قراءة في رواية (الطريق إلى تل مطران) بقلم أحمد العربي

لصحيفة آفاق حرة:

…..

قراءة في رواية: الطريق إلى تل مطران.

الكاتب: علي بدر.

الناشر: دار الشروق.

ط١ في ٢٠٠٥.و ٢٠٠٩.ورقية.

 

علي بدر، روائي عراقي متميز، قرأنا له عدد من الروايات وكتبنا عنها.

تبدأ الرواية بلغة المتكلم، بطلها ابن بغداد الذي تسرّح من الجيش حديثا، وهو يبحث عن فرص عمل ، فقد مارس بعض المهن لكنه لم يستطع الاستمرار بها، تعرف على فتاة بالصدفة واقترحت عليه ان يذهب إلى تل مطران السريانية بجوار الموصل ويعمل مدرسا للغة العربية لأطفالها. قبل العرض، حملته رسالة توصية الى القس المسؤول عن “البيعة” (دار العبادة)، وبالفعل ذهب إلى هناك، الرواية كلها سرد من البطل لما يحدث معه، ممتلئة بالتفاصيل، لكل ما يشاهد ومايعيش، يسقط مشاعره على كل ما يراه، الجمال ، الدهشة المتابعة المتأنية لكل شيء، يسافر إلى تل مطران، والفصل شتاء،الثلج رفيقه في أغلب رحلته، ينتقل من مدينة إلى أخرى يصل الموصل ومنها إلى تل مطران بجوارها. يفاجأ صاحبنا بأن أهل البلدة يتعاملون معه بحذر وخوف ويطلقون ألفاظا سريانية ويهربون منه، يحار في أمره يسكنه التوجس والخوف، ويستقبله نائب القس “القاشا” الذي جاء إليه ومعه رسالة التوصية، القاشا  يرحب به، ويخبره ان القس مريض جدا ولا يستطيع مقابلته ، لكنه يقبل تعيينه في البيعة معلما للّغة العربية لاطفال تل مطران، يعرفه على فتاة اسمها “شميران” التي ستكون مساعدته في متابعة شؤون الأطفال. الحّ صاحبنا على القاشا وشميران، بمعرفة سبب خوف الناس منه وهروبهم عندما رأوه، كان الجواب أنه الغريب الذي أخبرت به عرّافة كردية، بأنه عندما يأتي سيموت القس ويظهر النبي الجديد، استغرب ذلك ووجد نفسه قد دخل لعبة أكبر منه، شميران مساعدته جميلة واحبّته، وعدته انها سأخبره عن كل شيء خفي عليه من أمر تل مطران، القاشا تبين أنه مثقف كبير ، ولدية مكتبة ضخمة تحوي الكثير من الكتب المهمة قديما وحديثا والمخطوطات النادرة، وكان له وجهة نظر فلسفية؛ القاشا يؤمن بنظرية الصفوة من البشر، النخبة القوية بعقلها ومالها وفعلها، التي يجب أن تهيمن، ويؤمن بتصفية الناس العاديين، لأنهم زيادة عن الحاجة، كانت فلسفته أقرب لرأي عنصري ضد الإنسان، غير ذلك كان يهيئ نفسه لدور كبير في تل مطران بعد موت القسيس. عايش صاحبنا أجواء تل مطران وشعبها، تعرف على أحدهم “السكير” الدائم وسمع حكايته، كما سمع حكاية خال شمران واختلافه  مع السكير على حب اجمل امراة في تل مطران، هذه المرأة التي تنتظر حبيبها المسجون، وترفض جميع الرجال، بما فيهم خطيبها السابق الذي يكيد لها عند زوجها حبيبها، الذي سيخرج من السجن في أقرب وقت ليقتلها بعدما وصلته الشائعات حول خطايا حبيبته التي أطلقها عنها  كثيرون أهمهم خطيبها السابق، سيتزوج خال شمران رغما عنه من زوجة لا يرغبها،  ويهرب في ليلة عرسه. جدّ شمران الرجل الأغنى وصاحب الأملاك في تل مطران، لم يكن يحب صاحبنا مدرس العربية الجديد، لأنه كان سببا في مقتل ابنته أم شميران، بعد قصة حب أدت لحملها بها وهرب الأستاذ ومقتلها على يد الجد، شميران ابنة هذا الحب، تقرر أن تنتقم من جدها القاتل، وتقرر حب الاستاذ الجديد صاحبنا، تل مطران ممتلئة بالناس ولكل حكاية، ولكل هاجسه  ومشكلته، تراها ممتلئة بالحانات والفنادق المطاعم الخ.. كأنها مدينة كبيرة. يبدأ صاحبنا في تدريس التلاميذ بصحبة شميران، وتحصل بينهم قصة حب تتوج بعلاقة جسدية، شمران تخبر صاحبنا أغلب حكايا  تل مطران ، و خطط كل طرف وخاصة القاشا، الذي ينتظر موت القسيس ليبدأ بإعلان وجود النبي الجديد، والذي سيكون مختفيا، وهو سيكون رسوله، و سيهيمن على الناس عبر هذه الخطة ويبدأ في تنفيذ تصفية للناس الزائدين عن الحاجة، كان القاشا مطلع على كل شيء، وخاصة حركة صاحبنا، وكان يجهز صاحبنا ليكون الضحية القادمة كون ظهوره سيحمل النبوءة، سكن صاحبنا في منزل القاشا بداية ، وكاد يقع في حبال الإغراء الجنسي لخادمته الخاصة، ومن ثم انتقل إلى شارع آخر وسكن في فندق مجاور البيعة حيث يدرّس التلاميذ، الفندق الذي تعرف به على بائع العطور وصاحبته التي يحبها ويتخاصم معها دوما، ووقوعه بين مشاعره تجاه المرأة التي تعمل عاهره، وبين التزامه الأخلاقي الذاتي، الذي ينهار ويكون له معها علاقة جسدية، يصطدم مع جاره بائع العطور ثم يتصالحا،  ويقترح عليه ان يتزوجها ويذهب إلى قريته، حيث تختفي معها حكايتها وماضيها، وهكذا يحصل، يتعرف على الحلاق المعمر وقصة مرافقته للسياح دوما وتفريغ عقده الجنسية معهم. شمران تخبره بحقائق الامور، أولها انها ستحبه واحبته، وأنها ستنتقم بذلك من جدها الذي قتل والدتها عندما أحبت الأستاذ السابق قبل عشرين عاما والذي يشبهه، وبعدما انجبتها ، وأن في القصر كنز كبير مخبأ من أيام والد جدها، وأخبرته عن الكنز الذي استودعه عنده جيرانه الايزيديين عندما هاجمهم العثمانيون في زمان مضى ، وتم ابادتهم، خطتها أن تنتقم من جدها وتخرج الكنز، وتخلّص من القاشا ومن تنبؤاته، التي تراها ستقضي على صاحبنا وعليها ايضا، وقد تقضي على جدها في الطريق إلى هدفها. وبدأت النبوءات تتحقق السجين سيخرج ويقتل زوجته بأسلوب قاسي وأمام الناس، شمران تكتشف الكنز وتعلن وفاة جدها، القاشا قال ان شمران قتلت جدّها، القاشا أعلن وفاة القس وظهور النبي الجديد، في هذا الوقت كانت خطة شميران أن يقتل صاحبنا القس ليكشف كذب وزيف ادعائه، قتل صاحبنا القاشا ، وأعلنت شميران أن القاتل صاحبنا ويجب أن ينتقم منه، عندها سارع صاحبنا بالهرب من تل مطران ووصل إلى بغداد ليلا ونام في بيته وهو مرعوب من جريمة اقترفها، و احتمال أن يقتل أيضا. في الصباح تأتي اليه حبيبته ليليان ، استيقظ أخبرها بما حصل معه، لكنها تنكر عليه كل الحكاية، وأخبرته أنه كان مرتفع الحرارة في الليلة الماضية، وأنها لم تتركة إلا هذه الليلة ، وأن كل ما حصل معه هذيان ، لم يستسلم لهذه المقولة وقرر مع ليليان ان يذهبوا إلى تل مطران و يتأكدوا من الحقيقة، ويأخذوا تكسيّا مع سائقها مباشرة الى الموصل، وعندما سأل السائق عن تل مطران، أخبره أنه لا توجد بلدة في هذا الاسم، بل  فندق، ويذهبا إليه، وهناك يعرف ان تل مطران بلدة صغيرة بنيت أيام الاحتلال الإنكليزي للعراق في القرن الماضي، وعدد بيوتها قليل وأن الإنكليز أنفسهم هدموما قبل خروجهم من العراق، وأن هذا الفندق بناه واحد من سكانها، واسماه تل مطران، ثم تعرف صاحبنا وحبيبته على قس يسكن بجوار الفندق وأخبرهم بنفس الحكاية.

.تنتهي الرواية وصاحبها وحبيبته يجلسان في أحد فنادق الموصل، وهو يفكر بما حصل معه.

.في تحليل الرواية نقول: إننا أمام أسلوب مختلف للكتابة عند علي بدر، الكتابة بإيقاع المشاعر و الانطباعات النفسية عن كل شيء يراه أو يعايشه، الإنسان ليس عينا ترى كما الكمرة فقط وتعكس ما تراه، بل كائن يتشرب ما يراه ويعيشه، بعقله وعواطفه ونفسيا وما يخطر على باله، انها فرادة الإنسان في فهم ومعايشة  كل شيء. والرواية تقدم رؤية فلسفية  للدنيا، والفرد والجماعة والثقافات والعقائد، والحياة والموت والحب والثروة وتعدد المواقف من الحياة والعالم، تنعكس على شخصيات روايته. الرواية محاولة غوص عميقا بالإنسان بصفته متنوعا، لا يتطابق أي فرد منه مع الآخر مهما تعدد، ولكل وعيه لوجوده وعواطفه وأهدافه ورسالته وأعماله التي يحاول من خلالها تحقيق ذاته.  الرواية تغوص في عالم اللاوعي في الإنسان، وكأنها تريد أن تقول انه أكثر غنى من عالم الوعي الذي يعيشه، رغم كثافته وتنوعه. لغة الرواية جميلة ممتلئة بكثافة الوعي والمشاعر والانطباعات،  ممتلئة بالإنسان و انتصار للحياة على الموت.

 

.احمد العربي..

…٣/٧/٢٠١٨…

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!