بقلم : عبد الباري محمد المالكي
ان الحب مخاضٌ يبعث على الألم ،والعفة فيه تدفع الى الشكوى ، فمااكثر العاشقين الذين امتلات حياتهم بالالم والشكوى .
وشاعرنا الشيخ جمال ال مخيف واحد من اولئك العاشقين الذين راوا الدنيا بمنظار أحال القلق الى ابتسامة ، وصاغ من العفة هياماً .
اذ لم يشك يوماً انه بمنجاة منها .. فهو يقف بعيداً عنها الى أقصى حد يستطيعه , ولكن شأنه هذا لم يكن ليطول عندما بانت بنت بغداد عن أسِّ ونسرين في ثغرها , وعن بحة الصوت والراء المثقلة في نطقها حتى ليخيل لشاعرنا أنها كفيروز في قاعة الأوبرا الكبيرة , فتغير الهين الى معضل , وتحول غض البصر الى نظرات نحوها من عينيه الرماديتين العاريتين كعيني النسر.
وكيفما يكون الامر فأن أشواق شاعرنا قد أصبحت كشعلة براقة لامعة وطأ عطرَ ونعاسَ أجفانها وخالاتِ خديها بما يجعل شاعرنا بين الرياحين سكرانَ بالرياحين .
فالحب عنده هو المفتاح النفسي والامل الكبير الذي لايتبخر بمجرد تعرضه لأشعة الشمس المتوهجة كقطرة ماء ، محاطاً بالوان الطيف والغزل العفيف في قلبه وروحه وجسده ، وهو ليس مانعنيه ابداً بالكبت الطويل ،والعنيف ، والجدب العاطفي الذي يوصل الى لغة مستهجنة تكوّن مركب النقص الخطر عنده ، لما له من اثر بليغ في توجيه المشاعر والغرائز ، فقد خلت قصائده من الجسد الانثوي ، وراح يرسم خطوطه بصور تعبيرية رصدت مشاعره وحددت اتجاهات غرامه تحديدا عفيفا لا انحراف فيه ، فلم يتلهف لصياغة المفردة التي ترسم الأنثى بحدودها الجسدية ولم يكن لديه تلك الرومانسية ذات الابعاد الثلاثية ليطفئ أوار وجدانه بمفردة تروي ظمأه المشبوب .
ولا يعرف شاعرنا سبيلاً للنجاة من قلبه الا العراف وقد استنجد به مراراً عن أسرار مستقبله المغلّف بالمجهول والمستتر خلف الأبواق التي لم تكن كافية لان يدخل العراف أعماق قلبه ولم يعرف الرغبة المجنونة عنده , والأمل الحلو في استلفات ذلك الجنون وهو ينفض التراب عن أثواب عزلته ليتعلق بخيط دخان غير متحير بمواضع قدميه خشية السقوط , لانه لا يسقط قبل الاوراق فلا تودي تلك الأتربة التي ينفضها بين الحين والآخر الا بلمعان أشواقه التي تحتمل الأوجاع جليداً .
أتعلق في خيط دخان _ لا أسقط قبل الاوراقِ
فانا في زمن مجهول _ مستتر خلف الأبواق
ومن هنا نجد في شاعرنا اصرار اليائس على التعلق بقشة قد تكون واهية في عشق امرأة قد تصحرت عيناها تحت أغصان أربعينيات العمر يحاول أن يومئ اليها ويهمس في اذنيها وهو الذي يعرفها جيداً سارقة لقلبه, تتبختر وتشدو بلحن الحب , يطلب الرفق بقلبه من سجايا حسنها ومفاتن خلالها في الوقت الذي يستجدي لنفسه الحذر من وصالها ما يكفي لتحطيم قلبه وسلب الراحة والهناء منه .
انه يتعذب :-
أذوى الزمان لنا الاجفان واحتطبت _تلك الاناهيد عند الصبح نغترفُ
لكن ما يحير عقله أنه ينهل من رقة شفتيها عبيراً دون أن يأسف لما ستحل من ندى او ما ستؤول اليه القبلة من لواعج تزيد , وسُعر تضطرم ودم يحترق , ونار تحيله الى تراب دون أن يرجو براءً وراحة مما يعانيه .