-هاشم خليل عبدالغني
الشاعرة الجزائرية ” دنيا زاد بو راس ” قصائدها تحمل طـابعا إنسانـيا وطـنيا وقوميا ، شاعـرة تجري فــي عروقها النخوة العــربية ، فـفـجرت فيها مكــامن الإبــداع ، فــأخـرجت مـن كـنانـة قــاموسها ، كمــا يقال … افضــل الكلمات لترسـم بها لوحة جميلة تعــبر بــهــا عــن صــمود أهــل القـــدس ومــقاومة أهلها للاحتلال الصهيوني، فـليس غـريباً أن يتفاعـــل الشعــراء الجـزائريون مــع مقـــاومة أهـــل القــدس فالقضــية الفلسطينية حـاضرة في الشعــر الجزائري ، مــنذ عـشرينيات القـــرن المــاضي ،متــابعـة وتــأييــد وحــتى الأحــداث الأخــيرة ، فعــــبروا عــن القـضـية الفلسطيـنيــة بــحـرارة وصــدق عاطـــفة ،عاطــفة شعــراء عــانوا مــن بــطش الاستعمار الفرنسي كمـــا عانى الفلسطينيون من جبروت الاحتلال الصهيوني .
الشاعرة الجزائرية ” دنيا زاد بوراس” تتحدثفي قصيدتها (يا قدس يا سبية)عـــن قــضيــة الــقــدس واغتصــابها مــن قــبل الصهايـــنة انطــلاقــــا مـــن نـظـــرة دينيــة وقــوميــة إنــسانيــة بــدلالـــة ثــوريـــة خـــالصـــة ومضمون عــميق، وفق مقتضيات وتطورات القضية الـفلسطينية .
في مطلع قصيدتها تشير الشاعرة الى ان القدس اسيرة ومحتلة مـــن قبـــل الصهـــاينة، وترتب عــلى هذا الاحتلال ، انتهاك حرمة المسجـــد الاقصى المبــارك ، واقتحــامه من قبل المتطرفين اليهود وممارسة التميز العنصري ضد المـقدسين ، بالمقابل تشدد سلطات الاحتلال اجراءات الاغلاق ،وتفرض قيودا عـلى المقدسين لدخــول المسجد الاقصى .
ترتب على وقوع القدس، سبية (اسيرة في يد اليهود ) ، احساس الشاعرة بالألم والصدمة وتحـطم وفتور في الــقلب، عندما انقــلب اعتـــداده بقــوته وخيلاءه إلى انـكسار وخذلان ، كما أنها لم تعرف النوم والراحـــة ، لأن ضميرها يقظ وثائر ،استطار وانتفض غضباً رفضا لاحتلال ارض عربية مقدسة ، اولى القبلتين وثالث الحرمين التي تلطــخ بنجــاسة اليهود وقــذارتهم، ( احـتلها الصهاينة بالقوة اخذوها قهرا وظلما دون وجه حق ) .
كما تقول الشاعرة للصهاينة ،بحماس وثقة وبلهجة لا تخلو من التهديد والوعــيد ،القــوة العسكرية لن تدوم ، وصلاحية دولتكم لن يدوم، وعـــمرها الافتراضي انتــهى ، مهــما استخدمتم من البطش والتدمير بأسلحتكم الحارقة والمحرمة دوليا ، فــمصيركم إلى زوال كمصير الروم والمغول، وكـل الغزة المارون والعابرون على ارض فلسطين العذراء، فالتاريخ علمنا أن كل يد تمتد لفلسطين تقطع .
يا قدس يا سبية
انام على وجعٍ وانكسار
انام وعين تغمض وضمير يثار
على أرض العروبة تغتصب بالنهار
على قبلة أولى وثالث الحرمين
تدنس بأبناء صهيون ونجسهم
بالروم بالغول بالمحتل بالصهيون
على عذراء العروبة تطأ ارضها
جيوش الغزاة مسلحةٌ بالدروع
بقذائف الهاون بالمسيل بالبنادق
بكل قاتل وحارق وممنوع
وتدهشنا ( دنيا زاد ابو راس ) بإشادتها بكل فخر واعتزاز بــثورة اطفــال فلسطــين ،الـــذين اظــهروا شمـوخاً وإبـاءً وأنفة بمقــاومتهم بالحجــارة والعصي ، لدبابات العدو المحتل وأسلحته الثقيـلة والخــفيفة ، التي جــعلنا نعـيش حــالة مـن الزهو والفخر والايمان بالنصر … تذكرنا بقادتنا العظام كصلاح الدين الأيوبي .
ويأتي طفل عمرة دون خمس
يحمل رايةً خفاقة علم فلسطين
بيمناه تخشاه كل بني صهيون
تلك الدروع صوبت قذائفها
صوب الصبي الشامخ الأبي
صوب من يرون فيه صلاح الدين
وتتساءل الشاعرة باستغراب ودهشة ، كم امرأة في فلسطين صرخت “وامعتصــماه ” !!،وكـــم مـن حرةٍ شريفةٍ صاحت وبكت”وامعتصماه” ،كــل هــذه الصرخات لـم تحـرك أي حـاكم عربي أو مسلم، لنصرة ونجدة هذا الشعب المحاصر!! ، لقد لامست النـخوة قلب المعتصم في ذلك الحين، لكنها لم تلامس قلب أي حاكم عربي وزعيم مسلم الان!!.فــي اشارة للخليــفة العــباسي ” المـعتصم ” الــذي وصــل لمسامعة أن امــرأة عربية اسرها الروم استغاثت به وصــرخت ” وامعتصــماه “ فهــب المعتصم قائــلاً: “لبيك يا أخت الإسلام”، فجهَّز جيشًا جرَّارًا مضى به إلى مدينة “عمُّورية”، وحرَّر تلك المرأة وكلَّ مَن معها!!.
وطفلة في اول عمرها تهتف عالياً
وا قدساه فظنوا يقينا
أن معتصماً لباه
وان موسم التين حان
والعنب ملوحاً قد اتاه
وتختم ” دنيا زاده ابو راس ” نصها ببث الأمل في نفوس بنات فــلسطين ، والتأكيد عــلى الثقة ــالله ،وايقاظ المشاعر والعواطف تجاه ما يحــدث من انتهاكات لمقدسات الأمة واعتداء عــلى اروح ابنائها في القدس .
تقول الشاعرة يليق بالمرأة الفلسطينية ان ترتدي ثوب الغزة والانفة والحمية ،ثوب القوة والمنعة والسمو ، لمواقفها المشرفة ولأنــها سطرت مواقــف ومشــاهد بـــطولية خــالدة ،عبر محطات تــاريخ النضال الفـلسطيني ،وتضيف الشاعرة أيتها الماجدة يكفيك فخراً أنك مربية الأجيال و صانعة الثوار والمناضلين .
تفتح الشاعرة ابواب الأمل الكبيرة ، بقرب الانتصار والحرية أمام الشعب الفلسطيني ، في تحرير ارضه ونيله حـريته وكرامته ،من خــلال احياء روح الجــهاد في الأمة ،ومحاربة الوهن المتمثل في حـــب الدنـــيا ،وكــراهية المــوت ،مـــع اقتــرانه بالعـمل والسعي والتـــضحية بالتخطــيط للمــقاومة الراشــدة المـبدعة ، والـتسلح بالسلاح الحــديث، والثــبات والتضحــيات وعــدم التردد، فالزحف العربي الاسلامي قادم لا محالة ، لتحرير ارض الاسراء والمعراج لأن “السلام” أو الاستسلام لا يجلب حرية أو ينتزع أي حقوق.
تختتم الشـــاعرة القصيدة بالهتاف لبــلدها جزائر العروبة ، مؤكدة أن الجـــزائر تـــأبى الدنــية ،لان شعبها عربي ابي لا يقبل المهانة فالجزائريون يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم .
كما تؤكد الشاعرة ورغم كل الظروف ستظل فلسطين عصية عـلى الانقياد للعدى، شديدة البأس في مقاومتهم، وفـي نهــاية المطــاف سينتصر الحق على الباطل ، ولن ينال الصهاينة الا المهانة والـذل والعار، وسيطردون من فلسطين .
يا بنت فلسطين ارتدي وشاح العز
وارتدي ثوب العزة دائما
فالزحف للقدس بكل البقاع ساعياً
لمسرى رسول الله خير الورى
جيوش العرب تلقن العدى درساً
بلا شفقة ولا خيار
تحيا جزائر العروبة حرة أبية
وفلسطين على العدى عصية
وينال الصهاينة خزياً وعاراً أبدي
بقلم .دنيا زاد بوراس _الجزائر
مما تقدم يتبين ‘أن الشاعرة ” دنيا زاد ابو راس ” تعتبر قضية فـلسطين قضية عـربية ، وأن الاعتـداء عـلى الفلسطينيين، اعتداء عــلى العروبة ، وأن تحــريرها مسؤولــية العرب جميعاً .. كما أن الشــاعرة ـ ترفــض الاستســلام والخــنوع، وتــدعــو إلى الاتحـاد والتضــامــن لمــواجهة العــدو الأول للأمــة العــربية ، بكل صدق وحرارة ،لأنها تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية .
من الملاحظ أن القصيدة تتسم بوضوح معانيها وبساطتها فــألفاظها مألوفــة سهلة الفهم ، وتراكيبها متينة ، لا وعورة ولا تعقيد فيها ..
مـــع خــالص تقديري واحتــرامي للشاعرة الخلوقة “دنيا زاد بو راس” .