لغة الأذواق والمواجيد
تمجد النغم
تمجد السماع
تمجد الألحان
تحاكي التقديس
تتجسد في الحضرات
تعلن فيض الوجد
وتطمع في الزلفى
تكتوي بالحب والعشق والإنمحاء
تعبش حيرة الحرف وحرقته
تتنقل بين همس الإشارات
تتعشق الجذب
حركتها نداء على السكون
سكونها سكون المحب إلى المحبوب
هي لغة إطلاقية ووترية
تعانق الموسيقى
تعانق طقوس روحانية
تصبح سرية
تمرن قارئها على عشق الصمت
على الإنتشاء بالصدى
تحتفظ بهيبة الحب والعشق
تستدعي ذوق القارئ والسامع
ترغبه في إحتساء معناها
تدمن الإشارات
ولا تكتفي بقول المعنى
تهمس بالمعنى تستشرفه
تبذره في مستقبل قراءة عاشقة
لها نكهة الفرح والحزن
تفتن قارئها
تحير مريدها
وتزدان على إيقاع الروح
حين تنشد قصائد ومواويل في الحضرات
____
صنعاء مايو 2022م
1- التقديم العام:
القصيدة تتناول بُعدًا روحانيًا وفنيًا في آنٍ واحد، حيث تستحضر علاقة الذوق بالموسيقى، والعشق بالتصوف، وتُحيل القارئ إلى تجربة حسية وجدانية تستند إلى لغة الإشارات والرموز.
2- البنية الدلالية والموضوعية:
القصيدة تتخذ من الذوق والمواجيد مدخلًا لاستكشاف لغة ذات طابع روحاني، تربط بين الموسيقى والوجد الصوفي، وتتحرك بين مفاهيم مثل “الذكر”، “الحضرة”، “العشق”، و”الصمت”. الشاعر يصف هذه اللغة بأنها إطلاقية، وترية، تمزج بين التعبير والإيحاء، وتسعى إلى تحريك قارئها نحو تجربة تفاعلية، تتجاوز مجرد القراءة إلى المشاركة الوجدانية.
نجد في القصيدة إشارات واضحة إلى مفهوم التجربة الصوفية، حيث يتم التعامل مع “المحب” و”المحبوب” في إطار الفناء العشقي، وهو مفهوم شائع في التصوف، حيث يذوب العاشق في معشوقه. كما تتجلى العلاقة الوثيقة بين الصوت والصمت، فهناك توتر بين الإفصاح والإيحاء، بين النغم والصمت، بين التقديس والانمحاء، وهذا يعكس بُعدًا تأمليًا في طبيعة اللغة ودورها في التعبير عن التجربة الروحية.
3- البنية الإيقاعية والأسلوبية:
القصيدة تقوم على إيقاع داخلي أكثر من كونها تتبع وزنًا شعريًا تقليديًا. نجد تكرارًا لبعض المفردات مثل “تمجد”، “تعانق”، “تهمس”، “تستدعي”، وهو ما يخلق إيقاعًا تكراريًا يوحي بالحالة الصوفية التي تعتمد على التكرار في الذكر والإنشاد. كما أن الجمل القصيرة المتتابعة تمنح النص طابعًا موسيقيًا يتناغم مع موضوعه.
أما الأسلوب، فهو يعتمد على الإيحاء والتلميح أكثر من التصريح، حيث نجد ميلًا إلى الصور المركبة التي تتجاوز المعنى المباشر، مثل:
“تحير مريدها”: أي أن اللغة ليست واضحة تمامًا، بل تدعو إلى التأمل والغموض.
“تعبش حيرة الحرف وحرقته”: توحي بالمعاناة الداخلية الناتجة عن محاولة التعبير عن تجربة تفوق حدود اللغة.
“تدمن الإشارات ولا تكتفي بقول المعنى”: وهذا يعكس فلسفة رمزية قائمة على الإيماء بدلاً من المباشرة.
4- التأويل والبعد الفلسفي:
القصيدة لا تتحدث فقط عن اللغة في بعدها اللغوي، بل تتعامل معها ككيان روحاني يتفاعل مع التجربة الصوفية. هي ليست أداة للتواصل فحسب، بل تجربة حسية بحد ذاتها، تشبه “الإنتشاء بالصدى”، أي أن المعنى لا يُستهلك مباشرة، بل يُختبر عبر التفاعل الذوقي والروحي.
هناك أيضًا إشارات إلى البعد الزمني والمستقبلي للقراءة، حيث يقول الشاعر:
“تبذره في مستقبل قراءة عاشقة”: أي أن هذه اللغة لا تُستنفد في اللحظة، بل تمتد مع الزمن، وهي تجربة متجددة.
5- الخاتمة:
القصيدة تجربة صوفية لغوية بامتياز، تتعامل مع اللغة بوصفها كائنًا يتناغم مع الذوق، الوجد، الموسيقى، والصمت. إنها قصيدة تتطلب قارئًا متذوقًا، قادرًا على الغوص في معانيها العميقة، وليس مجرد مستهلك سطحي. لغة الشاعر هنا ليست وصفية أو تقريرية، بل تجربة حسية بحد ذاتها، تدعو القارئ إلى التفاعل والانغماس فيها.
باختصار، القصيدة هي احتفاء باللغة بوصفها مساحة روحية، تفتح أفقًا للتأمل والانفعال العشقي، عبر موسيقى داخلية وإشارات صوفية تأخذ القارئ إلى تجربة تذوقية خاصة.
الناقد الإصطناعي