.قراءة في رواية : خطوة في الجسد.
الكاتب حسين علام..
بقلم. أحمد العربي
.الرواية جزائريه، تطال مرحلة حرجة من تاريخ الجزائر في التسعينات وما بعد، مرحلة الصراع بين السلطة الاستبدادية و الاسلاميين، وما اقترن بها من فظائع وقتل وضياع أمان اجتماعي، وضياع اليقين أيضا.
.بن عمر بطل الرواية، يعيش في تلمسان المدينة الجزائرية العريقة، يعيش على وقع الخوف اليومي من الموت المجاني، الذي أصبح محكوم بين حجري الطاحون النظام المستبد المتحكم به العسكر والأمن، وبين المجموعات الاسلاميه. يرتاد بيت احد اصدقائه كحانة سرية، لأن الشارب العلني مهدور الدم. بن عمر يحمل في نفسه الإحساس باللاجدوى والضياع، فهو يذهب لعمله ويعود كل يوم، يراقب الوجوه، ويترصد حالة الناس المرعوبة المساقة إلى مصائر مخيفة، الناس الضائعين بين نار العسكر والمسلحين، الذين صنعوا لأنفسهم دولة في الدولة ، فالبعض تأخذه أجهزة الدولة ليعود مقتولا، أو تعود أوراقه الثبوتية فقط ، والبعض يبعث له نعوة مع كفن إنذار بأنه محكوم بالموت، وينتظر مصيره، ليجده أهل البلدة مشنوقا امام منزله أو في فناء ما، يوسف صديق بن عمر؛ تحول وحبيبته (باية)، المطلوبين من السلطة ومن المسلحين لحكاية يتراكم عليها النقاش والتأليف، وأصبحوا حديث الناس. يوسف ابن تلمسان يسرد قصته عبر مخطوط تركه لصديقه بن عمر قبل أن يختفي؛ يوسف شاب له اخ واب وام ماتت مبكرة، بينه وبين والده أشكال عدم الفهم والتفاهم (تعبيرا عن غياب الجسور بين القديم والجديد في وجدان الشباب)، الاب الموغل في حياته والمتسلط والذي لن يقبل أن يكبر ابنه ويختلف معه، واخوه الاصغر الشاب المنفتح على الحياة، والذي يبدأ متتلمذا على يد شيوخ الحي، يتدين ويقترب من أجواء المسلحين اكثر ، ويصاب بعد ذلك بردة فعل تجعله على حافة الجنون ، نتيجة أزمة وجدانية ، فهو يحتاج لعلاج نفسي دوما ، وغرق في عوالم الضياع. يوسف سيتعرف على باية البجاوية التي جاءت لتلمسان تبحث عن ذاتها؛ عبر البحث في الأضرحة والمزارات لأولياء الله الصالحين وما أكثرهم، ستتردد كثيرا على ضريح (بو مدين) المتوفى من مئات السنين، و تتقصى لعلها تجد شجرة نسب عنده، هي اخت لقائد الشرطة في بجاية ، تهرب من أخيها وتتنكر لأفعاله، وتصبح مطلوبة منه ومن المسلحين ، ليقتلوها انتقاما من اخوها كطرف له دور في قتال المسلحين. سيعيش يوسف وبجاية ظروف حب مستحيل ، ستلجأ لمنزله وتجد عنده الحامي لها، يعيش في عالمه النفسي دائما، وأبطال الرواية ممنوعون من الأعمال الكبيرة في الحياة ، بالكاد أن يؤجلوا القتل قليلا ، هذا أقصى ما يستطيعون . لذلك كانت مسارات الرواية نفسية تدور بحثا في الوجود في النفس، وفي عمق التصوف، ودخول عالم الاستحالة ، كمنقذ من اليومي المرفوض. سنجد انفسنا امام حالة إنسانية عامة، ليعيشا حبا اقرب للتوحد الصوفي ، وستجده متحققا بوصال طال انتظاره ، وكأنه انتصار لانسانية الانسان بين يوسف وبايه، سيهرب يوسف بحبه ويذهب للصحراء بحثا عن ذاته، وستعود باية لبجاية، ويفقد بن عمر حبيبته المقتولة ، ويعيش أزمته الوجودية؛ فما زال مع رفاقه في الحانة ؛ يجتر أيامه وعاش حياته بأعلى درجات اللامعنى ، محملا بأوراق يوسف وحبه المهدور، ووطن ضحية، وشعب مقهور.
.الرواية تدور في عوالم نفسية في أغلبها، تحاول ان تقترب من الواقع بشكل غير مباشر، الرقيب ما زال موجود، والجزائر ما زالت محنتها في السلطة الاستبدادية، التي انتصرت على الإسلاميين المسلحين؛ لكن إلى حين. الرواية لم تقترب إلى أصل مشكلة الجزائر وربيعها الديمقراطي المغدور في أوائل تسعينات القرن الماضي ، وانقلاب العسكر والمستبدين على التجربة الديمقراطية، وإقصاء الإسلاميين الديمقراطيين ، وظهور اسلاميي القاعدة وطالبان، ودخول الجزائر في عرس الدم الذي استمر لأكثر من عشر سنوات ، ولاتزال ذيولها في الجزائر للان.
.هناك دوما ثنائية الظالم والمظلوم، وعندما تكون جماعيه ؛ يعني شعب ضحية استبداد وقهر واستغلال واستعباد، فلابد أن يكون هناك رد من الشعب من نفس صنف الفعل، قتل واستباحة، ولابد أن يستمد مشروعيته من المنظومة الدينية الموجودة وهي الإسلام عندنا . ولا بد أن تستمد من تاريخ صراع المسلمين بين بعضهم ومع الآخرين الكثير من الاجتهادات ، لنرى ما نرى من قاعدة وداعش وغيرها. ولم يغير هذا من واقع الانظمه المستبده ، التي أخذت تصريحا معلنا : ان تقتل شعوبها ، وتدمر بلادها ، وتعيد الناس إلى مرحلة العبودية ، أو صراعات المكونات، وبطريقة بدائية ؛ حسب قاعدة : نكون أو لا نكون.
.هذا ما سكتت عنه الرواية.