لصحيفة آفاق حرة
- .قراءة في رواية : التوأم المفقود
.الكاتب : سليم مطر.
.إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
.ط1 ورقية.2001
بقلم. أحمد العربي. سوريا
الراوي عراقي والرواية تتحدث عن الغربة والاغتراب. تعتمد أسلوب السرد مع التذكر و الحوار الداخلي النفسي والوجداني و استحضار عوالم متداخلة في الزمان والمكان. فيها كثير من عوالم التوحد مع الوجود ودخول في التصوف والبحث عن الذات. بطل الرواية (غريب)، وهو اسم ذو دلالة، منهمك بضرورة متابعة زوجته السويسرية في المشفى التي تمر في حالة مخاض وهو ينتظر مولوده منها. غريب مسكون بهاتف نفسي يأتيه دوما يطالبه بالاستجابة لنداء توأمه له أن يلقاه؛ يطلب منه النجدة . غريب شاب عراقي يعيش معاناة انه عراقي عربي شرقي، عمل بكل طاقته لكي ينسلخ عن ماضيه، فكل مافي ماضيه يستحق أن ينسى ويتخلى عنه؛ التخلف والصراعات والحروب المستمرة .الانظمة المستبدة والناس الخانعين، البلاد النابذة لأبنائها. انه هنا في بلاد النور والحرية وحقوق الانسان. هنا يعيش محترما والحياة مريحة والمستقبل مضمون. لكنه يفتقد للحميمية في علاقاته، يفتقد للتواصل، مازال يحمل لعنة انه شرقي. غصّة العنصرية تلاحقه، يفتقد إحساس العائلة والحب والتفاعل الاجتماعي. قرينه يناديه دوما يطالبه ان يعود اليه وينقذه. غريب يترك نفسه هواها ويلحق هاجسه. يعود إلى متاهات عدة، إلى طفولته في بغداد وحبه الاول ايمان (معبودته) الجميلة ساكنة القصر العالي. طفولته الممتلئة بالفقر والحرمان و عيشه قرب قصرها. يتحدث عن السجن المركزي، الذي يقترب من خلاله من واقع السجن و السجناء السياسيين. يكتشف محنة الوطن مع سلطته المستبدة. التي تحول كل مختلف معها لمجرم وتدخله في لعبة الاعتقال، ليخرج منها شهيدا أو مشوها او مشروع ثائر. يكبر غريب على أفكار الثورة والعدل والحرية والحقوق. سرعان ما ينخرط بأحد الأحزاب الثورية . وسرعان ما يكتشف أن الحزب ليس أفضل من السلطة وفيه كل العيوب. وسرعان ما أصبح مطاردا في البلاد، كما أنه يفقد الأمل بعمله الحزبي. يفكر بمغادرة العراق. الغربة، الغرب، الهروب النجاة . ينتقل إلى لبنان ودمشق ليعمل منهما للثورة وليعود ليبني وطنا، ويكتشف أنه ضحية وهم. وان من يريد الثورة مخترق وتابع لدول ويحتاج لتطهير أكثر من السلطة التي يريد أن يثور عليها. غريب يكتشف العبث في الثورة والثوار، يقرر الهروب إلى أوروبا. يصل إلى إيطاليا التي تعامله كأحد المشردين.. يدخل أجواء التسول والعالم السفلي الى مجرميها. ويبقى يحلم أن يحصل على حق لجوء سياسي، ويحصل عليه في سويسرا. يعيش فيها ويتزوج وينفصل عن ماضيه مُطلقا لعله يرتاح. لكن هاجس قرينه يطارده. العراق في التسعينات تحت النار دخل لعبة الحرب مجددا في الكويت وهاهي دول العالم تجتاحه مجددا. غريب تنهشه روحه، ألم يهرب ويغادر.؟. لماذا هذا الانشغال وعودة الوطن مجددا حيا داخله وكأن لا شيء داخله قد مات.. ؟!. غريب يعود وجدانيا ووجوديا ونفسيا في رحلة عودة نفسية عكسيه. هاهو يتجول طفلا في احياء بغداد، يراقب قصر حبيبته، يخوض الحرب عسكريا في الجيش ضد الإيرانيين. يهرب ويعود مجددا إلى إيطاليا وتركيا والشام والبادية السورية العراقية. ويصل ل(توما الحكيم)، يتعلم منه ويدخل عوالم الصوفية والعرفان ووحدة الوجود. يؤمن بالعلاقة التفاعلية كونيا، علاقة الخالق بالمخلوق وعلاقة الأرواح ببعضها، المادة والوجد والفناء بالخالق والخلق. يكتشف أن وجوده متكامل مع الطبيعة والاسلاف والله . وأنه عائد لجذوره، وان قرينه الذي بحث عنه هو نفسه وذاته، وهو العالم كله والله ايضا. عاد الى مرابع طفولته، لعمله السياسي، لفشله، لبلاده التي طردته، لحبه الذي لم ينجح، لغربته وتشرده ولوطنه المطعون بحكام مستبدين وحروب عبثية، لله يجده في كل شيء. عاد أخيرا إلى جنيف مدينته ليجد ان له ابنا من صلبه، يمثل قرينه الذي بحث عنه، واستمراره في دنيا تكرر دورانها حول نفسها دوما. وتنتهي الرواية
في تحليلها نقول:
الرواية متوسطة الحجم، غنية جدا، حبكتها الفنية متميزة وناجحة . متداخلة عوالمها بين الشخصي والعام، الوجودي والفلسفي وحتى العلاقة مع الله، حضور قوي للتاريخ والعقائد والانتماء .
.رواية تنتصر للإنسان بصفته إنسان اولا، وحقه بوطن وحرية وكرامة وعدالة . متجاوزا كل استلابات الإنسان كفرد وفي الوطن؛ أي وطن، وكل وطن، عبر التاريخ أيضا .وصولا إلى الله العادل الرحيم الكريم،الحاضر في كل شيء