(زايا) رواية للكاتبة السعودية ريم الصقر صدرت عن مجموعة النيل العربية سنة 2016 في ست وعشرين ومائة صفحة من القطع المتوسط.
تبدأ الرواية بلقاء المؤلفة لبطلة الرواية في مقهى بشارع أكسفورد اللندني تعمل فيه نادلة في ختام رحلة عمر توزعت بين عدد من الأماكن والتجارب والأحداث، لتتخذ المؤلفة هذا اللقاء مدخلاً تنطلق منه لكتابة روايتها.
تمضى الرواية بلسان بطلتها (زايا) – أو زاهية – الحضرمية الأصل التي تأخرت والدتها عن الإنجاب لسنوات فنصحتها نساء قريتها بالحج والدعاء في الأماكن المقدسة، واستحسن زوجها الفكرة فانطلقا لكنهما تخلفا بعد الحج وانتقلا إلى مدينة جدة ليشتغل الرجل عتالاً في الميناء، ويرزق بـ (زايا) ثم بأربعة ذكور.
وجدت زايا نفسها بين أب خانع كسول وأم متغطرسة متسلطة وبخاصة على الأب الذليل.. يلتقي الحاج اليمني بثري من أهل الدمام (الشيخ عبدالكريم) يعرض عليه اللحاق به للعمل عنده، لكن زايا ترجح أن يكون والدها هو من شكا إليه حاله ليرق قلبه ويوافق على أن يلحقه بخدمته. وتنطلق الأسرة إلى مقرها الجديد في حي العدامة بالدمام، فيعمل الأب خادماً في قصر الشيخ عبدالكريم، يُعد القهوة ويصبها له ولضيوفه فخوراً بهذا العمل وبمجالسة الوجهاء، وسعيداً بالغرفتين الملحقتين بالقصر التي أعدهما الشيخ لسكناهم.
تحصل الأسرة على الجنسية السعودية وتلتحق زايا بالمدرسة، وقبل أن تكمل الدراسة تحل كارثة احتلال صدام للكويت وتنطلق الصواريخ نحو الدمام لتهرب الأسرة اليمنية إلى أبو ظبي، حيث يقيم عَمُّ زايا الإماراتي الجنسية. عاشت زايا في جدة والدمام تعاني مرارة الفقر، والخجل من مهنة أبيها، والشعور بالغربة؛ إذ إنها لم تستطع الانتماء للمكان الذي ولدت فيه، فقد لاحظت الفارق الاجتماعي بينها وزميلاتها في المدرسة حتى بعد حصول أسرتها على الجنسية السعودية، ولذلك أضمرت الانتقام من المجتمع، ومن الأثرياء خاصة، وظلت تحلم بأن يصبح لها قصر كقصر الشيخ عبدالكريم، وفتى أحلام يمنحها حبا تعيش معه في سلام. لذلك أحست بشيء من الزهو حين أوقعها الشاب (عبادي) في حبائل غرامه رغم أنه يعرف كل تفاصيل حياتها، لكن حالة الإحباط ما لبثت أن عادت لها بمجرد أن تركها هذا الحبيب عندما جد الجد، ونوى الزواج فاختار له أهله ابنة نجدية الأصول!
البحث عن مخرج من حالة الفقر والفشل العاطفي جعلها توافق فوراً على رغبة عمها تزويجها من ابنه (صالح أحمد) ومن المؤكد أن والديها كانا أكثر سعادة منها بهذا النصيب، فتزوجت ابن عمها وأقامت في أبوظبي وعاشت فترة من الرخاء بعيداً عن تسلط أمها والملحق الحقير بقصر الشيخ، وإن كانت قد وقعت تحت سلطة حماة لا تقل سوءاً عن والدتها – إذ كانت تقتص من ابنها نصف مرتبه – وعانت من زوج سكير لا يقل عن أبيها في عدم المبالاة.
كانت الرقابة الصارمة والخوف من أمها يردعانها عن ارتكاب المغامرات العابثة في الدمام، لكنها وجدت فرصتها في أبوظبي والشارقة ودبي حتى بعد أن أنجبت ابنها أحمد، الذي لم تحاول إنجاب غيره بعد أن تبدَّى لها سوء زوجها.
عاشت على هذه الحال سنوات طويلة لا يجبرها على القبول بها إلا خشية العودة إلى الدمام وإلى أمها فيما لو طلقت!
جاءها الفرج من جديد حين أخبرها زوجها بأن الحكومة قررت ابتعاثه إلى لندن لمواصلة دراسته وأن الحكومة تتيح للمبتعثين اصطحاب أسرهم، ووجدتها فرصة لتجدد حياتها وتجد حياة أسرية هادئة مستقرة بعيدا عن تسلط أسرة عمها وهروب زوجها الدائم.
لم تتحسن حال زوجها بالانتقال إلى لندن، ووجدت حريتها أكبر هناك. ولذلك حين اقترب موعد العودة إلى الوطن أعلنت عن رفضها العودة مع زوجها، وتركت له ابنها الذي كان شرطه للموافقة على تطليقها..
كانت قد تعرفت على امرأة بوسنية حاصلة على الجنسية البريطانية أدخلتها فصلا لتعلم الإنجليزية مع مجموعة من الآسيويات المقيمات، وما إن علمت برغبتها في البقاء في بريطانيا بعد طلاقها حتى دبرت قريباً لها يحمل الجنسية البريطانية لتزوجها منه زواجا عماده المصلحة، فهي التي تدفع له لأن ذلك طريقها للحصول على الجنسية البريطانية..
لا تقول لنا زايا كيف تخلصت من هذا الزوج، ولكنها تتحدث بالتفصيل كيف تزوجت بعد ذلك من مصري مقيم أحبته من أول نظرة، وشعرت معه بالأمان والانتماء!
تعبر زايا بمرارة عن معاملة المجتمع السعودي لها في مرحلة الفقر فتقول:
«توقيرهم لك يبدأ حيث انتهى ذيل ثوبك، وإجلالهم لك يرتفع حسب عتبات بابك» ص 18-19
وتصف لباسها الرث بأسلوب ساخر: «توشحت أقدس ما أملك من ثياب.. تنورة بنفسجية أخبئها للمناسبات الرائعة، أعقلها عدة مرات لتمسك ببطن خاو من أية ملامح أنثوية، وقميصاً كثير الألوان بدوت به كفزاعة الطيور لفرط هزالي» ص27
وحين غدر بها حبيبها (عبادي) راحت توازن بينه وبين صدام حين غدر بجاره: «هناك أصدقاء قد يغتالون أمننا بلحظة اكتساح الغضب كصدام.. وقد يقتلنا عشاق بلحظة استسلامهم لواقعهم كعبادي.. هم أولاء الأعداء الذين يجب أن نحذرهم.. أما من أبدى عداوة فالنجاة منه أسهل ما يكون» ص65 .
وحين تتحدث عن الطلاق وتبعاته تقول:» لماذا لا نعرف يوماً ماذا يعني تسريح بإحسان؟ إن بادر الرجل بالرحيل تُلَّ بقضايا ومشكلات لا حصر لها. وإن ركلت المرأة حياة مع رجل لم يرق لها العيش معه لأسباب نصبت لها فخاخ وجرت على نحرها السكاكين.. لكأن الشراكة في الزواج تعني وثيقة ملكية للآخر.. هيه يا عرب.. مالكم كيف تحكمون؟» ص115 .
وتؤكد زايا بأن الحب هو الوطن وهو الانتماء حين تقول: «أهلي وأنا نشبه من اقتلع نبتة من مكان.. وحين جفت جذورها أعاد غرسها بمكان آخر. لم يتمكن أبي أن يزرعني في السعودية رغم ميلادي بها.. وصالح لم يستطع أن يغرسني بالإمارات رغم أنها كانت أكثر يسراً وبحبوحة.. ربما لأن كليهما كان أقل من أن يهديني حباً حقيقياً.. لكني بالحب استطاع محمد أن يغرسني في بلاد الفرنجة كما يسميها ونضحك منها، فاليوم أنا أسكن شقة صغيرة وأراها أشهى من كل قصور الخليج العربي.. ضئيلة حقاً لكنها مفعمة بأنفاس رجل دافئ جدا» ص124 .
الرواية كتبت بأسلوب شائق ولغة راقية والأخطاء اللغوية تكاد لا تذكر. ومما زان أسلوب الرواية بعض اقتباسات قرآنية وشعرية اختار منها:
«رغم أن أبي لم يكن امرأ سوء وما كانت أمي شراً مقضيا» ص11
«وتيقنت أني أسكنت أحلامي بواد غير ذي زرع» ص36
«ولم أر بحياتي خادماً يمشي في الأرض مرحاً كأبي» ص 71
«لولا بعض تماسك وخوف من أمي لصرخت بالأرض وأسمعت صوتي من به صمم» ص59
«ومضى كل منا إلى غايته» ص103