بقلم: عبد الحكيم مداس( الجزائر ) الأديبة أ. د. سناء الشعلان أوّل عربية مسلمة تُرشَّح لجائزة الخيال العلميّ في الأدب العربيّ عن القصة القصيرة “أخيراً، السّماء زرقاء صافية”. تُ عدّ الكاتبة الأردنيّة ذات الأصول الفلسطينيّة الأستاذة الدّكتورة سناء الشعّلان تجربةً فريدة في المشهد الأدبيّ العربيّة والإسلاميّ؛ إذ تمكّنتْ من أن تضع اسمها ضمن قائمة المرشّحين لجائزة الخيال العلميّ العالميّة في الأدب العربيّ عن قصّتها “أخيراً، السّماء زرقاء صافية”؛ لتكون بذلك أوّل كاتبة عربيّة مسلمة تصل إلى هذا المستوى من التّقدير في مجالٍ طالما ارتبط بالأدب الغربيّ والعلوم الدّقيقة فيها. هذه الجائزة التي تُنظّمها مؤسّسات علميّة وبحثيّة روسية متخصّصة في أدب الخيال العلميّ، تُعنى بتكريم النّصوص التي تجمع بين الإبداع الأدبي والتّصوّر العلميّ الواقعيّ، عبر استشراف المستقبل بلغة فنيّة تستند إلى مبادئ العلم، لا إلى الخيال الفنتازيّ؛ فهي لا ترى في الأدب مجرّد سردٍ مستقبليّ، بل هو –عندها- وسيلة استشراف علميّ ترصد التحوّلات المحتملة في ضوء معطيات البحث العلميّ. في قصّتها “أخيراً، السّماء زرقاء صافية” تغوص الدكتورة سناء الشّعلان في العوالم الأخلاقيّة والعلميّة المرتبطة ببحوث الخلايا الجذعيّة (Stem Cells)، وتطرح تساؤلات إنسانيّة عميقة حول قدرة العلم على إعادة الأمل للإنسان، عبر استبدال الأعضاء المفقودة أو تجديدها، في سياقٍ يجمع بين الخيال العلميّ والواقعيّة الممكنة . وتطرح القصة رؤيةً تفاؤليّة لعالمٍ أكثر إنسانيّة، تؤمن فيه الكاتبة بأن العلم يمكن أن يكون بوابة الخلاص، وأنّ الخيال العلميّ يمكن أن يكون علماً مستقبليّاً في الطّور التكوّيني. للأسف لم يتجاوز الأدب العربيّ والإسلاميّ اليوم مرحلة التّصوير الفنتازيّ للمستقبل، وظلّ عاجزاً عن الدّخول في حقل الخيال العلميّ التّطبيقيّ(Applied Science Fiction) الذي يجمع بين المنهج العلميّ والرّؤية الإبداعيّة. كما الواقع اليوم يقول إنّ التفاحة التي سقطت من الشّجرة لا يمكن أن تكون بأيّ حال بعيدة عنها، كذلك الكاتب لا يمكن أن يكون مؤثّراً وناجحاً إلا إذا كان يعيش في البيئة ذاتها التي تصنع منه قائداً متميّزاً، أمّا الاستثناء فهو حالة نادرة يمكن أن تحصل إذا كان العقل المبدع توّاقاً متفتّحاً على العلوم كلّها، وهو ما نراه ونتلمسه من وجود قامة أدبيّة مثل الدّكتورة سناء الشّعلان التي خاضتْ أوّل تجربة من بين 2500 مشاركاً من الجنسيّات المختلفة كلّها والدّول المتقدّمة والشّخصيّات العالميّة التي لها باع في المجال العلميّ/ وفرضت اسماً عربيّاً مسلماً على طاولة المرشحين . إنّ القصة القصيرة “أخيراً، السّماء زرقاء صافية” لدى سناء الشّعلان مثال حيّ على هذا الاتّجاه الذي خاض تجربة نادرة واستثنائية؛ فهي لا تكتفي بتصوير عالمٍ قادم، بل تسعى إلى تأصيل الفعل العلميّ في الوعي الإنسانيّ، وتؤكد أنّ الأدب يمكن أن يكون امتداداً للبحث العلميّ في صورته الجماليّة. لقد اختارت الكاتبة أن تُقدّم شخصيات روايتها من دون أسماء محدّدة (هو / هي)، في رمزية إنسانية شاملة تُحرّر النّصّ من القوالب الاجتماعيّة والعرقيّة، وتفتح المجال أمام القارئ ليُسقط التّجربة على أيّ واقع، أو على مجتمع. بهذا الأسلوب، تؤسّس د. سناء الشعلان لنصٍّ إنساني الطّابع، علميّ الجوهر، كونيّ الأفق، يذكّرنا بأنّ العلم والأدب يلتقيان في غايةٍ واحدة: الارتقاء بالإنسان نحو حياة أكثر تسامحاً وتعاوناً. إنّ تجربة د. سناء الشعلان تمثّل نقطة تحوّل في الأدب العربيّ والإسلاميّ المعاصر، وتؤكد أنّ الخيال العلميّ ليس حكراً على الغرب، بل يمكن للعقل العربيّ المسلم المبدع أن يخوض فيه بثقة حين يمتلك الأدوات المعرفيّة والرّؤية الكونيّة. ربما تكون قصّة “أخيراً، السّماء زرقاء صافية” خطوة أولى نحو تأسيس مدرسة عربيّة في أدب الخيال العلميّ الواقعيّ، حيث يتصالح العلم مع الخيال، والعقل مع الحلم، والإنسان مع مستقبله.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية
