آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية
بقلم الناقد العراقي ابو محمد الصفار
من اهم مقومات قصيدة النثر الابداعية اضافة الى الكثافة الفكرية عنصرا خلق جوهريان هما الحدث الشعري الحيوي والايقاع الطليق المنساب غير الثابت كالاوزان العروضية . ولايعني كونه طليقا نوعا من الفوضى في الجرس بقدر ما يعني انفتاحا على كافة الصيغ النغمية التي تتحلى بها اللغة العربية من اسباب واوتاد وما ينجم عنها من صيغ تفعيلية تتصف في ما بينها بالانسجام ” الهارموني ” دون ان تنغلق على صيغة عروضية واحدة لا تتغير خصوصا اذا علمنا ان قصيدة النثر هي تحويل اللغة الى موسيقى بخلاف موسيقى العمود والتفعيلة ” الشعر الحر ” التي تبنى على تحويل موسيقى العروض الجاهزة الى لغة .
ومن اشتباكات الموضوعة الفكرية العضوية استطاعت الشاعرة المبدعة السيدة رجاء الغانمي بمنتهى العمق والمرونة الفكريين ان تبني منظومة من الاخيلة والمدركات الابداعية منزاحة من اصول الافكار الى فروعها وبالعكس بصيغة تبادل ادوار مثيرة للاندهاش بحيث يضفي كل منهما ، الاصول والفروع ، مزاياه على الاخر دون ادنى صناعة تعسفية :
نمتص من حجر الفناء
حنجرةً
ونقول للطير :
غرد ..
فاذا كان حجر الفناء اصلا ، كما هو في النص ، فالحنجرة والطير وافعالهما ” نقول وغرد ” فروع
تشكل مجتمعة ” اصلا ” جديدا يتحول اليه ” حجر الفناء ” .
وتقع حادثة هذا التحول الفكري الفريد الخصوبة في نطاق من تلاحم الحدث الشعري في شروعه مع ايقاع موسيقي متناسق غير سائب الامتدادات كما يحصل في اغلب قصائد النثر التي تنسى انها ينبغي ان تتكرس شعرا وليست مجرد خطاب تتسيده النثرية :
على غير عادتنا / فعولن مفاعلَتن
نمتص من حجر الفناء حنجرةً / متْفاعلنْ متَفاعلن مفاعلَتن .
ونقول الطير غرد / فعَلن فعولن فعولن
كما الذين من قبلك انشودةً / متفعلن فعولن فعَلن فاعلن .
لا تتقنها حناجرنا / فعْلن فعَلن مفاعلَتن
افقيا او عموديا / فعَلن فاعلن مفاعلْتن .
وبهذه الوحدة العضوية الفائقة الابداع ابتكرت الشاعرة البارزة السيدة الغانمي قصيدتها المميزة هذه فلم تنفصم عرى العلاقة الجمالية الجوهرية بين فكر الموضوعة وحدثها وايقاعها وانما تدفقت جميع عناصر الخلق هذه كالينابيع لتشكل نهرا دافق الجريان هو القصيدة . التي تبلورت في عقدتها على نفس الوتيرة الابداعية المدهشة :
على مسمع الافاعي في الليل بعْ / تفريع فكري / فعولن متفعلن فعْلن فاعلن
د الغروب / تفريع فكري اخر / فاعلانْ او فاعلاتْ
تكشف الغانيات لثام اسمك من جلد الخطيئة بغاء / أصل فكري تاريخي / فاعلن فاعلن فعَلن فاعلَ فعْلن فاعلن مَتَعَلان ( خبل الرجز المزيد )
وعلى ذات المنوال الجمالي الكلي الخلاق تكمل الشاعرة الخلاقة بلا ريب قصيدتها هذه المؤهلة للمثول عاليا جدا في طراز الحداثة المتمثل بقصيدة نثر استطيقية رفيعة القيمة الثقافية بصورة انفراج مكرس لحدثه وايقاعه الابتداعيين :
والامضاء فوق التوابيت نحرا / اصل تراجيدي / فعْلن فاعلن فاعلن فاعلاتن
لا يمينٌ ولا يسارٌ / فروع فكرية / فاعلاتن فاعلاتن
يعلو فوق هاماتها / انشطة فرعية / فعْلن فاعلن فاعلن
تجلٍّ فوق الانعتا / فكر الانفراح / فعولن فعْلن فاعلن
ق بصورةِ رغبة هزليةٍ اهدرت برصاصةّ / تتمة الانفراج / فعَلن فعَلن فعولن فاعلن فاعلن متَفاعلن .
والنتيجة ان هذه قصيدة نثر متميزة مثالية البناء والعرض متكاملة الوحدة العضوية من عمق فكري ودينامية حدث وانسجام موسيقي خلاب قلما نعثر عليه في قصائد النثر الراهنة .
مع التثمين عاليا
