رائحة التانغو / لقلم الشاعر والناقد السعودي سعد عبدالله الغريبي

كثيرا ما نقرأ روايات ذات موضوعات جذابة وحبكات فنية ممتازة وأسلوب شائق لكننا ننصرف عنها قبل أن ننتصف في قراءتها بسبب الإسهاب في التفاصيل المملة أو جرنا إلى المصادفات الفجة أو الخلل في ترتيب الأحداث وتضاربها مع الواقع.

أما الروايات المتعددة الموضوعات والأحداث فغالبا ما يصرفنا عنها طولها المفرط لأن الروائي في هذه الحالة لا يعتمد على ذكاء القارئ، فيوغل في سرد التفاصيل التي لا تحتاج إلى شرح.

وربما يكون الروائي قد تعمد أن تكون روايته طويلة؛ وبخاصة إن كان ينوي تقديمها لمسابقة أو لناشر تكون الإطالة شرطا عنده للرواية الناجحة.

رواية (رائحة التانغو) للكاتبة الكويتية دلع المفتي – الصادرة عن دار مدارك في طبعتها الأولى عام 2015 – دليل على أن الطول ليس شرطا للرواية الناجحة حتى وإن تباينت الموضوعات وتعددت الأحداث. فقد تناولت المؤلفة في روايتها عددا من الموضوعات والأحداث المهمة التي مر بها المجتمع الكويتي والأمة العربية وقد عالجتها علاجا وافيا شافيا بأقل عدد من الصفحات إذ لم يتجاوز عدد صفحات الرواية مائتي صفحة.

تناولت الرواية حدث الغزو العراقي للكويت عام 1990 دون الخوض في التفاصيل، والثورة السورية وما تلاها من تهجير للشعب السوري وتشريد أطفاله، وانتهاز تجار الحروبالفرصة للاتجار بالسلاح وبيعه للفرق المتصارعة كافة.

وتناولت الرواية قضية (البدون) التي ما زالت تؤرق فئة من الذين لا يحملون ما يثبت جنسيتهم الكويتية لأنهم لم يكونوا حريصين على إثباتها لعدم الحاجة إليها في وقت مضى،فقد كان كل من يعيش على تراب الكويت كويتيا حتى حدث الغزو المشؤوم.

وتناولت الرواية ما يقود إليه التشدد الديني من عدم قبول المخالف؛ حتى وإن كان من أبناء الأسرة ذاتها؛ مما يجعل الفرقة والخلاف يسودان بين الأهل والأصدقاء بدلا من المحبة والصفاء.

وتطرقت الرواية لإعجاب بعض المواطنين بالغرب إلى الدرجة التي تجعلهم لا يثقون بكل ما هو شرقي أو محلي، فيتذمرون منه وينصرفون عنه، حتى من غير أن يجربوه.

الرواية وإن كان أبطالها المحوريون من طبقة المجتمع المخملي إلا أنها عرضت للطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع بسبب أن المجتمع لا يمكن أن يستغني بعضه عن بعض.

ولا أنسى أن أشيد بأسلوب الرواية ولغتها العربية السليمة الخالية من الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية التي قلما يخلو منها عمل أدبي..لا أريد أن أستعرض الرواية وفصولها وأحداثها لأن حديثي عنها سيقلل من الاستمتاع بقراءتها، لكني أقول – باختصار شديد – إنها الرواية الأنموذج لمن أراد أن يقرأ رواية ممتعة، أو لمن أراد أن يكتب رواية ناجحة.

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!