بقلم :هاشم خليل عبدالغني- الأردن
لإبراز الأهمية الكبيرة التي تحظى بها هذه الأرض ” ارض فلسطين” دوناً عن غيرها من الأراضي ارض فلسطين .نشير في مقدمة هذا المقال لمكانتها الدينية وموقعها الإستراتيجي الهام .
فـلسطـين أرض مـقــدسة وهـي الأرض التـي أسـري إليهـا بالرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً ، أرض الإسراء والمــعراج ، قال الله تعالى في سورة الإسراء سُبْحَانَ الَّـــذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيـْلًا مِــنَ الْمَسْـجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُـوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهــي أرض ومسـكن الأنـبياء، وهـي أرض المـحشر والمنشر . ومن أبرز المعالم المــقدسة فـي فـلسطين المسجد الأقصى وكنيسة القـيامة في القدس وكنسية المهد في بيت لحم .
إن فلسطين هي جزء من بلاد الشام وامتداد طبيعي وجغرافي لها، وتمتاز فلسطين بموقعٍها الجغرافيٍّ الإستراتيجيّ في قارة آسيا، ومنذ القِــدم كـانت فــلسطين مـركز اتصال الحضارات والثقافات المختلفة، وقد كانت وما زالت محطّ أنظار الـــدول الكبرى؛ بسبب موقعها على ساحل البحر المتوسط الذي يعـدّ موقعاً هامّاً مــن النواحي الإستراتيجية، والحـضاريّة، والدينيّة، والسياحيّة، والتجاريّة.
ومن الجدير بالذكر أن الكنعانيين هم أكبر الموجات المهاجرة التي خرجت مـن شبه الجــزيرة الـعربية ، واستقرت فـي فلـسطين وجنوب سوريا، وسيطروا عليهما سيطرة تامة، وعرفت تلك البلاد باسم “بلاد كنعان” أو “أرض كنعان”.
أسهم أدباء وشعراء فلسطين إلى جانب شعراء عرب كثر، بالوقوف في خنادق النضال والثورة لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني البغيض وذلك من خلال إبداعاتهم وقصائدهم الوطنية المتأججة بالمشاعر الوطنية.
نجد أن الشعر الفلسطيني له حضوره الفاعل في مسيرة الكفاح والنضال الوطني ومواجهة الاحتلال الصهيوني وذلك من قبل وبعد احتلال فلسطين عام 1948م . ومنهم الشاعر عبد العزيز بشارات .
الشـاعـر الفـلسطيني عــبد العــزيز بشـارات يتحـدث فـي قصيدته “هوى الأوطان” عن حب الأرض والتعلق العـاطــفي بها وعن الــولاء الوطني لفلسطين المـحتلة وعن مكانتها الدينية عند العرب والمسلمين ويدعـو للعـمل على تحريرها .
في مطلع قصيدة ” هوى الأوطان ” يــؤكد الشاعـر عبد العزيز بشارات على حقيقة ثابتة لا شك فيها أن الانتماء للوطن وعشقه العفيف النبيل المتسم بطــابع مثالي صرف ، يــأتي بعد حب الله سبحــــانه وتعالى ،وحب الأرض كالإيمان بالله (تصديق بالقلب وإقرار باللسان ) لتأمين سلامــة الوطن داخلياً وصيانة أراضيه من أي اعتداء خارجي … مهما تقدم بنا العمر وشقت وصعبت علينا الحياة فالشوق والحنـين يثير لهفتنا وتعلقنا بـالأرض الــتي درجت خطانا الأولى فوق ترابها فالمجد والرفعة والشرف لا يتأتيا إلا بالإصرار والثبات على العهد .
يشدد الشاعر على أن الأرض ( فلسطين ) تستحق التضحية في سبيلها…. فـحب الــوطن غــاية سامية و يعتبر النموذج الأمثل للانتماء ، فالانتماء للوطن يعني الارتـباط والتالف مع المنتمى إليه الأرض .
هوى الأوطانِ بعدَ الله حقُّ…… وحُبُّ الأرضِ إيمانٌ وصِدقُ
نعيشُ وتنحني الهاماتُ منّا……….وللذكرى إذا عانَيتَ شَوق
وفوقَ رُبوعِها درَجَت خُطانا ………وللعلياءِ إصرارٌ و سبقُ
وإن أفنيتُ عُمري في حِماها ……. أقول بِملء شِدقي تستحقّ
يشير الشاعر في المقطع التالي اللحمة الروحية والوجدانية القوية التي تربطه بأرض الـوطن فــلسطين والمسجـد الأقـصى أولى القبلتين وثالث الحرمين .فإذا ذكرت بلادي في أي منتدى
أظهرت الــروح ردة فــعل انفعـــالية محسوسة تعبر عن عشق الأرض والتعلق و الالتحام والالتصاق بها ، وحبها حباً شديداً .
ففي كل ركن من أركان بلادي ذكريات طافحة بالاشتياق والحنين ، ويقارن الشاعر بين القول والفعل .
أرى بين البلادِ وبين روحي…….. وأولى القِبلتين هُناكَ رَتقُ
إذا ذُكِرت بلادي في مكانٍ …..يُنادي الروحَ إحساسٌ و عشقَ
لَنا في كلّ زاويةٍ حنينٌ………….. ومِن زيتونِها نورٌ و رِزق
وفي شِقٍّ أقولُ الشِّعرَ فيها …………ويُثنيني إلى الأفعال شِقُّ
ضمن الشاعرعبد العزيز بشارات قصيدته ” هــوى الأوطــان”
بيتين مـن الشعر للشاعر الكبير عبد الكريم الكرمي .. كقول بشارات :
(فلسطينُ الحبيبةُ كيف أغفو)…..وفي الأعماقِ من بَلواكِ خَفق
)تُنادينا السُّهولُ مُخضّباتٍ.(………وبَطنُ الأرض قد أعياهُ شَقُّ
فنصف البيت الأول والثاني للشاعر بشارات ،والنصف الثاني للشاعر الكرمي حيث قال في قصيدته سنعود :
فلسطين الحبيبة كيف أغفو .. وفي عيني أطياف العذاب
تناديني السفوح مخضبات… وفي الآفاق آثار الخضاب
مما تقدم نرى أن الشاعر بشارات لم يتعرض إلى تغيير على مستوى التراكيب والألفاظ بزيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير والعلمـــاء يجيزون بعـض التغير اليسير ليدخـل البيت ضمـن ليدخل البيت المُضمنَ أو بعض منه سياق الكلام والمعنى يقول الخطيب القزويني: (ولا يضر الكلام اليسير ليدخل في معنى الكلام ) .
فلسطين للشاعر بشارات: “هي الحبيبة التي لا يستطيع أن يغفو بعيدا عنها,ففي عينيه أطياف العذاب,عذاب بعده عنها وعذاب رؤيته أهله وأهل فلسطين وهو منهم لاجئين يهيمون على وجوههم”.
(تنادي سفوح فلسطين الشاعر وتدعوه إليها وهو يتطلع إلى الأفق الجميل المزين بلون الشفق المخضب الساحر) وقد أعياه ومنعه من أداء المراد العجز والتصدع والمصائب الذي حل بأمتنا العربية والإسلامية .
فلسطينُ الحبيبةُ كيف أغفو)…..وفي الأعماقِ من بَلواكِ خَفق
)تُنادينا السُّهولُ مُخضّباتٍ.(……وبَطنُ الأرض قد أعياهُ شَقُّ
صوت المآذن، عبق الفجر نفحة روحية ، تراتيل النضال. قصة كفاح لا يعرفها سوى الفلسطينيين ، جسد الشاعر عبدا لعزيز بشارات هذه الروحية الإيمانية والنضالية حين أكد أن صوت المآذن علا وارتفع داعيا للرفعة والشرف والمكانة السامية فأصواتنا تعلو قمم المعالي وأشرفها وأنبلها في سبيل نيل الحرية وتحرير الأرض الفلسطينية رغم ما نواجهه من مشقة ومتاعب … فمنا من نال شرف سبق الشهادة ومنا المصيب المحق الذي يركب الأهوال في السير على درب الشهادة والشهداء .
وصوتٌ في المآذن باتَ يَعلو ….ولـم يُرضِ الأعادي منه نُطق
عَلَت أصواتُنا قمَمَ المعالي ………. وفـي نيْلِ المُنى دَرباً نشقُّ
ومّن نـالَ الشهادةَ نال سَبقاً………ومَـن في ركبهِ فهو المحقًّ
لأن ارتباط المسلمين بالقدس ارتباط عقائدي يُستمد من الدين والرسالة السماوية. فالقدس في قلب فلسطين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى. ” كما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلّم من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا بعد أن صلى جماعةً بالرسل والأنبياء في حادثة الإسراء والمعراج، قال تعالى في سورة الإسراء ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”…لأن لفلسطين هذه المكانة الدينية العظيمة… يقول الشاعر عبد العزيز بشارات إن للقدس صوت مميز يعلو كل صوت في استنهاض الأمة وإيقاظها من ركودها وسباتها فحين تنادي القدس يا عرب حي على الكفاح حي على الفلاح ، يكون لحديثها وقع الصاعقة الشديد على الصهاينة المحتلين وهو بداية هلاكهم وانهيار كيانهم وزواله .
ويضيف الشاعر … من أشبال القدس تعلمنا الدروس والعبر وأن نهجهم هو الطريق القويم الواضح طريق المقاومة . ففي جنبات القدس نبتت وترعرعت جذور العرب والمسلمين الأحرار الأصلية.
وصوتُ القدس يَعلو كلّ صوتٍ…….كأنّ حديثَـها نارٌ و صَـعق
ومِن أشبالِها أُخِذَت دروسٌ…………علـى مِنهاجهِا نظْمٌ و نَسقُ
وفي جّنباتِها نَبتت جُذورٌ…………وفِي الأفياء للأحرار عِرق
كما يلفت الشاعر نظر العرب والمسلمين إلى مؤامرة دولية كبيرة” تواجه القدس خاصة وقضية فلسطين عامة ومحاولات حثيثة لتصفيتها في ظل انشغال الأمة العربية والإسلامية بالفتن والحروب الداخلية ، كما يطالبهم أن يهبوا للدفاع عن قبلتهم ويذكرهم بواجبهم للتصدي لهذه المؤامرات والاعتداءات ويحثهم على مواجهة ومجابهة أطماع الاحتلال الغاشم في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ويطالبهم الشاعر أن تكون قضية القدس وفلسطين ، فوق كل الخلافات والتجاذبات والمصالح الذاتية والمادية والسياسية ، ويحثهم على عدم التواصل مع العدو الصهيوني فتواصلهم قي السر والعلن رق وعبودية ، ويذكرهم بأن من يلبس ثوب الخنوع والاستسلام للعدو الصهيوني بتعاونه معه سيُسلب حقه ويستعبد وتضيع كرامته بضياع مقدساته وأوطانه .
تُحارِبُها بلادُ الكونِ ظُلماً……….. وينهشُ لَحمَها غَربٌ وشرق
فهبّوا نحو قِبلتِكُم لِتحيا………….. فإنّ العيشَ في الظُّلُماتِ رقُّ
ومَن قَبِلَ الخنوعَ بثوبِ ذُلٍّ…………. سيُسلَبُ حقُّه أو يستَرَقُّ
وفي نهاية القصيدة يتحدث الشاعر بشارات عن ظروف معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، فما يعيشه الشعب الفلسطيني أبشع وأشد أنواع الإجرام في العالم فالمجتمع الدولي والعرب تخلوا وغدروا بفلسطين وشعبها ، لعدم ترجمة أقوالهم لأفعال لإنهاء الاحتلال والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني .
إن ما يصنعه ” العرب والمسلمون ” مع إخوة الدين والعقيدة والمصير “الشعب الفلسطيني” لا ينسجم بشكل مع عواطف الأخوة العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة بل يشف عن أنها لا تعير أيَّ قيمة للأخوةَ الإسلاميةَ العربيّةَ وواجباتها الإنسانيّة .
ويشير الشاعر أن شعب فلسطين عاني من أشكال وألوان الفواجع والمصائب وكل ما يبعث عـــلى الأسى ، الواحـدة بعـد الأخرى ، مما جعل ألم شعبنا تشتد معاناته ووطأته .. قابل ذلك عقوق وتخلي إخوان لنا في الدين والعروبة عن مد يد العون لنا لتخليصنا من المحتل البغيض ، ثم يضيف الشاعر أُذَكِرُ العرب دائماً بالقدس وبمكانتها الدينية العربية والإسلامية وبضرورة تحر يرها ، فقد ترك ذلك صداه في دمشق.. دمشق المروءة والعظمة والتاريخ ، ويختتم الشاعر قصيدته بالصلاة على نبينا العظيم ، نبي المحبة والرحمة والهدى .
تجرّعَ شعبُنا الويلاتِ تَترى ……….وأدمى مُهجةً الآباء حـرقُ
عَرَفنا للمآسي كلّ لونٍ……………..وإخوانٌ لنا في الدينِ عقّوا
ذَكَرتُ القُدسَ حينَ نَظَمتُ شِعري……..أجابَتني بنَخوَتِها دمشقُ
وأختِمُ بالصلاة على نبيّي……………..بهِ للعالمينَ هدىً ورفقُ
وفي الختام .. نلاحظ أن الشاعر” عبد العزيز بشارات ” وجه نداءً وصرخة للعرب والمسلمين : ( لقد آن للعرب والمسلمين أن يجعلوا من قضية فلسطين قضية تسمو فوق كل الخلافات والتجاذبات والمصالح المادية والسياسية، وأن يعيدوا لهذه القضية زخمها العقائدي الإسلامي، حتى يمكن مواجهة أطماع ومخططات الصهاينة اللامحدود ، وحتى يمكن إعادة الأمل بعودة فلسطين “القدس والأقصى ” عربية إسلامية كما كانت) .
كما يؤكد الشاعر أن فلسطين هي بلد المقاومة والحجارة والأبطال، وهي من أجمل البلدان بالعالم ومعروفة بالعلم والحضارة وبالكرم والعطاء.