قراءة في رواية عودة الغائب. بقلم. محمد فتحي المقداد

لآفاق حرة

 

قراءة في رواية

“عودة الغائب” للروائي السعودي “د. منذر القبّاني

 

بقلم الروائيّ. محمد فتحي المقداد

للروائيّ “منذر القبانيّ” رواية “حكومة الظلّ” وهذه الرواية “عودة الغائب” ورواية “فرسان وكهنة“، ثلاثيّة روائيّة تسلسلت لاستكمال فكرة الموضوع الماسوني، وتفرّعاته مثل نوادي “الرّوتاري“، ونشوء نفوذه الواسع في منطقتنا مع أفول نجم “الدولة العثمانية“، والآثار المُنعكسة على الحياة العربية مع مجيء مرحلة “سايكس بيكو“، وتقسيم الدّول العربيّة فيما بين دول الحلفاء المُنتصرة في الحرب العالميَّة الأولى (بريطانيا وفرنسا)، وترسيخ واقع متلائم مع مصالحهم الاستعماريّة.

ركّزت رواية “عودة الغائب” على ثيمة الصّراع الذي لا يهدأ بين حكومة الظلّ وأعضاء جماعة العروة الوثقى.

ابتدأت الرّواية من عُقدة سرديّة الحدث الروائيِّ – أي من نهاية الحدث- والذي كان عبارة عن جريمة قتل، أو محاولة قتل في ظروف غامضة.

ثمّ كان الاشتغال على فكفكة وحلحلة العُقدة بفنيّة دالّة على قدرة الكاتب التتبعيّة لتطوّرات الحدث الروائيِّ، ومُزاوجة بين الماضي والحاضر، وتفتيت المادّة التاريخيّة المُستخدمة، وتذويبها داخل السرديَّة بمهارة ناجحة.

الزمن الروائيّ امتدّ على مساحة زمنيّة من (1909- 2009)، وبلا شكٍّ فإنّ ذلك مُنبئٌ بدلالة على نهاية الدّولة العثمانيّة، وهذا ليس اجتهادًا أو تخمينًا من خلال القراءة، بل إنّ النص الروائي موسوم بالزمن التاريخيّ المُتخَم بالإشكالات، وهو ما حدّده الكاتب بدقّة؛ ليُريح القارئ؛ وليُسلمّه مفتاح قراءة الرّواية بِيُسر وسهولة؛ وليبتعد به عن الضّياع في متاهات التأويل والتّخمين.

بيسر وسهولة كذلك باستطاعة القارئ معرفة تصنيف “عودة الغائب” بأنّها من صنف الأدب البوليسيّ، وفي تركيزها الواضح على تعزيز فكرة المُؤامرة الخارجيّة على بلادنا العربيّة.

نسيج الحدث الروائيِّ مُدهش بطريقة الضّبط والرّبط لتراتُباته، كون الحدث مُعقّد لعُبوره الزمانيّ الطّويل، وكثرة الانتقالات المكانيّة. لكن ما هو لافت للنظر، يستدعي التوقّف عنده: ألا هو الذي نستطيع به الإشارة للروائيِّ “منذر القبّاني“، بأنّه بقي ممسكًا بجميع الخيوط الجامعة للعمل الروائيّ المُتماسك بقوّة السّبك والسّرد.

 

شخصيّات رواية “عودة الغائب“، حيث ابتدأ الحدث بجيل (1909) كانوا رجالًا وشبابًا آنذاك، ثمّ عُبورًا لجيل الأحفاد بعد موت الآباء والأجداد، لِيَكتووا بآثار صُنع أجدادهم، بمعنى أنّ الرّواية هائلة عابرة لأزمان وأجيال ثلاثة، والتاريخ لا يرحم، ولا يشفع للجيل الجديد بأنه: كما قال الحقّ سبحانه في كتابه العزيز: (ولا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى/ سورة فاطر18)، كما هو الأمر في الشرائع الإلهيّة.

اللُّغة المُستخدَمة الفصيحة البيضاء البعيدة عن غريب الألفاظ والكلمات أو العاميّة، لوحظ أنّ هناك بعض الهوامش القليلة في أسفل بعض الصّفحات لتفسير شيء مُعيّن. وتتراوح حركة الأصوات داخل العمل الروائيّ بين السّرد الموجب تمهيدًا للحوار، وجاءت على شكل فصول تحمل بعضها دلالات بعناوين مُعيّنة أو أرقامًا.

لوحظ أنّ النّسخة الورقيّة التي بين يديّ كانت بطبعتها السّادسة، وهذا دليل الطّلب والإقبال على مثل هذه الأعمال المُشوّقة بحكايتها، وخبرة الكاتب العريقة بإدارة الفكرة واستثمارها باقتصاد حين اللُّزوم، والإسهاب في حين آخر، وهي أقرب أيضًا لروح السّيناريو، الأمر الذي يُؤهّلها لصناعة عمل مسلسل تلفزيوني، أو فيلم سينمائي.

عمّان. الأردن

ــــا 21/ 5/ 2023

 

 

About محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!