لصحيفة آفاق حرة-
قراءة في رواية : “تراب ألماس”
.الكاتب .احمد مراد
.اصدار دار الشروق. ط3
.ورقيه.2010.
بقلم / أحمد العربي. سوريا
.احمد مراد كاتب مصري حديث. هذه روايته الثانية بعد (فرتيجو) .2007. لكنه متميز، منذ روايته الأولى أثبت حضوره الروائي . اعتمد تقنية الحدث الجنائي كمادة أولية جاذبة. لكنها لم تؤثر على صلب روايته ورسالتها. رسم للواقع المصري عبر عقود عشية ربيع مصر وثورتها
تبدأ الرواية من إحدى حارات القاهرة في الخمسينات، في بدايات الثورة المصرية، و بوادر الصراع بين اللواء محمد نجيب وبقية الضباط الأحرار، وصورة تفاعل اجتماعي بين حنفي المسلم المصري وصديقيْه اليهودي والمسيحي . في جلسة أنس في انتظار اغنية ام كلثوم. سهرة تتناول كل شيء بحميمية كبيرة، تفاعل وانشغال بالأحداث العامة والخاصة. ثم تنتقل الرواية ما يزيد عن خمسين عاما مع حفيد حنفي الشاب الذي يعمل في صيدلية الحي. طه شاب يعيش مع والده المقعد على كرسيه المتحرك، وهو يعمل في صيدلية مجاورة . الوالد حسين قليل الكلام يتابع كل الجرائد يوميا، ويقص ويجمع يكتب في كراسته دوما، يعطي انطباعا انه منشغل دوما في أمر هام وكبير. يراقب الحي والشارع عبر نافذة غرفته. و بمنظاره المكبر الذي يستعمله خلسة ودون اظهار لذلك لمراقبة حياة الجوار جميعا. يرصد حركة جاره سليمان بائع الجرائد علنا، لكنه المروج الأكبر للمخدرات في المنطقة. يراقب القصر الكبير بجواره لعائلة برجس الثرية والفاسدة وحليفة السلطة (أي سلطة ) منذ فاروق للان.عائلة لم تترك أي موبقة الا وفعلتها. لها علاقة بفساد المواد الغذائية المستوردة، وبكثير من المشاريع التي ظهر أنها تضر بمصلحة مصر. إبنه طه يعاني من والده الغامض، أمه التي تركته صبيا مع والده وتزوجت وهجرته. ومن أجواء الصيدلية التي تعتبر نموذجا حيا عن فساد الحياة في مصر. الادوية المخدرة والإدمان والخلطات السرية وباب النصب على الناس. طه يعاني من ظروف الحياة جميعها. يصطدم مع احدهم لانه لم يعطه ادوية مخدرة يتعاطاها كمدمن. وسرعان ما يجد نفسه وجها لوجه امام مقتل والده. ومحاولة قتله هو ايضا . وتنقلب حياة طه، باحثا وراء مقتل أبيه. ليكتشف أن والده كان انسانا رافضا للظلم والفساد. انه قرر ان ينتقم شخصيا من كل فاسد وظالم. يكتشف طه أن والده وراء قتل صديق حارته (البير) اليهودي في الخمسينات لانه اكتشف انه كان جاسوسا للصهاينة في مصر؛ وكيف يقتل؟!. انه يستخدم مسحوق الماس الذي يستوطن ألْمري ويؤدي لخلايا سرطانية تؤدي بحياته بعد أشهر .والتي يكفي قليل منها عبر كأس شاي أو غيره لتقرر مصير حياة هذا الإنسان، ويكتشف أيضا أن وراء قتل سليمان تاجر المخدرات، كذلك برجاس الأب الذي كان يمتلك شركات فساد تمتص دم الناس. طه يدرك ذلك و يتعمق كثيرا في واقعه. يدرك و ندرك معه عمق مأساة مصر مع ناهبيها ومستغليها. و شعبها الغلبان وناسها الضحايا سيبحث عن قاتل أبيه و يجده، إنه ذلك المدمن ويقتله. ويكتشف ان وراءة برجاس الابن ويعمل ليقتله. ويستفيد من ضابط تورط بين الحيتان الكبيرة ويقتل برجاس الصغير؛ الشاذ الجنسي . ونكتشف معه عالم الفساد في كل طبقات الحكم المصري، من الشرطي الصغير للضابط و للمسؤول الكبير، كلهم علق يمتص خير الشعب والبلد. سنتعرف على جارة طه وحبيبته لاحقا سارة الشابة الصحفية الرافضة الإستغلال والتخلف والاستبداد، الباحثة عن مخارج ما، والتي تعمل في صحيفة متواضعة تحاول كشف عري النظام وعاره. سارة تكتشف انهم قلائل وتحت المراقبة ومخترقين أمنيا، عاجزين عن فعل أي شيء .ستشارك بالتظاهر وتستباح وتُضرب وتهان، تكتشف أن زميلها من فعل بها ما اهانها وانه مخبر للأمن، ومع ذلك تستمر . ستلتقي مع طه الذي يستمر في طريق الانتقام الشخصي من الظلم والفساد. مستفيدا من تقنيات تراب الماس، تصارحه حبيبته أن ذلك لا يفيد. ويتفق معها ان الحل ان يقوم كل الناس لاسترداد حقوقهم. سيقتل الضابط ايضا لانه يكتشف انه هو من قتل والده فعلا. سيكتشف أن طبقات الحكم هي طبقات الفساد المتزاوجة مع طبقات الأثرياء والفاسدين، وأنهم يشكلون بنية صلبة متضامنة. وأنه وحبيبته وقتله لبعضهم من قبله. او عبر التظاهر او المتابعة الصحفية من حبيبته، لا يشكلون الحل المطلوب، لكنه الحل الممكن والمريح للنفس. تنتهي الرواية بعد عودته ليكمل انتقامه من الضابط، ولقائه بحبيبته. وان قنينة تراب الماس لم ينتهي دورها. وأن دورا قادما ينتظرهم هو وحبيبته سارة. للرواية تقنية الشد الملغز، والغوص عميقا في البشر ومشاعرهم وعقولهم، بعضها انطباعي .وأكثرها متهكم، مضحك مبكي . تتحرك في الزمان والمكان، فيها تقنيات تخدم على رسالة الرواية وهي: كشف المستور، الفساد و الاستبداد، ضياع الناس وتضييع الحقوق، وإرهاصات الثورة التي ستكون قادمة. والتي حصلت فعلا
د.ربيع العرب ربيع الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.