قراءة في “عنقاء الروح “خرافات تسكن امرأة مجنونة” لجميلة أبو غليون

بقلم:موسى أبو رياش

تحكي “عنقاء” الروح طرفاً من حياة فتاة عراقية ربطتها ظروف الحرب الميدانية بشهم، وتحولت العلاقة بينهما إلى حب ثم زواج، وما لبث أن فُقد شهم إثر تفجير، ولم تستطع عنقاء أن تعرف هل قتل أم لا، ولكن بقي الأمل موجوداً. وكانت عنقاء حاملاً، وعانت كثيراً جراء ذلك، ووضعت حملها بعملية قيصرية صعبة، تبعها تسمم وغيبوبة امتدت طويلاً. واضطرت عنقاء وطفلها فجر ووالدة شهم الحجية ساجدة إلى الإقامة في كوخ بعيد منعزل. وداهمت الكوخ قوة أمريكية مرتين للبحث عن شهم بتهمة الإرهاب، واستطاع شهم أن يعود إلى أسرته، والخروج بها بصعوبة من بغداد إلى الرطبة والحدود الأردنية بمساعدة عوض النشمي الأردني الذي يقود شاحنة، على الرغم من القصف والتفتيش وانعدام الأمن والأمان.

يمكن تجنيس نص “عنقاء الروح.. خرافات تسكن امرأة مجنونة” أنه قصة أو رواية قصيرة (نوفيلا)، فثمة أحداث متجددة متغيرة وشخوص وزمان ومكان، وهناك عدة عقد، تستدعي الترقب من قبل القارئ. أما أنها “نثر” فهذا تجنيس فضفاض، بل لا يعد تجنيساً من الأساس. و”عنقاء الروح” عنوان له دلالة عميقة، بأن العنقاء/العراق ستخرج من رمادها وتعود إلى المقاومة والكفاح من جديد مرات ومرات، فالمحتل مؤقت مهما طال، والعراق باق إلى الأبد. ويسجل للكاتبة في هذا النص قدرتها الكبيرة على رصد المشاعر والآلام والخيبات والمخاوف والأحلام ووصفها بلغة شاعرية، طوال صفحات القصة، وهذا يتطلب جهداً كبيراً، ومعجماً لغوياً ثرياً، وقدرة تعبيرية جيدة، ولكن في المقابل فإن هذا قد يوقع الكاتب في التكرار؛ فالكاتب مهما حاول لا بد أن يتورط في التكرار والإعادة، كما أنه قد يوقع القارئ في الملل، كون النص جاء على وتيرة واحدة في معظم صفحات القصة، ولا يخفى أن اللغة الشاعرية لها وعليها في القصة والرواية، ويعتمد على قدرة الكاتب على توظيفها بسلاسة وعفوية.

ويتبع ذلك الوقوع في التنظير غير المستساغ؛ كونه تدخل مباشر من الكاتب، ويدخل في توجيه القارئ، كما أنه خروج عن الجو النفسي الذي تعانيه بطلة القصة، ومن ذلك: “فكيف لك أن تتخلص من أفكارك المخيفة بينما الواقع أقل رعبا في الحقيقة؟”(34). “لا شيء يستدعيك أن تعيش خرابات الرُّوح بعد الحروب، كل شيء ينجو منها قابل للإصلاح إلا البشر، كل شيء يدمره الإنسان يستطيع إصلاحه إلا عندما يدمر شخصاً أو حتى يدمر جزءاً منه يسلبه جزء من جسده، فكيف لطرف صناعي أن يحل مكان الطبيعي؟”(119)

وقد كان  جميلاً في النص هذه المقاربة بين الخاص والعام؛ بين عنقاء والعراق، بين العراق وفلسطين، بين آلام عنقاء وأوجاع الأمة العربية، وغيرها. وجاءت نهاية القصة مفتوحة، وهذا يتناسب مع الجرج الذي ما زال مفتوحاً على اتساعه في العراق، كما أنها تشير إلى تعدد الخيارات أمام عنقاء وشهم بين الهجرة أو البقاء والمقاومة في العراق أو حتى الركون والصمت بين الأنقاض.

تصدر الرواية إهداء وفاء للعراق، وتقديم، ولا مشكلة في الإهداء، فهذا طقس يرافق معظم الكتب على اختلاف أجناسها وأنواعها وموضوعاتها، ولكن ثمة خلاف حول التقديم لأي عمل إبداعي؛ بين القبول والرفض، ويرى البعض أن التقديم نوع من توجيه القارئ، والوصاية عليه، وأن النص الإبداعي يقدم نفسه بنفسه دون وساطات، ولن يرفع أي تقديم من سوية النص أو قيمته الإبداعية، ناهيك أن كثيراً من القراء يقفزون عن التقديم، ويعتبرونه حجاباً بينهم وبين النص.

يلاحظ القارئ وجود بعض التناقضات في حكاية عنقاء وشهم، التي تستدعي التساؤل، هل هي تناقضات غير مقصودة، أم أنها مقصودة بداعي الخرافة والجنون؟ وعلى افتراض أنها مقصودة، فإن الإتكاء على الخرافة أو الجنون لا يبرر وجود تناقض أو خلل في سير الأحداث ومنطقيتها وترابطها، وإلا كانت مبرراً ليكتب الكاتب ما شاء كيف شاء دون ترابط أو انسجام.

عانى النص من كثير من الصور والتشبيهات والتعابير غير الدقيقة، التي كان يمكن تلافيها بمراجعة النص وتحريره أدبياً، ومن أمثلة ذلك: تشبيه الحمل بالاستعمار والجنين بالمستعمر والولادة بالتحرير، وهذا تشبيه لا يتوافق والمشاعر الجميلة والعواطف الدافئة التي تلازم المرأة طوال فترة الحمل رغم الآلام والتعب والجهد. وكذلك تشبيه إشراقة الفرح بشروق القنبلة النووية على هيرؤوشيما “لكن إشراقة الفرح في قلبها أكبر من شروق القنبلة النووية عندما ألقيت على هيروشيما، وأضاءت كل الساحات”(39). كما أن النص بشكل عام بحاجة إلى إعادة صياغة محكمة؛ ليكون أكثر تماسكاً وقوة.

وبعد؛؛؛ إن كل جهد كتابي يستحق التقدير، والكتابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، والنشر حق لمن يشاء، ولكنه يحتاج إلى شجاعة وتحمل المسؤولية واتساع الصدر، وسماع ما لا يسر في كثير من الأحيان حتى لو كان العمل قمة في الإبداع والتميز. والجدير بالذكر أن “عنقاء الروح”، الصادر هذا العام عن دار خطوط وظلال، في 125 صفحة،  هو العمل الثاني للكاتبة جميلة أبو غليون بعد كتابها “برد النسيان”، وهو مجموعة نصوص في 116 صفحة، صدر أيضاً عن دار خطوط وظلال عام 2021.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!