عِندما تَتلبّس السياسة بالدين

 

الرحلــة المغربيّـــة المكّــية

لأحمد بن محمد الصبيحي السلاوي

تحقيق و دراسة د.نزيهة جابري

  – رفقـــة أومزدي –

يقول أحمد بن محمد الصبيحي السلاوي في مقدمة مؤلّفه متحدثا عن دواعي رحلته:

“كان السبب في هذه الرحلة المباركة، ما رأته الدولة الفرنسوية الفخيمة،من مساعدة الراغبين في الحج من مسلمي مستعمراتها الافريقية، بمناسبة فتح الطريق الى مكة المكرمة لقيام شريفها الممجد هناك، و مناداته بالاستقلال، و مدّ يده لمصافحة كل الموالين، و محبّي المسلمين. فكان من أول الدول المبادرة لذلك، الدولة الفرنسوية المذكورة، فعرضت الحج على عدد باهر من المغرب الأقصى و الجزائر و تونس، تحت نفقتها و في كفالتها، برهانا على ما لها من العواطف السامية نحوهم و نحو إقامتهم شعائر دينهم، بعد أن كان السبيل إلى ذلك غير ميسر”.

الرحلة المغربية المكية لصاحبها العلّامة الفقيه أحمد بن محمد الصبيحي السلاوي، و الصبيحي نسبة إلى قبيلة صبيح المنحدرة من بني هلال، استوطنوا قديما مدينة سلا المغربية و كونوا عائلة عريقة توارثت حكم حاضرة سلا منذ أواخر القرن الثالث عشر الهجري إلى منتصف القرن العشرين، ولد الفقيه و الأديب و رجل السياسة سنة 1882م تلقى العلم على يد كبار الشيوخ و الفقهاء و أجيز في متون عدّة، زامن فترة سياسية مهمة من تاريخ المغرب و المتمثلة في عهد الحماية و شغل مناصب حكومية دقيقة، عرف بكثرة رحلاته خاصة إلى فرنسا و الحجاز موضوع القراءة، خلّف عددا من المؤلفات المكتوبة منها و المخطوطة ك ” انبلاج الفجر في المسائل العشر” “أصول أسباب الرقي الحقيقي”، كتاباته حول مدينة آسفي و بعض الدواوين الشعرية،وُري الثرى رحمه الله سنة 1944م.

قام بتقديم وتحقيق و دراسة و إخراج المخطوط الدكتورة نزيهة جابري أستاذة التعليم العالي بكلية الاداب و العلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس الرباط، متخصصة في الأدب القديم و تحقيق المخطوط العربي، نالت شهادة الدكتوراه في”الرحلة السفارية:من الاختلاف إلى الائتلاف،مساهمة في التأسيس الدبلوماسي المغربي(الصفار و العمراوي و الحجوي نموذجا)” و هو العمل الذي حصلت من خلاله على جائزة ابن بطوطة في الأدب الجغرافي، الجائزة الأولى في صنف الدراسات سنة 2010.

الرحلة المغربية المكية عن منشورات دار الأمان الطبعة الأولى2016 صنفته المحققة الى أقسام و مباحث جاءت كالتالي:

– القسم الأول يحوي مبحثين:

– الأول: جاء كمقدمة تناولت فيه الدكتورة عددا من القضايا الممهّدة للمتن كحديثها عن أهمية التراث الرحلي كحلقة وصل بين الأزمنة الثقافية قديمها و حديثها،البحث في مفهوم الرحلة:خصائصها،مصادرها و أخبارها،أنواع الرحلة من حيث أغراضها و أهميتها في حياة الشعوب و في تحصيل المعرفة.

ثم وقفت عند نظرة الإسلام للرحلات و تدليلها على تشجيع الاسلام على السفر والسعي في أقطار الارض و التيسير على المسافرين طلبا للعلم، الحج و التجارة… ببعض الشواهد القرآنية لتجيب في نفس المبحث عن دوافعها الذاتية من وراء اختيار موضوع دراستها و تختمه بتقديم موجز للرحلة الصبيحية يلخص أهمية الكتاب و نوع القضايا المتضمنة فتقول:

“…يصف فيها هذا الأخير سفرة حجية تمت سنة 1334ه – 1916م داخل الفضاء الإسلامي، و بالتحديد نحو الديار المقدسة(…) و تختلف عن غيرها من عدة وجوه:

      – انها تمت تحت رعاية الدولة الفرنسية (المستعمرة أو الحامية)،و خطابها خطاب             تمجيد لهذه الأخيرة على نحو يوهم بإلغاء الهوية الدينية بين المسلم و غير               المسلم و خاصة إذا استحضرنا بعض الفتاوى الصادرة لمنع الحج لأسباب منها:           الركوب في مراكب الكفار.              

    – انها تؤرخ لأحداث تاريخية هامة منها الانتصار على الاتراك و تحقيق استقلال               الحجاز.       

    – انها تجمع بين حجاج ثلاثة أقطار: المغرب،الجزائر و تونس بالإضافة الى مصر           المستعمرة من طرف الانجليز، و أن صاحبها قد تحدث عن هذه الأقطار و رسم لها         صورا لا نجدها في رحلات حجية أخرى.   

    – انها تضيء بعض الجوانب من سياسة المستعمر.

ثم إنها توظف الدين في تجميل صورة المستعمر و يتجلى ذلك بوضوح و على الخصوص، في ابراز مصدر الانفاق على الرحلة و مسؤولية حراسة باخرة الحجاج”.

– الثاني: بعد التوطئة كشفت المحققة عن عدد من المصادر الذي سبق و ساقت ترجمات عن صاحب النص ثم عرفت به: نشأته و إطاره الاجتماعي،الوظائف التي تقلدها و مؤلفاتها. كما عرجت على بلدته سلا كي تعرف القارئ بالمدينة التي شكلت وجدان الكاتب و الذي طالما فخر بانتمائه لها، لتضعنا ضمن الإطار التاريخي للرحلة خاصة الظروف التاريخية التي كان عليها الحجاز آنذاك.

أما القسم الثاني فضم ثلاثة مباحث أيضا: الأول شرحت فيه الدكتورة المنهج الذي اعتمدته في التحقيق و الخطوات التي سلكتها حتى يخرج النص في الصورة التي كان ليرضاها صاحبه أو الأقرب إليها كما تقول القاعدة في التحقيق ثم وصف النسخ المتحصل عليها من المكتبات و الرموز المعتمدة من اجل قراءة النص، لتخصص المبحث الثاني لتحقيق المخطوط فجاء نصا محققا في 73 صفحة مفصلة العناوين، بارعة الحواشي،جميلة الإخراج، و لم تكتفي بما سبق بل أضافت في المبحث الثالث ملحقا لذاكرة الرحلة و آخر تكميلي لهوامش التحقيق.

و بعد مهمة التحقيق ستنتقل الدكتورة نزيهة جابري الى عملية دراسة المتن فتكشف من خلاله عن أبعاد الرحلة و استشفت منها بعدين أساسين: رهان الدولة الفرنسية على ضم أعيان مستعمراتها لصفها و التظاهر باحترامها للدين الإسلامي ثم تتبعت منهجية الصبيحي في كتابته للرحلة إلى أن تقف عند صورة الدولة الفرنسية (المستعمر) في نص الرحلة تقول المحققة:

” و الأمر مختلف في ما يتعلق بصورة فرنسا في هذه الرحلة، فالصبيحي لم يذهب الى فرنسا، و إنما ذهب الى مكة المكرمة، و لكنه أنشأ للأولى صورة تكاد تضاهي الصورة الثانية من حيث المنزلة، فقد تواتر في الرحلة نعت (الدولة الفخيمة)، و تكرر ذكر مآثرها على نحو يجعل القارئ يميل إلى الاعتقاد بأن الصبيحي كان مسكونا بقوة الدولة الفرنسية، و معتبرا وجودها في بلدان شمال افريقيا واقعا مفروضا”.

و هو الأمر الذي تضمنه القسم الثالث إضافة إلى وضع خلاصة لخصت أهم ما جاء به الكتاب و قسم خاص بالفهارس: للأشعار/ المصطلحات / الأعلام البشرية / الأعلام الجغرافية و الأماكن / المصادر و المراجع…

و على الجملة، لا غرو من أن الكتاب قد حقق الغايات التي رامتها الدكتورة نزيهة جابري و التي من ضمنها المساهمة العلمية في خدمة التراث المغربي في مجال الرحلة خصوصا، التعريف به و إحيائه و إشهار أعلامه و محاولة الانفتاح على النص الرحلي و درء النقص الحاصل في دراسة هذا الجنس الأدبي المنفتح على مشارب عدة.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!