بعد مجموعتين قصصيتين وديوانين شعريين صدر للكاتبة المترجمة تركية العمري كتابان، الأول بعنوان (كيت شوبان عاصفة الأدب الإمريكي: سيرة حياتها ومختارات من قصصها)عام 1435 والثاني (باريس وتبسم النساء) 1437
في الكتاب الأول جعلتنا المؤلفة نواجه العاصفة الإمريكية مباشرة، فنقرأ في الفصل الأول أربع عشرة قصة ترجمتها تركية من الإنجليزية قبل أن نتعرف على القاصة الإمريكية في الفصل الثاني من الكتاب الذي خصصته لسيرة حياتها.
تحدثنا المؤلفة بداية كيف تعرفت على (شوبان)، فتقول إنها كانت بصدد ترجمة كتاب عن كاتبات إنجليزيات فاسترعى انتباهها قصة بعنوان (العاصفة) فأوقفت المشروع وتفرغت لشوبان؛ تابعت مسيرتها واقتنت مجموعاتها القصصية. ثم لاحظت أن مترجما برازيليا ترجم اثنتي عشرة قصة لشوبان فدخلت في تحد معه ومع نفسها لتتفوق عليه، وتترجم لها أربع عشرة قصة.
تحدثنا المترجمة عن ولادة كيت شوبان في مدينة (سانت لويس) ثاني أكبر مدينة في ولاية (ميزوري) ثم تمضي في الحديث عن تاريخ المدينة ونشأتها وأهميتها.
ولدت الأديبة الأمريكية (كاثرين أو فلاهرتي) في الثاني من يوليو عام 1850 من أم فرنسية تنتمي لإحدى العائلات الفرنسية النخبوية التي هاجرت إلى أمريكا في القرن السابع عشر فوالدتها هي (أليزا فارس) حفيدة (فيكتوريا شفاليه) ابنة (فيكتوريا ريتشلت فيردون) التي كانت تمتلك طريق ملاحة ما بين (لويزيانا) و(نيو أورليانز). أما والدها فهو الإيرلندي (توماس أو فلاهرتي) الذي هاجر من إيرلندا واستقر في (لويزيانا) وفتح دكانا صغيرا. كان زواج توماس من أليزا هو زواجه الثاني بعد أن توفيت زوجته الأولى بعد عام من إنجابها لطفل. كانت أليزا في السادسة عشرة من عمرها حين تزوجها توماس، وأنجبت خمسة أطفال توفوا جميعا ما عدا كاثرين. نشأت في بيت يضم عددا من النساء والخدم والزنوج، لكنها استقت من أمها الاتزان والوداعة ورباطة الجأش، ومن أبيها الهدوء والثقة بالنفس والذكاء وحب الناس. لم تعش مع أبيها طوبلا، فقد توفي وهي ما زالت في الخامسة، فعوضتها كلٌّ من أمها وجدتها ما فقدته في أبيها.
درست في مدرسة القلب المقدس بسانت لويس، وبدأت بكتابة الشعر والمقال، ولاحظت معلماتها شغفها بكتابة القصص. ومارست الكثير من الهوايات مثل ركوب الخيل والعزف على البيانو. وتعرفت على (كاثرين قارشي) التي كانت تماثلها الاهتمام بالقراءة والكتابة فاتخذت منها صديقة مثالية.
اندلعت الحرب الأهلية الإمريكية فهجرت صديقتها قارشي، وتوفيت جدتها ثم أخوها لأبيها (جورج) فانكبت على قراءة الأدب الانهزامي.
بدأت خطواتها تمر بدار الأوبرا ولقاء الفنانين المشهورين، وبدأت الصبية قراءة الكتب الألمانية والفرنسية بلغتهما الأصليتين بالإضافة إلى قراءاتها في الأدب الإنجليزي.
كبرت وبدأ وعيها بكينونتها يتشكل، وثارت على من حولها ممن يريدها المرأة التقليدية التي تكرس حياتها لبيتها وأطفالها. وفي العشرين تعرفت في (أوكلاند) على شاب من عائلة فرنسية استوطنت شمال غرب (لويزيانا) ذلكم هو (أوسكار شوبان) الذي أحبته وزفت إليه لتصبح كيت شوبان.
تجولا بعد الزواج عدة أشهر في القارة الأوروبية بين متاحفها ومسارحها وحدائقها وأنهارها، ولم يقطع عليهما استمتاعهما إلا قيام الحرب الفرنسية البروسية فعادا إلى بلادهما.
انتقلت للعيش مع زوجها إلى (نيو أورليانز) وسرعان ما أحبت مدينتها الجديدة التي تصافح نهر الميسيسبي، كما أحبت مجتمعها متعدد الأعراق والثقافات. استمتعت بحريتها كاملة عندما كانت حرية المرأة مقيدة. ولم تكد تبلغ الثلاثين حتى فقدت زوجها أوسكار في حين كانت تحتضن ستة أطفال هي ثمرة زواجهما.
ابتعدت عن المشاركات الاجتماعية ومالت إلى حياة الانعزال، وبمساعدة طبيبها عادت إلى الكتابة من خلال قصيدة بثت فيها أشواقها لأوسكار ونشرت في المجلة الأمريكية عام 1989 ثم بدأ تركيزها على كتابة القصة القصيرة مستلهمة حياة سانت لويس ولويزيانا.
اتجهت إلى الكتابة الجادة، وبدأت في كتابة القراءات النقدية والمقالات التي تناولت عددا من الكتاب والكاتبات ونتاجهم. نادت بأن يتناول الأدب الدوافع الإنسانية التي تتجاوز جغرافية المكان والزمان.
أما الكتاب الثاني لتركية العمري فهو مذكرات سياحية ثقافية في باريس عنونته بـ (باريس وتبسم النساء).. لم يكن حديثها عن باريس كما تعودنا من كتّاب الرحلات وصفا جغرافيا وتاريخيا وعرضا للأماكن السياحية؛ بل كان دليلا ثقافيا يكشف عن وجه باريس الثقافي من مكتبات ومتاحف ومعاهد ومعارض..
في القسم الأول من الكتاب – الذي خصصته لمشاهداتها – تصف حياة الباريسيين في بيوتهم وعنايتهم بزراعة الزهور في جنباتها، وتتساءل عن تأثير هذه البيئة على الساكنين. «ترى كيف هي جغرافية البشر الذين تصحو أعينهم على تفتق بتلات الورود في شرفاتهم وحدائقهم، وعلى صوت الموسيقى وعلى قصائد حب ووجد وحنين؟». ص46
وعن شوارعها الممتلئة باللوحات الدعائية للمناشط الثقافية والترفيهية والفنية تقول: «لم أرَ لافتات مستشفيات أمراض خبيثة ترعب العابرين، أو عيادات أسنان، ولا لافتات تستعرض مواد غذائية سريعة، ولا حتى الدجاج الفرنسي، ما رأته عيني هو إعلانات عن أفلام، أو معارض فنية، أو مسرحيات، أو مكتبات». ص48
وتحدثت بإعجاب عن النساء في باريس على إثر نبأ فوز السيدة (آن هيدالغو) ذات الأصول الإسبانية بمنصب عمدة باريس: «ما أجملك يا باريس! دمعت عيناي، وبدأت أركض في طرقاتها أتأمل نظرات أعين النساء الواثقة». ص59
حدثتنا عن زيارتها لليونسكو ومعهد العالم العربي، ومكتبة شكسبير وتاريخها وفكرة تأسيسها، وبرج إيفل، وأشاحت بوجهها عن (الشانزليزيه) إذ لم تجد فيه سوى أثرياء العرب وهم يستعرضون ثراءهم!..
أما متحف اللوفر فقد خصته بصفحات عديدة؛ عن تاريخه ومحتوياته، لكنها وقفت كثيرا عند لوحاته الفنية مثل لوحة (الأمومة) ولوحة (الحرية تقود الشعب) معبرة عن وجهة نظرها في رسالة الفن: «نعم الفن يقود نهضة الشعوب. والفن يطهر الشعوب من الأفكار والعادات السلبية المتوارثة. والفن يقرب الشعوب من الفضائل والقيم الإنسانية الكونية النبيلة ويلهمهم. والفن يجعل الناس بشرا أسوياء. والفن يحرر المرأة ويفتح دروبا لإطلاق إمكاناتها ومواهبها، لتحرر – هي – المجتمعات من الشرور». ص82
غادرت المؤلفة باريس لكنها لم تبرح فكرها وخيالها، فعادت في جولة بين طيات الكتب لتستكمل رحلتها في معالم باريس برحلة سياحة فكرية خصصت القسم الثاني من الكتاب للحديث عنها.
وكاتبتنا القديرة على مدى أيام رحلتها لا تغفل المقارنة بين ما تراه في باريس وما تعرفه في بلادها، فتعبر بألم عن هذه المقارنات التي ليست لصالح الوطن. فحين ترى نظافة سيارات الأجرة وأناقتها تتذكر المظهر السيء لما يقابلها لدينا، وحين يعتذر لها بائع متأسفا لعدم وجود الكتاب الذي طلبت تتذكر عدم مبالاة البائع عندنا في الحالة نفسها.
واختتمت الكتاب بقسمه الثالث بقصائدها في باريس؛ أختار منها النموذج التالي من قصيدة بعنوان (لا تخافي) ص205:
تقول صديقتي:
لا تخافي،
فأنت في مدينة النساء،
فأشجارها ترحب بك،
وتوليبها العطري
يتفتح لك، ونهرها الرقراق،
قبلات العشاق،
يتخلق لأجلك
عازف كمان..