آفاق حرة
كتب :هاشم خليل عبدالغني
شاعرة وفنانة تشكيليّة تونسية, بالتحديد من قرية أمازيغية بالجــنوب”تمزرت” تقيم بالعاصمة ,,, منذ صغرهاتعشق الرسم والكتـــابة,تــحدتالعثرات و كـل الصعوبات التي أعاقت مسيرتها الإبـــداعية, فــكان الشــعر والــرسم بالنسبة لهــا مــرآة تعكس ما بداخلها وحاجة ماسة للتعبير عمّا يخالجها من أحاسيس.
فــكان الشعر والرسم، لــيس فقط مجـرد هواية، بل الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ذاتها كإنسانة .
إنها “سليمى السرايري” الشاعرة والفنانة المسكونة بالـحرف واللون ،الفن بالنسبة لها مخاض جميل لقصيدة تُرسمــها بريشتها الشعر نافذة..مدى… رقص ..أغنية…. ومشاعر تصقلها سليمى بدقّة وفرح و أيضا ألم ..الفن بعمومه يفتح أبوابا للحرية…للتعبير عما يختلج في نفسية الشاعرة من مشاعر… من جنون …من حب ….من ثورة.
من اجمل القصائد الي قرأتها عن المرأة قصيدة ( الفراشة ) للشاعرة الفنانة سليمى السرايري ،فالشاعرة عاشت واقع المرأة الفراشة ،وجسدته بحرفية بطريقة حقيقة وواقعية ،فالمرأة كائن جميل له رمزية الحب والوطن والأرض، لماذا ينظر الكثير من الناس للمرأة الفراشة على انها شكل جميل جذاب فقط ؟ لماذا لا يركزون على افكارها وقدراتها وابداعاتها في مناحي الحياة .
تبدأ الشاعرة قصيدتها بذكرعدد من السمات المميزة للمرأة الفراشة،فهــي تجـمع لجانب جمال المظهر جمالالمخبرفــهي المرأة التي خلقت ، مــن انبثاق الجمـال وتدفــق الجاذبيةفــي ابهــى صورة وأجــمل تكوين،هــذه الصــورة التي جمعت علامات الرقة والنعومة والانوثة، الممزوجة بالأدب والأخــلاق وهي نعمة من نعم الله التي فطــرالمــرأة عليها، كما إنها تتمتع بجمال جسدها الجذاب المتناســق،بمنحنياته الأنثوية الفـــاتنــة إنــها امرأة تمتلك العديد مــن المشاعر السامية الرقيقة الهادئة إنها امرأة حالمة رومانسية ، استمدتها من وسط عاشق للحياة معطاء .
من انبثاقٍ ما، جاءت
لونا يلملم شعاعه من مياسم الورد
تفاصيلها الصغيرة قُدّتْ من بحيرات الشفق
ظلالها خفقة أجنحة
وشوشة غيمة لغيم عاشقٍ
رذاذ يسيل نبيذا عتيقا
على شفاه الأشجار والمساءات الخالية
بعد أن تحدثت السرايري عن التوازن بين الاهتمام بالمظهر والجوهر وبينت أن ” جميل المظهر يملك جواز سفر دبــلوماسي يمكنه من الدخول في حضرة جمال المخبر “، في مطلع قصيدتها تنتــقل للــحديث عــن عــطاء المرأة الفراشة المتواصل ، فالمرأة عطــاء متواصل بلا حــدود ،لها بصمات واضحة في كافة ميادين العمل والعطاء والانجاز.
ونستشف من المقطع التالي ،أن المرأة الفراشة مفتوحة الــذراعين للعــمل الاجتماعي والتطوعي بمختلف الوانه واشكالـه كالعنايـــة بكبار السن واطفــال الشــوارع والأرامل والايتام كذلك تــقوم بــدول فاعـــل وكبير فــي توعية المرأة بحقوقها وواجباتها خاصة المرأة الريفية ،إلى جانب دوها الفاعل في التوعية الصحية بـــالتزامن مع دورها الاقتصادي والسياسي وتسلمها مناصب عليا فـــي المجتمع ،فالــمرأة الـفراشة بوعيها وسعة صدرها تفتح في جـــدار التكـلس المجتمعي نافذة ، لينفذ منها ضوء الوعي ويتجدد مـــن خـــلالها هواء التغير كي يهتدي الضائعين التائهين ” الذين تـــلاشت وضاعــت اصواتهم خلف بوابات الاهمال “، وعن تبصر للــطريق الصحــيح ، خــاصة حيــن تـهز بنيان المجتمع المشاكل والمعيقات ،وتقدم حلول لا قيمة لها تخلو من المحتوى المنشود .
فراشة مفتوحة الجناحين
تعلن للمكفوفين عن نوافذ الشمس
كي يهتدي الضائعُ إليها
حين تضرب العواصف جميع الأمكنة
ويهرول الفراغ إلى تجاعيد السحب
تؤكد الشاعرة أن المرأة الفراشة ،امرأه مثالية قادرة على اجــتراح الحلول المناسبة ، للقضايا الـعالقة المسكوت عنها قصداً فهي الاقدر على دعم الجهود من اجل مستقبل مستدام ، مـــن اجل بيئة نظــيفة خالية من كربون الاحباط والوهن ، لذا فهي حريصة عــلى المبالغة في تزين التخلف والتردي بنور العلم والحق والامل لـــذا ترى الشاعـــرة ان المرأة الــفراشة لأن يتكرر عطاؤها، كما القمر لا يمكن أن ننعم بنوره كل يوم ، وكمـا الشمس لا يمكن أن تتعدى أو تتجاوز سحب الصباح .
وحدها المرأة الفراشة القادرة على اعادة الاعتبار للمرأة التائه في مسارب الحياة المظلمة ،الذاهلة عما يحيط بها ،كي تتجه الاتجاه الصحيح ، كي تبقى في حالة من اليقظة والحذر ، وعدم الوقوع في المحذور .
على ضفاف الصمت المقتول عمدا
تعيد شرنقة اللون
وتجمّل العتمات بالضوء
فالقمر لا يضمن لنا النور كلّ يوم
ولا الشموس ستتجاوز السحب كلّ صباح
وحدها الفراشة تعيد خجل الاتجاهات
وتخلق لشرود الغزلان مملكة خضراء
كي لا تموت عند يباس النهر
وغياب المطر..
تؤكد الشاعرة أن المرأة الفراشة غير أنانية لا تبحث عن الاهتــمام كمــا تتميز بانها تفكر قبل أن تتصرف ، وهذا دليل على العقلانية ، وهــي امرأة جديرة بالثقة .
كما تؤكد ” سليمى السرايري ” على أن المرأة الفراشة امرأة معطـــاءة ومضحية وحاضرة دائماً لتقديم التضحيات ، وتعطي من دون حساب ، نرى اثر ذلك في الوسط البيئي على الشجر والحجر ووجوه الناس خاصة كلما استمرت في العمل والعطاء والمتابعة .
لم تنتبه يوما لألوان أجنحتها
لم ترها وهي تنعكس على المحيط
على جدران البيوت
على كفوف الياسمين
وعلى الوجوه المحدّقة بها
كلّما تفاقم نورُها وفاضتْ مصابيحها
وتتابع الشاعرة السرايري الحديث عن المرأة الفراشة ،فتشير إلى انها لاتقف متفرجة ولا تراقب الأحداث، بل هي من يعيشها ويسهم في صنعها ،هي الأن تفهم غايتها وتدرك هدفها ، وما تتطلبه حاجة المجتمع بمختلف أطيافه ،كما أنها ترافق وتصاحب وتــدعم الأفكار البناءة حتى لو تخلى عنها وهجرها تجار الشعارات ولفتها الخيانة والغدر .
هي الآن، تدرك كيف تزيّن ما يحتاج النهار
وما تبتغيه الفصول…
وكيف ترافق أشجار اللوز حين يهجرها التفاح
وتلفّها الخيانات …
وتتابع ” سليمى السرايري ” حديثها عن الصفات الجوهرية المميزة للمرأة الفراشة ، من خلال افصاحها عن رأيها دون خوف ولا وجل ، و احساسها بنفسها ، وحفاظها عــلى تكاملية سلوكــها وأفكارها في مختلف المواقف ، ومــن خلال صوت التوجع والتأوه ألماً بدون مواعيد ،وخـــاصة حين تتعــــامل مـع الوســط المــحيط بعـــطف ورحمة ، فيستولي عليــه هـدوء مرعب مخيف ، فيترتب عــلى ذلك اتساع حــفرة الكوة بعيدة القعر بين اللون لون الفراشة ” المرأة الصبورة العفوية الصبورة والذكية القوية ” التي تمــثل الــــوعي والفــكر الـحر النير وبين الفكر الرجعي المتخلف ،الذي يعارض التغير والتقدم ويعارض الإصلاحات الجديدة .
ستفصح للفضاءات الرحيبة
عن هويتها
عن صوتها
عن تشكيلة ألوانها
وعن أنين الساعات الطويلة بلا مواعيدٍ
حين تغفو على مشارف الحدائق
وتحط أجنحتها بصمت على زهرة حانية
ينتاب هذا الكونَ سكونٌ رهيبٌ
فتتّسع الهوّة بين اللون والعتمة
في المقطع الأخير من القصيدة تلخص الشاعرة السمات المميزة للمرأة الفراشة ،وتسلط الضوء عليها بنبرة حادة إلى حد ما، إنهـا كمــا تشير الشاعرة ، أجمــل وأرق ما خلفته الطبيعة وراءها مــن جمــال ونقاء وبساطــة وهدوء ، الذي انعكس بدوره على توازنها النفسي والجسدي بتنــاغم وتفاعــل مع ايقاع الحياة …إنها حيكت بخيوط الرقة الحريرية في نعومتها وتماسكها ، خلقاً وسلوكاً … كـــما أنها ليست مدعية ، فلا تخلع على نفسها صفات ليست فيها فـــلا تتزيا بزي أهـل الزهد والعلم او الثراء لتوهم الناس, ليغتروا بها ويعاملوها على خلاف الحقيقة .
وتضيف السرايري أن مكارم الأخلاق هي المنظم الاساسي لخط سير هـــذه المرأة الحياتي ، فــي زمـن بدأت الأخلاقيات والقيم في التلاشي والتراجع في الأدراج الخلفية المعتمة من الذاكرة .
هي ما خلّفته الطبيعة من سحر
وما نسجته أصابع العذوبة
لا تنتحل أسماً غير مشابه لها
ولا ترتدي قميصا أضيق من حقيبة سفر
كل دروبها رحلات رحيبة
كل حريرها انزلاق المرايا على جبين الوقت.
وفي ختام القصيدة اشارات الشاعرة للمرأة الفراشة ، ووصفتها بــأوصاف عـــدة ، نجـــملها فيــما يلي : إنها رمز وعــلامة للرقة والحــــنان والنعـــومة ، تزدان بالحنــكة وسرعة البديهـة والصبر والوفـــاء مـــا أنهـــا أي المــرأة الـــفراشة مـــن طبيعتها كتما ن السر وحفظه على المدى البعيد ، كما أنها عنوان للرحمة وحسن الخلق .
وتنهي الشاعرة نصها بقولها ، حين لا يبقى شيء على حاله للابد ، يبقى لون وافعال المرأة الفراشة ، المرأة القوية المستقلة المنزهة من كل عيب ونقص ،فأفعالها لا مثيل ولا نظير لها …هذه هي المرأة الفراشة .
هي الفراشة ،،
أيقونة الرقّة والنور الإلهي
حاضنة أسرار الكون وشرنقات الضوء
حين لا شيء يبقى
سوى لونها القدسي في مشهد فريد
هناك عند فانوس وحيدٍ
كان ينتظرها في اشتهاء.
–
السرايري في نصها متفردة بلعتها الشعرية ، لها صوتها الخاص الذي يمكننا تميزه بسهولة، من بين كوكبة مــن الشعراء التونسيين . كما يشكل اللون في قصيدة سليمى عنصر ابهار لعين القارئ فـــقد نجحت فـــي مزج الكثافة اللـونية وخــلطتها بلغتها الشعــرية الخاصة ، فجـــعلت الــقارئ يعـــيش فضــاءات المشاعر الإنسانية الحالمـــة ، كـــما أنها امتلــكت عنــان اللغة بكل ثقة ، فلا يستطيع الإنسان مقاومة جمال لغتها ومنطقها السليم .
(سليمى فراشة ولكن دون اجنحة ،فراشة ملونة جميلة ،تحلق في كل مكان لتضفي على الأجواء البهجة والسعادة بإطلالتها الساحرة ولمساتها الجميلة ، فراشة تحلق وتحلم ، تحب أن تعلو وتسمو تحب الاهتمام بقدر ما تحب التقدير والاحترام).