النص
****
نظرت لي امي
وضفعتني اذ
قالت
واحسرتاه
فقد ولدت وهما
وكأنك لم تأت
بعد
نهرها ابي وقال:
صدق صاحب العمة
بنبوءته اذ قال
يولد غريبا
يحيا حزينا
يموت وحيدا
ويبقى
نبيا لم يتبعه احد
لغةٌ شعرية حروفها معجونة بالأسى و الألم ، محفوفة بهالة القداسة المتصلة بالحياة و سر الوجود .
إنه سحر الكلمات جاء في شكل ومضات تأخدنا إلى عالم الشاعر الخيالي فنعيشه معه كما لو أنه حقيقة فعلية ، و كأننا نتخيل الأم بعد ألم المخاض و الإنجاب تصاب بالدهشة و هي تنظر لوليدها “الوهم” كما راق للشاعر تسميته و للأب الذي ينهرها و يصدق نبوءة صاحب العمة …
القصيدة وتر يعزف عليه الألم بإيقاع حزين و شاعر في غفوة الروح التي تكاد تنصهر مع إيقاعات العزف لتفيق على وقع الصفعة ( نظرت إلي أمي و صفعتني ) بعدها يُدرك الشاعر أنه موجود و ليس شخصية مُغيَّبة تكاد لا تظهر حتى لنفسها …
القصيدة مجموعة زفرات تنسج داخل القلب هالة غم ثقيلة طال أمدها و اتسعت رقعتها في حقول الإحباط ، جعلت شاعرنا مثقلاً باليأس حزينا وحيدا و غريبا …
جاء بناء القصيدة محكما سواء على مستوى التخييل ، أو تشكيل و بناء الصورة الفنية ، و توضيح الرؤية لتكون في متناول أي قارىء ،لقد استطاع الشاعر استخدام اللغة و تطويعها لخدمة غرضه الشعري ، فرغم كون القصيدة اتكأت على الأسلوب الرمزي، الذي يدعونا لولوج فضاءها التخييلي و الوجداني و دلالتها الرمزية الموحية لفهمها ،إلا أن لغتها سهلة ، متداولة و مصحوبة بالشحنة العاطفية و الوجدانية و الوهج الشعوري الذي أدى إلى تألقها ( القصيدة )، وَ بَثَّ فيها الحرارة و العاطفة الصادقة باعتبارها عنصراً أساسياً في بناء أية قصيدة ناجحة …
و هذه القصيدة تعبير صادق عن موقف الشاعر من الوجود و الحياة ، تُعبِّر عن حضوره و غيابه، بؤسه و قهره ، تعبر عن رؤى الشاعر حول الوجود (وجوده هو ) ، عن كينونته و تنبؤاته التي لم يعرها أحد أي اهتمام ، فيقول :
يولد غريبا
يحيا حزينا
يموت وحيدا
و يبقى
نبيا لم يتبعه احد
إنها رؤى عميقة و مشاعر مضطربة تجعل من الشاعر لا يحس بالغربة فقط بل بالضياع و الوحدة ، مما يجعله يشعر و كأنه خُلِق بزمان ليس زمانه ، زمان لا يفهمه فيه أحد ..
و ختاماً ، أرجو أن أكون قد وفقتُ في قراءة هذه القصيدة البديعة المتميزة موضوعيا و فكريا و جماليا و فنيا .. و أكون قد أسهمتُ في إلقاء الضوء على هذه التجربة الشعرية لواحدٍ من الشعراء الذي أعتبره شخصيا من المتميزين .