تتميز التجربة الإبداعية المرتبطة بكتابة السرد في الجزائر بالثراء الفنيّ بوجود نماذج استطاعت تطويع آليات السرد القصصي والروائي للإطلالة علينا بتجارب متميزة وصلت بها إلى درجة تجاوز الحدود الجغرافية لينال أصحابها شهرة واسعة في الوطن العربي وخارجه, ومن بين تلك التجارب المتميزة تجربة القاصة زهرة بلعروسي في مجموعتها القصصية القصيرة” ثغرات في حياتها” ورغم أنَّ العنوان كما يعتبره “جيرار جينيت” و “فيليب هامون” من العتبات الهامة المرتبطة بتأويل المتن, لكننا نجد العنوان هنا مراوغًا, فرغم أنَّه يوحي بشكل أو بآخر أن المجموعة تعكس سيرة ذاتية لكننا بعد قراءة المتن نجد أن المجموعة تتحدث عن معاناة المرأة بوجه عام وليس سيرة ذاتية لمواقف من حياة المبدعة ونكتشف أن ضمير الغائبة في هذا العنوان يعود على المرأة بالمفهوم العام للكلمة.
ملمح آخر على مستوى الرؤية هو التعبير عن قضايا وهموم المرأة ممَّا دفع الكاتب الكبير بشير خلف في مقدمته النقدية للمجموعة القصصية إلى التركيز على انتماء المجموعة للأدب النسويّ, و إضافة لذاك الملمح فإن المجموعة تتناول العديد من القضايا مثل الانحياز للطبقات الكادحة المهمشة في المجتمع من خلال طبيعة أبطال بعض قصصها, فنجد نادل المقهى في قصة “الحالم”و الطفل الذي ينظف السيارات في قصة”إسفنجة و خرقة” و عامل الكهرباء في قصة “السفر”, كما تناولت قضية الهجرة غير الشرعية ونتائجها الكارثية في قصة” غزلان” في ص13, و تناول فكرة علاقة الإبداع بالحياة, فالمبدع الحقيقي يتجاوز همومه الخاصة لتستمر حركة الإبداع و النشاط الثقافي كما في موقف البطلة” سمر” تلك الأديبة ومعانتها مع حبيبها “سهيل” ص 25 في قصة” الباب رقم7″, وأيضًا تناولت المجموعة جهل بعض الأسر وزيادتها في الإنجاب في قصة”إسفنجة وخرقة” ص 55.
وعلى المستوى الفنيّ اعتمدت الكاتبة على مجموعة من الآليات التي تؤكد وعيها وامتلاكها لأسس بناء القصة القصيرة مع إجادة توظيفها منها على سبيل المثال مبدأ التشويق, حيث تبدأ قصتها – غالبًا – بضمير الغائب أو الغائبة ليظل القارئ يلهث ليعرف البطل الذي يعود ذلك الضمير عليه, مما يدفعه إلى قراءة القصة حتى ختامها مثل قصة” لحظة اللقاء الأخير” ص 40, كما نلمحالاهتمام برصد أدق اتفاصيل سواء في رسم ملامح شخصيتها القصصية أو وصف المكان, ولنقرأ معًا ذلك الوصف في قصة ” غزلان” ص11-12 حيث تقول((أحاطت بنظرها من كل جهة…سجادة الصوف البيضاء, الجزوة النحاسية, فنجان قهوته, ساعة جيبه الموصولة بسلسلة فضيَّة, طاقيته المزركشة…)).
نلمح أيضًا توظيف الجسد والعنف الجنسي ضد المرأة لكن دون تصريح أو ابتذال كما في نهاية قصة “الحالم” ص 30-31 حيث حياة البطل”عمّار” بين زميلته في العمل و زوجته وما نسميه بأزمة منتصف العُمر.
التنوع بين القصة الطويلة و القصة القصيرة جدًا التي تقوم على التكثيف الدلالي والمفارقة في نهاية بعض القصص بأسلوب يذكّرنا بمقاطع” الإبيجراما” في قصيدة النثر كما في قصة “الصابرة” بنهايتها المفتوحة ومحاولة إذابة الفارق النوعي بين القصة و قصيدة النثر_ ككتابة عبر نوعية_ كما في قصة ” العيدية الحزينة”.
نلمح أيضًا بارقة الأمل المتمثلة في النهايات السعيدة لبعض القصص- حتى وإن بدت تلك النهاية غير منطقية أحيانًا – لتؤكد الكاتبة أن الحياة ستستمر رغم ما بها من معاناة منذ القصص السبعة الأولى.
من القراءة السابقة يمكن أن نقول إنَّ مجموعة” ثغرات في حياتها” للكاتبة زهرة بالعروسي تتناول هموم وقضايا المرأة في مجتمعنا الشرقي الذي يرضخ تحت قضايا أخرى على المستويات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية كمعاناة الشباب التي تدفعهم نحو الهجرة غير الشرعية ومعاناة المثقف والأديب خصوصًا لو كانت امرأة. كل هذا في قصة تتسم بالتنوع الفني على مستوى الحجم والتشكيل , مع الاهتمام بالتشويق والدقة في وصف الشخصيات والأماكن دون الإخلال بالتكثيف الدلالي, مع محاولة إذابة الفارق بين القصة القصيرة وقصيدة النثر الحديثة أحيانًا.