودية، فهو لا يُقدَّم ترفًا بل خلاصًا من العتمة. الحبيبة ليست موضوع شغف فحسب، بل هي قوة مبدِّلة تزرع الحلم وتعيد النبض وتُطفئ النار. ومن هنا تتحول المناجاة إلى طقس يقترب من الصلاة، حيث يصبح اللقاء اتحادًا بالحب والنور.
إن النص بذلك لا يقتصر على تصوير ألم العاشق، بل يشيّد معنى رمزيًا يضع المرأة في مقام المخلِّص، ويجعل من الحب علاجًا وجوديًا ضد الفراغ والتيه. هذه القراءة التأويلية تُبرز أن النص لا يعيش في حدوده الفردية، بل يستحضر أفقًا إنسانيًا شاسعًا يربط بين الأرض والسماء، بين الزيتونة والرمانة وبين المطلق وصلاة النور.
⸻
الخاتمة
«هلوسة — الشكوى» نص يبرع في تحويل التجربة العاطفية الفردية إلى خطاب إنساني جامع. قوته تكمن في بساطته المشحونة بالرمزية، وفي صور حسية وروحية تجتمع لتجعل النص أشبه بتراتيل شعرية. هنا يتجلّى الحب كخلاص من العتمة، وكصلاة نور تُعيد للحياة معناها. إن النص يترك أثرًا عميقًا لأنه لا يقدّم العاطفة باعتبارها تجربة عابرة، بل باعتبارها فعلًا وجوديًا ومصيريًا، تتأسس عليه الذات في مواجهة العدم.