لصحيفةآفاق حرة
****************
كتب :أحمد البزور
أَصدرَ الشّاعرُ والنّاقدُ السّوريُّ محمّد علاء الدّين عبد المولى كتابًا موسومًا بعنوانَ: في النّقدِ التّكامليِّ: دراسةٌ نظريّةٌ وقراءاتٌ تطبيقيّة عن دارِ نون للنّشرِ، سنة 2015م. موزّعًا على مئةٍ وتسعٍ وتسعين صفحةً.
لا نميلُ كثيرًا إلى الاستغراقِ والوقوفِ مطوّلاً عندَ جزئياتِ الكتابِ بقدرِ ما يهمّنا الاختصارَ واستعراضَ الجوانبَ الرَّئيسة والمهمّة، والسَّؤال هنا:
– ما موقف النَّاقدِ محمّد علاء الدّين من النّقدِ التّكامليّ؟
– ما منطلقاته؟
يستهلُّ المؤلِّفُ الكتابَ في العلاقةِ بين النّقدِ والمتلقِي، ويرى بأنّ النّقدَ مرّ عبرَ تاريخيّته بأشكالٍ متنوّعةٍ ومتباينةٍ للقراءةِ النّقديّةِ؛ بهدفِ وصولِ القارئِ إلى أسرارِ الأدبِ.
وإذا اتّفقنا مع وجهةِ نظرِهِ القائلة بأنَّ من الصّعوبةِ بمكانٍ إرجاعَ القصيدةِ الحديثةِ إلى مدرسةٍ بعينها في إطارِ توالدِ المذاهبِ والرّؤى، وسيغدو اقتطاعًا لكلّيتها وشموليتها، فإننا نختلفُ مع رأيهِ باستحالةِ تصنيفِ القصائد إلى قصيدةِ وصفٍ، وغزلٍ، ورثاءٍ.
من المجدي الإشارة، إلى أنّ المؤلِّفَ ينطلقُ من مرجعيّةٍ عربيّةٍ في رؤيتهِ للنّقدِ التَّكامليِّ، بحيث يقفُ عند نقّادٍ مؤسِسِين، من مثلِ: نعيم اليافي، ومحمّد النّويهي، وسيّد قطب، وإحسان عبّاس، وسامي سويدان، وغيرهم، أشاروا بالتّلميحِ تارةً، وبالتَّصريحِ تارةً أخرى، في سياقِ مشروعِهم النّقديّ إلى التّعدديّةِ المنهجيّةِ والتّكامليّة.
النَّقد التَّكامليّ: منهجٌ عابرٌ للمناهج:
لا شكَّ في أنّ طرائقَ قراءةِ النّصِّ الأدبيِّ تتنوّعُ وتختلفُ مداخلها عبرَ العصورِ الأدبيّة والثّقافيّة، لهذا، يشيرُ المؤلِّفُ إلى دراسةِ التّطورِ الفنّيِّ لشكلِ القصّةِ القصيرةِ للنّاقدِ نعيم اليافي لنيلِ درجةِ الماجستيرِ في السّتينياتِ ومحاولته لاستقراءِ المنهجِ التَّكامليّ، ومدى الحاجةِ إليه في إطارِ ما سمَّاه بالمنهجِ التَّعدديّ التّكامليّ.
والحقيقة، أجاري المؤلِّفَ بأنّ نزوعًا بشريًا إلى عدمِ الاستقرارِ على شكلٍ واحدٍ من فهمِ النّصِّ الأدبيِّ؛ حيثُ إنَّ ادّعاءَ امتلاكِ النّصِّ الأدبيّ، وتسجيله وفقًا على منهجٍ بعينه شططٌ فكريّ، والنّصّ الأدبيّ شعرًا كان أم نثرًا يتميّزُ بالتّنوعِ والتّعددِ، ليصعب أحيانًا تحديدهُ بمنهجٍ نقديٍّ محدد، ومن سذاجةِ الفهمِ القطعِ والجزمِ بأنّ المنهجَ النّقديّ الواحد يقدّمُ تحليلًا شاملاً للنّصِّ الأدبيِّ، الذي لا يترك لغيره من المناهجِ مزيدًا لمستزيد.
من هنا، يزعمُ المؤلِّفُ، بأنّ فرضَ منهجٍ بعينه هو شأنٌ سياسيّ، وهذا ما يتنافى مع رسالةِ الأدبِ وطموحه، ويتناقضُ سلبًا، وبصورةٍ فجّةٍ مع القيمِ الجماليّةِ والمعنويّةِ للنّصِّ الأدبيّ، ويرى بأنّ النّقدَ التّكامليّ نقدٌ منحازٌ للتّعدديّةِ، وينفتحُ على القراءاتِ الأدبيّة على أكثرَ من مجالٍ واتّجاهٍ، ويتناسبُ مع الفضاءِ الحرِّ للنّصّ الأدبيّ، ويوسّع المؤلِّف رؤيته بأنّ سيادةَ المنهجِ التّكامليّ يحتاجُ إلى مناخٍ تعدديّ، وحرّ، وديمقراطيّ، وهذا نفسهُ ما انتهى إليه نعيم اليافي.
يخلصُ المؤلِّفُ، إلى أنّ المناهجَ النّقديّةَ الأحاديّةَ لم تستطع تغطية الثّغرات النّقديّة في قراءةِ النّصِّ الأدبيّ؛ لأنّها تجزِّئ النّصَّ إلى أجزاء، ولا تهتم بالنّصِّ وجمالياته في مجمله بقدرِ ما تبحث فيه عمّا يدعم فرضياتها الموضوعة سلفًا.
إنّ مؤلِّفَ الكتابِ واعٍ شديدُ الوعي بأهميّةِ النّقدِ التّكامليّ بل بضرورةِ حضوره في قراءةِ النّصِّ الأدبيّ وتحليله وفهمه؛ كونه يشجّع الباحثَ والنّاقدَ على ألّا يكون ضيّقَ الأفقِ وهو أمامَ النّصِّ الأدبيّ المنقود؛ لأنّه يستخدم معارفه، وثقافته، ورؤاه، وفلسفته، وذائقته، كما يمكن أنْ يسمحَ للنّاقدِ أن يعبّر عن حرّيته التي تتوازى مع حرّيةِ النّصِّ الأدبيّ، والنّاقد التّكامليّ أكثر حركةً وحيويةً من ناقدٍ منهجيّ واحديّ.
يستعرضُ المؤلِّفُ أسسَ المنهجِ التَّكاملي كما وردتْ عند النّاقد نعيم اليافي، وهي: الموسوعيّة، والانفتاح، والانتقائيّة، والتّركيبيّة.
يقدّمُ المؤلِّف رؤيته النّقديّة لنصوص شعريّة لشعراء سوريين من أمثال: سليمان العيسى، مصطفى خضر، ونذير العظمة، وعصام خليل، ونزار بريك، والماغوط، وغيرهم.
وأخيرًا، يجدُ القارئُ في الكتابِ مشروعًا نقديًا حداثيًا، قابلاً للتّطبيقِ؛ كونه نقدًا قائمًا على أساسِ التّنوعِ والتّعدديّةِ ومتلازماتهما في قراءةِ النّصِّ الأدبيِّ، ومن ناحيةٍ أخرى، يقدّمُ المؤلِّفُ رؤيته النّقديّة مؤسسًا على وعيٍّ بضرورةِ النّقدِ التّكامليِّ في استثمارِ الباحثِ والنّاقدِ معلوماته وخبراته الثّقافيّة والمعرفيّة، وهذا ما يتعارض تمامًا مع المنهجِ الواحديّ من تفرّد، وتحجيم، وتحيّز، الذي ينظر إلى النّصِّ الأدبيِّ من زاويةٍ محددةٍ، مما يعني أنّ هناك حصرًا لمهمّة النّاقد النّقديّة وقصورًا لأفقه النّقديّ.
نخلصُ من ذلك كلِّه، إلى أنّ المناهجَ النّقديّة – في رأيي – تتكامل وتتضايف بعضها مع بعضٍ، مجسّدةً صورةَ الوعي البشريّ النّاشدِ إلى التّحررِ والخلاصِ، مما يتيح لي هنا أن أسمّيه بالنّقدِ التّحرريّ انطلاقًا من قناعةٍ راسخةٍ كباحثٍ وناقدٍ في أنّ النّصَّ الأدبيَّ يمثّلُ أرضيّةً خصبةً للقراءاتِ المتنوّعةِ والمتعددةِ، بحيث يستدعي لغةَ فكرٍ، وحوارًا مشتركًا، ويفتح قناةَ اتّصالٍ مع جميعِ المناهجِ النّقديّةِ دونَ تحيّزٍ أو إقصاء لمنهجٍ نقديٍّ بعينهِ.