بقلم : الناقد احمد وليد الروح / المغرب
هلوسة
******* لـــ : محمد صوالحة
عن عيني انزع
ثوب الليل
لعلي
استنشق
عطر الفجر
لعلي
اغني
لعيون الزهر
لعلي
اجتاز حدود
الوجع
يعلو انين الروح
و يصفعني
هذا البرد
اتكور…
و لقلب العتمة ارتد
هذه الـ “عن ” تحيّر الشاعر ، تتضاربُ داخله تسكنه ،تجعله منفياً لا محل له في هذا الوجود كما جاءت هي لا محل لها من الإعراب ، بُنيت على السكون لتجعله ساكنا ، لا حراك ، متلعثم الخطوات لا ينوي على شيء ، لا يرغب بشيء و لا يريد شيئا سوى زاوية ينطوي فيها وحيدا و يبتعد عنهم ، عن العالم ، هناك وحده يستطيع الخروج من الظلام من الغموض الذي يلفُّه ، يستطيع رؤيةنفسه بوضوح ، فمعهم يعيش التشوش ، لا يمكنه رؤية شيء كل شيء غارق بالظلام …
هكذا يبدأ الشاعر كلماته محاولا نزع الظلام عن عينيه مُلبسا الليل ثوبه الدائم و الأبدي ” الأسود ” …
لعلي
استنشق
عطر الفجر
لعلي
اغني
لعيون الزهر
لعلي
اجتاز حدود
الوجع
دائما يستمر الشاعر في إثبات وجوده بعيدا عن الكون بإستعمال ” لعل ” فهي أيضا لا محل لها من الإعراب لكنها هنا تفيد الترجي ، هنا يخبرنا الشاعر بما يرجو و يتمنى فيتحول فعل الكتابة عنده من فاعل إلى مفعول به ، فبعدما كان الشاعر هو الفاعل و هو من يكتب أصبحت الكتابة تكتبه و تحول إلى المفعول به ، يكغي أن يفكر الشاعر في الكتابة ليجد نفسه يكتب دون أن يعرف إلى أين سيوصله القلم و لا ماذا سيكتب ، فتتحول الكلمات من شيء عادي إلى فعل روحي ، و كأن الحروف تكتب الشاعر و هو يتهجأها و لا يستطيع السيطرة عليها ، تخرج منه تتابعا و دون توقف ، تعريه من نفسه و تُظهره على حقيقته حين تصبح الكتابة فعلا ذاتيا حيث لا يشعر صاحبنا ” محمد صوالحة ” بروحه إلا من خلال وجوده في عالم الشعر ، العالم المطلق الذي لا تقيده قيود و لا تحده حدود ، هنا ينطلق كما يحلو له ،يخرج من ذاته معلنا التمرد عنها و عن واقعه معا ، فهو لا يطلب الإنزواء إلا ليتبخر داخل عالمه المفضل ، عالم الكتابة الذي يحقق فيه ذاته و يرى فيه نفسه بوضوح …
فهو لا يمكن أن يرى الواقع إلا من خلال رؤيته لنفسه و للآخر و لا تتأتى هذه الرؤيا إلا بالإبتعاد عن العالم و عن الناس فهم يخلقون له نوعا من التشويش ، و هو يحاول فهم نفسه من خلال رؤية جدلية يتوسط فيها وعي النص بين الشاعر و الواقع . و عندما نعود للغة النص نجد فيها ألما مقرونا بلذة القراءة ، فكل حرف له رنين أو صوت مؤلم و رغم ذلك نحس بالمتعة و نحن نقرأ و هذه هي اللذة التي يصبغها الشاعر على نصه قبل أن يلقيها بوجه قارئه ، كما أنه يعترضنا و نحن نقرأ النص إنفتاح وجودي نستنتجه من خلال وعي الشاعر بوجوده من خلال الوجع ، فهو لا يدرك أنه موجود إلا عندما يكتب ، و لا يكتب إلا عندما يحس بالوجع…
فالوجع المُعلن في كتابات محمد صوالحة هو مايُعلن وجوده الحقيقي في رقعة ” القصيدة ” و وجوده أيضا في عالمه الإفتراضي ” الواقع” و مادام يرفض هذا الواقع فهو يرفض الإعلان عنه .
فنراه يحاول نزع الغشاوة عن عينيه و رؤيةالنور الذي يملأ روحه فالعالم بالنسبة له كله ظلام كيف لا و الواقع الذي يعيشه كله فساد و دمار و ظلم … فهو يكابد المحن ليتخطى الوجع و الألم ، يحاول الإبتعاد عن كل شيء و يعيش داخل عالمه الخيالي ، محاولا استقراء ذاته ليصل للآخر ” الكون بكل ما يمثله ” فهو لا يمكنه إقامة علاقة حقيقية بينه و بين الآخر إلا من خلال ذاته و معرفتهاالمعرفة الصحيحة مشركا إياها في إقامة علاقة بينه و بين الآخر ليصبح الآخر مرآته التي يرى فيها نفسه و يطل بها علينا …
لكن هذه الرؤية لا تدوم طويلا إذ يدرك الشاعر أنه مازال موجودا بعالمه القهري عالم الواقع المحدود ، فيتكور و ينكمش و يعود من جديد لنقطة البداية .
هذا باختصار هو شاعرنا محمد صوالحة …
احمد وليد الروح / المغرب
رد الشاعرة صباح تفالي / الكويت
كنت دائما أرى إبداع الشاعر محمد صوالحة المميز من بين السطور وهاماتها.. تترنم أنفاسه أنغام قلمه وحرفه.. وهذا ما لاحظته من خلال أول قصيدة قرأتها له بمحض الصدفة.. فلأشعاره أبعاد وطنية وعاطفية روحية تشدك وتثير إحساسك..
نعم.. محمد صوالحة “متلعثم الخطوات.. متردد” كما قال الناقذ أحمد وليد.. لكنه ليس ساكنا.. لأن روح الإقدام والرغبة في تحقيق أهدافه وأحلامه متواجدة.. اللهم إلا في بعض اللحظات التي ينتابه فيها شعور اليأس بسبب بعض التشوشات أو الحقائق القاهرة والمفروضة عليه.. فيظل حيث هو.. ربما لإعادة النظر فيما يفكر به.. أو على أمل تغيير وضع ما يمكن أن يغير مسار تفكيره أو حياته ككل للأفضل.. وبالتالي تستقر روحه ويطمئن قلبه.. فلغظة “عن” قد تجر إلى المهالك لأنها في الأصل حرف جر.. قد تجر حرفه لتضعه في دائرة التمني.. وليس الترجي.. تمني أشياء لا تتحقق إلا بخوض المهالك أو التراجع والتكور قصد إعادة النظر أو انتظار تحقيق العدالة والسعادة بتفكير مختلف أو بتخطيط ما.. أما المناجاة فلا يمكن أبدا أن نعتبرها إلا شحنة من المعاناة تصحبها أمنيات الشاعر.. لأنها تظل سرا بصدره.. وتظل عبارة عن تمني متشبث بالأمل..
فهو يرغب ويريد ويتمنى.. وانزواؤه ليس إلا نتيجة مستعصية بعد عجز رؤيا تظهر عن شكل مستحيل.. ومادام أنه وحده -كما قال الناقذ أحمد وليد- “يسطيع الخروج من الظلام والغموض الذي يلفه” لماذا نقول: “لا يرغب بشيء” رغم أن هذه الرغبة المتأججة في أعماقه.. والتي نراها عجزا هي سبب همه.. وهي رغبة جامحة تعتليه ليتحقق الأمن والسلام والوصول إلى الحبيبة سواء كانت امرأة أو بلدا أو أمنية خاصة..
ولفظة “لعلي” التي وردت في النص.. هي تفيد التمني واﻹستبشار والتفاؤل.. كذلك هنا ألاحظ أنه بعيد عن الترجي.. لكنه يحلم بكرامة وعزة نفس.. وأنا أوافق الناقذ أحمد وليد الروح حين قال: “فتتحول الكلمات من شيء عادي إلى فعل روحي”
حين تروج بذهن الكاتب فكرة معينة، يلجأ إلى الكتابة للتعبير عنها بصدق عن طريق القلم، لكن أحيانا نجد أفكاره تتطور وكتاباته تتعمق وتبرز بعض خفاياه الفكرية والروحية والنفسية خصوصا إذا سيطرت أحاسيسه وعواطفه على حرفه من غير سابق تخطيط أو تفكير.. فيعبر بصدق حسب الحالة الحقيقية التي أوجد نفسه فيها حين لحظة صدق مع الكلمة وخلجات انصهرت لتظهر مصقولة للقارئ.. وأوافق الناقذ حين وصف الشاعر محمد صوالحة بالتمرد.. وقد لمست بل أدركت ذلك بشكل واضح من خلال نصوصه السابقة رغم أن له نزعة دينية نلمسها من خلال كتاباته الوطنية والأخلاقية وبعض الردود المتحفظة.. وبديهي أن يبدع الشاعر وقت الحزن والألم.. لأن الحالة النفسية دائما تصور الأحداث بدقة بالغة وصدق عميق ووصف يصل إلى الإبداع الروحي..
ولفظ “لعلي” له وقع فعلي في نفس الشاعر.. فهو ينصب أمامه وأمامنا كل أمنياته ورغباته.. ويرفع من معنوياته حين لحظة يأس وعجز مفاجئ..
وقد أصاب الناقذ معنى حين قال: “إن الشاعر لا يستطيع السيطرة على الحروف، تخرج منه تتابعا دون توقف.. إلخ”.. فهنا تتجلى مصداقية الشاعر حين يتحرر من قيود التحفظ والحذر.. القيود الدينية والاجتماعية.. فيصبح التمرد شعاره.. سواء بالغزل أو الهجاء أو غيرهما.. لكن في حدود الصور الشعرية المسموح بها..
وأرى أن من له القدرة على المجادلة لا ينزوي ويتكور خوفا من حدث ما.. وإنما ليفكر مليا وليعيد النظر بشكل إيجابي دقيق وذكي..
ولو لم يكن لحرف محمد صوالحة رنين ووقع نافذ.. ما أثر في نفسية قرائه.. فالقارئ دائما يحس بمتعة في قراءة نصوصه.. متعة تنتاب أحاسيسه ونبض أفكاره.. وهذا ما أشار إليه الناقذ أحمد وليد حين قال: “ونحن نقرأ النص يعترضنا انفتاح وجودي نستنتجه من خلال وعي الشاعر”..
وهذا المد والجزر هو الذي يميز شاعرنا محمد صوالحة عن غيره حين تنتابه ثورة التفكير والتعبير عن المجهول.. فقط لإعادة النظر قصد التأمل أوالوصول إلى فكرة أو حل يخرجه من دائرة الحزن والألم كما أشرنا في البداية..