لصحيفة آفاق حرة:
_______________
فن العشوائية – قراءة ادبية
بقلم الشاعر – محمد الحراكي
” كتاب فن العشوائية ” للكاتبة دعاء حسين هو كتاب لا يشبه غيره من الكتب المطروحة على الساحة الأدبية والثقافية، فهو ينفرد فكرةً وأسلوبًا في كل شيء.
يبدو العنوان مريبًا، فالفكرة السائدة عن العشوائية فكرة غير محببة، فحتى تلك النفس التي تمارس العشوائية ترى في التنظيم والترتيب منهجًا مثاليًا، لكن الكاتبة دعاء لا تعترف بالأمور كما يجب أن تكون بل تسعى إلى تصويرها كما هي في واقعها فعلًا.. والحياة كلها عشوائية.
ولا يمكننا تصنيف الكتاب حسب التصنيفات الاعتيادية، فلا هو رواية ولا مجموعة قصصية، ولا ديوانًا من الشعر ، إنه أقرب إلى الخواطر المتناثرة موضوعيًا وزمنيًا، هذه الخواطر رغم تباعدها فكريًا إلا أن كلًّا منها يمثل حلقة في سلسلة وفي مجموعها فإنها سيرة حياة الإنسان عمومًا، في تبدلات أحواله واختلاف أمزجته وتغير مواقفه.
تقدم الكاتبة لكتابها فتقول: ” حجر النرد أو لعبة الاحتمالات هكذا هي العشوائية كما تبدو للقارئ للوهلة الأولى ، أيعقل أن تدير تلك العشوائية حياتنا بانتظام محكم ، وأن تقودنا يومًا ما لآمالنا وأحلامنا على الرغم من أنف الظروف و القيود التي تحكم أرواحنا وتسَيِّر أجسادنا باتجاه واحد لا مفر منه ”
إذأ إنها العشوائية الظاهرة التي تسير وفقها حياتنا بانتظام، إنها التقاء الأضداد في صنع مسيرة الحياة، وأنا أرى أن أسميها ( القدر ) فكل شيء في الحياة إنما هو محكوم بقدر الله وحكمته، وما يبدو في ظاهره عشوائيًا هو ترتيب إلهي وقدر يريده الله لغاية قد نعلمها، وفي أكثر الحالات نجهلها وتغيب عنا.
تحاول الكاتبة دعاء حسين بأسلوبها المشوّق ولغتها البسيطة المحببة أن تطرح آراءها وفلسفتها الخاصة في كثير من أمور الحياة، فتجد نفسك وأنت تقرأ الكتاب كمن يستمع إليها وهي تحدثه بكل عفوية وتلقائية، فلا تعقيد في اللغة ولا غرابة في الطرح، ولا صعوبة في الأسلوب، ولا تكاد تتنبه من تماهيك مع فقرات الكتاب حتى تجد نفسك قد قرأت صفحات كثيرة وكأنك في عالم سحري من الإبداع لا يمكنك مغادرته بسهولة.
أمر آخر يثير الانتباه في كتاب ” فن العشوائية ” للكاتبة (دعاء حسين) وهو اختيارها لعناوين الفِقرات، وهو أمر لافت جدًا، فنقرأ من عناوين الكتاب: ذكاء المسافات – حجر النرد – مزارع العم بلبل – الثور الذي لا يركع – أعطني نصف ما لديك – ضع دائرة – في سلة المهملات صنعت العظمة – الدست الأحمر – طربوش الخواجة – خطأ مطبعي – علبة التونا……
وعلى هذا النحو الغريب سارت معظم عناوين الكتاب، ولا شك أن هذا يخلق في نفس القارئ رغبة جامحة بالقراءة، فغرائبية العناوين تجعل منها ألغازًا يحث القارئ على فكها وحل شيفرتها.
والقارئ للكتاب يلاحظ كيف استطاعت الكاتبة أن تنتقل بالقارئ من فكرة إلى أخرى، بل من عالم إلى عالم آخر، دون أن يشعر بالتباعد في الزمان والمكان، ذلك أنه وعلى الرغم من أن الأفكار قد استُلهِمَتْ بطريقة عشوائية، إلا أنها لم تخرج عن دائرة النفس، وإطار الروح، فهي – أي هذه العوالم – هي نحنُ بكل ما فينا من تناقضات، وتباينات، ومزاجية.
وخلاصة القول:
إن كتاب ” فن العشوائية ” ينبئ بميلاد كاتبة واعدة في عالم الأدب والثقافة، كاتبة تمتلك رغم حداثة سنّها خبرة حياتية وتجربة ثرية تتجلى من خلال كتابها ومناقشتها لمعظم أمور حياتنا بطريقة ذكية ورؤية نافذة وأسلوب أخاذ.
” فن العشوائية” للكاتبة (دعاء حسين) كتاب رائع يستحق القراءة لأنه لا ينتمي إلى عالم الكلمة السطحية والفكر الساذج.فكل الاحرام للكاتبه دعاء وكل التقدير على ما اتحفتنا به من مواضيع حياتيه نعيشها ونتعايش معها
محمد الحراكي بقلم