لصحيفة آفاق حرة
قراءة في رواية: زوجة واحدة لاتكفي…
زوج واحد كثير!.
الكاتب؛: د. منذر قباني.
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون.
ط١+ ط٢، ٢٠١٨م، ورقية.
منذر قباني روائي سعودي قرأت أغلب رواياته السابقة لهذه الرواية بدء من حكومة الظل وعودة الغائب و ثلاثية فرسان وكهنة، وقطز، وقرين. كلها تعتمد على الخلط الأدبي الروائي بين الماضي والحاضر، وبين الروحي والخيال والواقع، وبين الشرق والغرب والصراع الوجودي الذي يهيمن على العلاقة بينهما منذ مئات السنين.
لكن هذه الرواية تخرج عن مألوف رواياته السابقة، وتخوض في موضوع إشكالي، مسكوت عنه، أنه موضوع الحب والزواج والعلاقة بين المرأة والرجل والاسرة، وكشف الغطاء عن المدعى والمسكوت عنه، يوجد موانع دينية واخلاقية ومجتمعية عند البوح به، خاصة عندما نتحدث عن المجتمع السعودي. بما له من سمة دينية معتمدة من الدولة والمجتمع، مقترن مع حياة ميسورة مرتبطة بالنفط منذ تشكيل الدولة حديثا، والبنى المجتمعية القبلية والتقليدية المحافظة و المهيمنة. كل ذلك يجعلها رواية رائدة ومتميزة وسيكون لها صدى وتفاعلات.
تعتمد الرواية لغة المتكلم في السرد على لسان شخصياتها الاساسية مسعود التاجر الثري، وزوجته الدكتورة الاختصاصية في الجراحة سلوى والدكتور طارق الجراح أيضا و امتداداتهم المجتمعية، وكذلك الراوي الذي يتدخل أحيانا ليربط بين الشخصيات والمواقف ويغطي بعض الانقطاعات بما فيها العودة للماضي لعقود لتكتمل عقدة الرواية.
سعود تاجر ثري جدا يعمل بالمقاولات يمكن القول انه ملياردير، له شبكة زبائنية مع كثير من المسؤولين بحيث يحصل على مناقصات مربحة ويعطي لكل من الميسّرين له أعماله حصته من أصل الربح. متزوج من د. سلوى وأنجب منها أربع أولاد. كان ذلك منذ عقدين تقريبا. لم يعد يرى زوجته مناسبة له، الخلافات بينهما كثيرة. وهي اكتشفت انه يخونها مع الكثيرات بما فيهم ممرضة لبنانية لعوب تعمل عندها في المشفى الكبير في مدينة الرياض. د.سلوى ترى انها اضاعت حياتها سدى. فهي بالعقد الرابع من عمرها. خلعت زوجها عندما تأكدت من خيانته. لكنه انتقم منها بحرمانها من اولادها. فلا تراهم الا بشكل متباعد، لقد اصبحت حياتها جافّة تنهمك بعمليات التجميل في المشفى وتلوك ذكرياتها عن خيباتها وتتواصل مع بعض الصديقات لتمضي ايامها هكذا كئيبة. في المشفى الكبير كثير من الاطباء ايضا. منهم د.طارق الجراح المتزوج والمنجب لخمسة أولاد، حياته تسير بروتينها العادي. المشفى ممتلئ بالحكايا. الكل يبحث بشكل ما عن حب يفتقده، او جنس يشبع رغبة لا ترتوي، الرجال المتدينون يبحثون عن مخرجات دينية عبر شيوخ يفتون. تحصل زواجات المسيار. وهو زواج مؤقت شرعي غير موثق عند دوائر الدولة، ولا يشترط العيش المشترك في بيت الزوجية. وهو أقرب إلى عقد تجاري بين طرفين. له سوق ومروجين وزبائن و اثمان وعمولات. الرجال يبحثون عن علاقات خارج مؤسسة الزوجية بالمسيار او بدونه حسب درجة التديّن. الثراء الكبير الذي يعيش به الأطباء والطبيبات ورجال الأعمال. لا يجعل اي شيء عليهم صعب او مستحيل او بعيد المنال. الانتقال الى اوروبا وامريكا في أي وقت، المصاريف الكبيرة الممكنة. الظهور في بلاد الغربة بشكل متناقض مع ما يدّعى أنه يُعاش في السعودية. الكل لهم حياة أخرى يعيشونها. نساء ورجال عشق او زواج ثاني أو خيانة زوجية. الكل يبرر لنفسه. ويعتمد على أنه يعيش ما يعيشه بالخفاء. لكن واقع الحال ان الكل يعرف واقع الكل، وسيخسر الحب المعركة أخيرا وتضيع الاسرة، ويهيمن جنس عابر لن يعطي للحياة معنى لكنه سيروي عطش لا يرتوي ولو الى حين. سنتعرف على محاولة د. طارق أن يرتبط بالدكتورة سلوى، فهي مطلقة وهو متزوج ويستطيع أن يتزوجها زواج ثاني يحلله الشرع. ومن خلال هذه الحكاية وبالعودة الى حياته لعقدين للخلف وحب فاشل عاشه، وانه لا مبرر له ان يتزوج على زوجته الا احساسه بانجذاب قوي اسماه حبا الى د. سلوى. وهي تتهرب منه بداية ثم تقع في حبه نتيجة إصراره . وتنسحب أخيرا من جراء نصيحة صديقتها لكي لا تخرب بيت زوجته. والحقيقة أن صديقتها الدكتورة ايضا تخون زوجها مع رئيسها الطبيب الأمريكي. وزوجها السابق يشتري زواج مسيار مع امرأة آية من الجمال والكمال. ولكن يكتشف انها قد بدلت باحوالها عبر عمليات تجميل أعادت صياغة جسدها من جديد. اكتشف ان بضاعته مزيفة… وهكذا دائرة زيف واستباحة للحياة من قبل الكل. لا يوجد علاقة سوية، ولا حب حقيقي ولا اسرة متوافقة. الكل يخفي حياة سرية يشبع بها نزواته الجنسية.
تنتهي الرواية عندما تكتمل حلقة معرفة الكل لأحوال بعضهم. وادراكنا نحن أن الحياة المدعاة اجتماعيا عن العفة والتديّن والحفاظ على الأسرة والأخلاق… الخ. ليست إلا غطاء تقية اجتماعي يخفي تحته ضياع اجتماعي كامل. الرواية لا تستثني أحدا الكل معطوب وتقوده غرائزه العمياء.
في تحليلها نقول:
نعم إنها رواية صادمة وصادقة وقاسية في معاينة واقع محدد ضمن فئة اجتماعية معينة في السعودية. انها تعري حقيقة الادعاء الديني الذي تمسك به الكثير، إنه مجرد رداء تقية يخفي حقيقة ما يعيشوا من موبقات و مجون وانفلات. وان الدين يجب أن يكون اصلا داخل النفس، وحضوره في المسلك العام الاجتماعي منبعه النفس وليس العرف الاجتماعي والادعاء والتمظهر الكاذب. نعم ليكن للكل حق أن يكون ظاهرهم وباطنهم ذاته. وليكن الكل احرارا بما يعتقدوا ويمارسوا وان يواجهون أنفسهم قبل مجتمعهم. وإلا لكانت خيانة الذات والدين والله والمجتمع هي النتيجة النهائية لذلك.
كما علينا أن نتعمق في وعي الحاجة الانسانية للجنس وربطها بالحالة المجتمعية والدينية والاسرية بحيث نكون منسجمين مع أنفسنا. فإن كان هناك حب ليكن هناك زواج. والعكس بالعكس وان لا يضطر الكثيرين والكثيرات للانحراف او الضياع او التخفي لانهم لم يستطيعوا التحرر من ربقة المجتمع وأوامره ونواهيه التي لا تمت للدين أو القيم بأي صلة. كما ان الخطأ من أحد أركان الأسرة يؤدي لخطأ الطرف الآخر بالضرورة، فلا يوجد امرأة أو رجل يقبل أن يعيش حياته مغبونا. وما يشاع بالعلن عن العفة والطهارة والاخلاق مجرد غطاء اجتماعي للتعويض من الرجال والنساء عن سوء تعاملهم مع بعضهم، او اهمالهم لبعضهم، او شهوانيتهم، او ضياعهم الاخلاقي. وهكذا يكون الكل مسؤول عن الخراب الاجتماعي او بناء الحياة الإنسانية للنفس وللمجتمع كله.
كما يجب أن نحرر الجسد الإنساني من التسليع وان يصبح الجنس تجارة عند البعض وأن تبيع بعض النساء ذواتهم الانسانية في سوق الجنس مهما رخص أو غلى ثمنه. انه هدر إنساني كامل. يجب أن يكون هناك محاسبة قانونية على هذا التسليع للمرأة وهدر انسانيتها وكرامتها.
كل ذلك مطالب علينا ان نعمل لها وان ننتصر اخيرا للانسان داخلنا، للقيم، للحب، للاسرة، للرسالة في الحياة، وان نضع الجنس ضمن محتواه الانساني، وليس ان نكون ضحايا هواجس جنسية لا تنتهي ولا ترتوي.
اخيرا: الرواية رائدة في الكشف عن الذات الانسانية بعلاقتها مع اعقد مشكلة في الوجود الإنساني؛ الجنس وإشباعه. وانها لا تقترب من واقع الأسر التي يدمرها هذا الضياع الغريزي؟ !!. ولا ما مصير الأولاد الذين تركوا ليكونوا جيلا ضائعا؟ . تماما كما كان اباؤهم وامهاتهم.
ان مسؤولية الحياة ودور الإنسان فيها ورسالته، وأنه مسؤول عن صناعة حياة أفضل لذاته ولمجتمعه وللعالم. وأن هناك قهر وتخلف واستبداد و فقر و حاجة وفاقة ومآسي تحيط بنا كلنا، ما أدوارنا لبناء حياة إنسانية أساسها الكرامة والحرية والعدل والديمقراطية والحياة الأفضل…؟ .
للجميع في بلادنا ومجتمعاتنا.
احمد العربي.
١٥/٥/٢٠٢١م.