بقلم: علي أحمد عبده قاسم . اليمن
أولا النص:
((عناق الموت
كل الرجال عندي هو، ملامحه الجذابة، حروفه البراقة، حتى همساته تروقني؛ لم يكن صديقًا عاديًا.
لكن والدتي تكرهه وتحقد عليه، تظن أنه يشبه والدي، فتصب غضبها عليه.
بين ساعة الانتظار وساعة الندم دقائق معدودة، أرسلت له أن اليوم خطوبتي، فلم يجب عليّ؛ بل تمادي في الهجر والرحيل، وركب موجات غضبه؛ مبتعدًا عن الجميع.
قلت لنفسي: ربما يظن أنني أخدعه.
أرسلت له: سأذهب مع أمي إلى القاعة، هناك ينتظرني العريس ومعه الفستان، لكنه لم يجب، ولم يقبل توسلاتي.
أمسكت أمي الهاتف من يدي، وقبلت جبهتي، وقالت: في حنو مبالغ فيه ستنسينه؛ هو مجرد خيال في عقلك، لا أصل له، انظري لقد نسيته تمامًا؛ وتأقلمت على حياتي معك، لا تكابري وانسيه.
ومضت في طريقها الطويل، وأنا خلفها؛ تسحبني تارة كدمية في يدها؛ وتجذبني تارة أخرى.
عندما رأيت العريس المنتظر؛ سقطت على عيني غشاوة؛ فلم تشاهده عيني، اتجهت ببصري بعيدًا عنه، همست في أذنها أمي أنا لا أراه، أين هو؟
ظهرت على ملامحها الغضب؛ وضغطت بيدها على يدي، كأنها تقول لي اصمتي.
كل الوجوه من حولي بلا ملامح، ليست لهم عيون، وجوههم مجرد دوائر فارغة.
صعدت وهي تجرني خلفها، كطفل ضاع من أمه، فعادت تمسك به؛ لكي لا يضيع مرة أخرى.
دخلتُ غرفة مزينة ومزركشة، يقف في وسطها شاب وبنتين تحملان فستانًا والكثير من الأشياء.
طلبت منهم، أن يخرجوا للحظات، سحبت يدها من يدي، ونظرت لي بهدوءٍ وقالت: هيا تعالي.
لا أعلم إلى أين تقودني؟.
دخلت معها غرفة صغيرة مظلمة، نزعت عني ملابسي، تركتني عارية تمامًا.
تذكرتُ لعبتي المفضلة، أقوم بتنظيفها، ونزع ملابسها، صنعت لها العديد من الفساتين، وجلبت لها بطريقًا لتسبح معه، لكنني لم أصنع لها فرحًا، لم أجلب لها فستان زفاف أو عريسًا.
نظرت لها وأنا أضحك، تعجبت وقالت: لماذا تضحكين يا دميتي الجميلة؟.
أجبتها دون تردد: تذكرت شيئًا مهما، قالت: ما هو عزيرتي؟.
ضحكت بصوت أعلى، قلت: أمي من سيغير لي ملابسي في بيتي الجديد، من سيقلم أظافري، ومن سيعتني بشعري، من سيجلب لي كوب الماء حتى لا أخدش يدي؟
هل يعلم العريس أنه تزوج بدمية؟ هل أخبرتيه بكل هذا؟
أمي لماذا يتزوج الرجال؟.
وضعت قطع الملابس الصغيرة على جسدي العاري، ووضعت الفستان الوردي فوقهم، سبحت الله ونظرت لي مبتسمةً؛ ثم تسمرت في مكانها.
نظرت لي وقالت: يتزوج الرجال بالفتيات الجميلات؛ لتنجب لهن فتيات أجمل، وتركتني ورحلت.
سمعت أقدام بدأت تدب من حولي، ضوضاء متعددة، سمعت فتاة بجواري، تقول لصديقتها: إنها جميلة حقًا، تشبه تلك الأميرات؛ التي نراها في الأفلام المتحركة، ثم أخذت تضحك.
سمعت صوت الرجل، الذي جلبته لي؛ ليهذب خصلات شعري ويجملها بأكليل من الورد الأبيض.
يخبرني بصوت هامس: أنني جميلة، وأشبه فتاة أحلامه.
لا أعلم، ماذا كان يفعل في شعري؟ هل كان يشمه أو تتخلل يداه في ضفائري، أو يقص خصلة؛ ليحتفظ بها في جيبه؟!.
إحدى الفتيات همست بصوت أجش قائلةً: أظنها صماء وبكماء لا تتحدث، انظر هي لا تبدي أي تعبير أو كلام، نظر لي وقال: آنستي ما أسمك؟.
أجبته: لا أعلم، فلدي العديد من الأسماء المزيفة.
انفجر ضاحكًا وهو يهز رأسه، هيا أخبريني آنستي.
ترددت أن أجيبه، أردت أن أصفعه على وجهه، كما تفعل أمي؛ فقد قذفت السائق بزجاجة المياه، عندما تأخر عن فتح باب سيارتها.
نظرت له وقلت: اسمي لارا كما تسميني صديقتي، واسمي الدمية الجميلة، كما تطلق علي أمي، واسمي رقية عندما أسمعها من أبي أشعر أنني إنسانة، لها ذلك الكيان الخاص، وقد تشاهدني جدتي وتطلق علي اسم عروس العائلة.
لكنني أعشق اسم رقية فصديقي يردده بحب كلما شاهدني أمر بجواره وكذلك أبي.
– آنستي، لديك شجن وحزن عميق في صوتك؛ فلماذا؟
إن كنتِ لا تقبلين الزواج ارفضي، لا تدمري حياتك من أجل سعادة والدتك، كوني كما تودين أن تكوني.
المال يا آنستي لا يشتري السعادة؛ ولو أردتِ أن تهربي من هنا؛ أخبريني وسوف أخرج.
أهرب!.
أهرب إلى أين؟ فليس لدي أحد لأهرب من أجله.
أبي يخشى سوء العاقبة من أمي، وصديقي يريدني أن أتحرر من قيودها، فإلى من أذهب؟.
تلمس يدها خدي، وتبدي إعجابها بجمالي، حضنتني بشدة، همست: أمي أنا لا أريد هذا الرجل، أنا لي قلب وروح، أعشق وأحب، أمي حاولي أن تعذريني.
لكنها لم تسمعني، لم تتقبل اعتذاري، أحكمت قبضتها في يدي، وانطلقت تعدو نحو صديقاتها وأهلها.
عجزت أن أصمد أمام عينيه، شاهدته يتطلع علي من خلف زجاج النافذة.
لقد حان الوقت، أمي أنتِ أردت دمية بلا قلب؛ لكنني بقلب يا أمي؛ سأحلق مع الفراشات نحو الشمس.
سحبت يدي من كفها، واتجهت نحوه عبر النافذة، لم أكن أعلم أن ما سيحول بيننا هو الموت.))
عفاف علي .مصر
ثانيا القراءة:
((عناق الموت))
هو العنوان مشفر والمفتوح الذي يلتقي به المتلقي فعناق الموت يعني مغامرة غير محسوبة ويعني نهاية الحياة أو مخاطرة تشبه الموت فالعناق يوحي بالأشواق وحين يكون للموت فهو عناق مخيف خاصة والعناق حياة فكيف يكون للموت؟
فكرة النص تدور حول” الحب الكبير والحلم الذي ترسمه الأنثى لنفسها والفتاة بالذات وبين تلك الأم التي تجبر فتاتها على القبول بمن تريد هي لأنها فشلت من قبل بالحب أو خيبها الحب فأصبحت تكره الرجال”
في بداية النص يسرد الحكي وجهة نظر الفتاة ” هو كل الرجال عندي ملامحه الجذابة حروفه البراقة حتى همساته”
أصبحت حتى الحروف والملامح والخلجات والهمسات هي هو؛ فهناك ذوبان بالحلم والحب والرجل فارس الأحلام.
تستطرد بالوصف ليحدث تناقضا بين وجهة نظرها ووجهة نظر أخرى هي أمها” والدتي تكرهه وتصب جام غضبها عليه تظن أنه يشبه والدي”
فأظن أن والدها مجرد شخص تزوجت به سواء مرغمة، أو تسد به الفراغ ويتضح ذلك من الأحداث(( أمسكت أمي الهاتف من يدي، وقبلت جبهتي، وقالت: في حنو مبالغ فيه ستنسيه؛ هو مجرد خيال في عقلك، لا أصل له، انظر ي لقد نسيته تمامًا؛ وتأقلمت على حياتي معك، لا تكابري وانسيه.
ومضت في طريقها الطويل، وأنا خلفها؛ تسحبني تارة كدمية.))
فالأم تود صناعة فتاة بلا قلب بلا روح بلا مشاعر بلا إرادة فالحب مجرد خرافة ووهم(( انسيه كما نسيته أنه مجرد خيال))
يتصاعد الحدث بإحضار الأم عريسا لابنتها كما ترغب هي ” أرسلت أخبره بيوم خطوبتي ولم يجب بل تمادى بالهجر والرحيل”
ولعل الحب كان افتراضيا فالأم تقول” أمسكت أمي وبحنان مبالغ فيه انسيه هو مجرد خيال”
لعل النص موجع كثيرا فالبطلة بين قهر الأم وخديعة الحلم والحبيب أو الظروف التي منعته من الحضور.
ويرسم النص مأساة الفتاة حين تقول عن الأم” مضت بي في طريق تسحبني من يدي وأنا أتبعها كدمية ”
والدمية مجرد شكل لعبة للأطفال بلا مشاعر جسد فقط.
يصل السرد بالقارئ النص للعرس وصورة المكان مظلم وموحش وأصم وحتى شخصية العريس غير مشاهدة برغم وجوده” دخلت معها غرفة مزركشة وبها فتاتين تحملان فستانا والكثير من الأشياء كانت الغرفة مظلمة وصغيرة نزعت ملابسي وتركتني عارية تماما تذكرت لعبتي المفضلة ونزعت ملابسها وصنعت منها العديد من الفساتين لكنني لم أصنع لها فرحا ولم أجلب لها عريسا .”
المفارقة جميلة بين إنسانية الفتاة وإنسانية الأم فقد حولت الفتاة الدمية الحقيقية لإنسان واحترمت مشاعرها ورغباتها بينما الأم حولت الإنسان لدمية بلا مشاعر وبلا إرادة وبلا رغبات. حتى من حولها كانت تتحدث عن ذلك التحول” أظنها صماء وبكماء لا تتكلم حد أنها لم تعد تعرف اسمها
– مااسمك آنستي
– لدي العديد من الأسماء المزيفة
لارا واسمي الدمية واسمي رقية ورقية حين كنت اسمعها من أبي أشعر بأني إنسانة.”
فالأم من كراهيتها للحب وللرجال حاولت صناعة المرأة الدمية التي تسمع وتطيع ولا تعترض فقط عليها التنفيذ؛
فالشخصية تسحب وأصبحت صماء بكماء فهي لا تسمع، لا تتكلم ولاترى فهي لم تر حتى العريس ولم تسمع زغاريد العرس ولاضوضاء الحضور.
بعد أن حرضتها الفتاتان كيف تضحين بسعادتك لتسعد أمك؟
ليتأزم الوقت والحدث حين تجر الأم بيدها وتعدو بها بين أهلها وصديقاتها وهي مطمئنة بما صنعت وتفخر بذلك
لكن كان حلمها يناديها بالحرية وهي تراه من وراء النافذة فاعتنقته وتحررت من القيود وفي الأخير يمكن أن تكون النافذة رمزا للأمل والخلاص من القيود وربما من الحياة.
نستخلص مايلي:
– العنوان مخاتل ومحير فعناق الموت وارتباطه بالنهاية يشبه الانتحار أو أنه الخروج عن العادات والتقاليد وكل القيود وهو مناسب للمضمون بصناعة المرأة الدمية واستسلام الذات للأم .
– شخصية الأم شخصية قاسية من خلال فشلها في الحب حاولت أن تصنع دمية تسمع ولكن كانت شخصية الفتاة رقيقة تحب وتكره وتفرح وتحزن فلم تستطع الأم أن تستأصل مشاعرها وهذه مفارقة بين الشخصيتن.
– المفارقات كثيرة في النص وأحدثت الصراع والجذب وعمقت الفكرة بين شخصية الأم والتي لا تدل على أنها أم فهي مستبدة قاهرة وبين شخصية البنت التي اختزلت الرجال في حبيبها وتلك تكره أباها لمجرد أنها تزوجته بلا حب كما أظن.
– المفارقة بين الأم التي حولت البنت إلى دمية وكيف حولت البنت الدمية إلى نسان
– شخصية الأب كانت حنونة تشعر البنت بإنسانيتها والتي تكرهه أمها
– مكان الزواج والعرس مظلم ضيق صغير مظلم لأنه بلا حلم بلا رغبة بلا قناعة.
– اختزلت البطلة الرجال في حبيبها لذلك فهي لم تر العريس ولم تر أي ملامح للفرح وللحضور فكانت دمية في الزمن والمكان الذي يستلب منها إنسانيتها ورغبتها.
– النهاية جميلة وعميقة فالنافذة رمز للأمل للخروج عن الاستبداد والوصول للحلم والحب وبذلك حققت شخصيتها ورغبتها وحلمها بعكس شخصية التي لم يتحقق لها من أحلامها شيء
– هناك حشو خاصة عند وصف الشخصية التي تسرح خصلات الشعر يمكن الاستغناء عن الكثير.
– هناك أخطاء لغوية كمثل” يجيب والصواب لم ((يجب))