رواية للكاتبة بسمة مرواني صدرت عن دار فضاءات للنشروالتوزيع بالأردن في 402 صفحة من الحجم المتوسط سنة 2019 .
لقد جاءت هذه الرواية في خمسة فصول . وكل فصل يحتوي على عدة مشاهد ولوحات أولقطات سينمائية ميزت هذا العمل, حتى أننا نرى 21 مشهدا متنوعا ومختلفا في آن ,وكل مشهد يكشف لنا عن خفايا امرأة استثنائية تطيل التأمل في مرآتها وتسافرعبرالزمن في رحلة و جوديّة, لأنثى في عمر النّبوّة, لم تتجاوز ربيعها الأربعين , تحمل اسم (نوران) وما يعنيه هذا الإسم من دلالات , وهي في الرواية إمرأة طموحة مفتونة بالفلسفة والعلم , ومشغولة بحيرة الأسئلة حول الإيمان والدين والإله والأنا والآخر, ومهتمة بدورالمرأة في مجتمعات تهيمن عليها عقلية الذكورة ، هذه المرأة التي تحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد تبدو استثنائية بالفعل , فهي لم تتزوج ورغم ذلك نجدها تفتخر بأنها عانس في بلاد الشّمس والطّبيعة الخلّابة, تونس مهد الثّورة والشّرارة القادحة للرّبيع العربي. وقد أصرت على أن ترحل لتكتشف بلاد الثّلج والبرد وتبحث عن دفء سلبوه من وطنها , وعن حضن ينقذها من مجتمع هيمنت عليه الذكورية المتوحشة .
والملاحظ أن بداية المشاهد تنطلق من النّهاية إلى البداية, في رحلة دائرية تبدو طويلة جدا . رحلة ممتعة ومليئة بالمفاجآت . تعرّفت البطلة (نوران ) أثناءها على السّيّد (منهل) هذا التونسي الذي وعدها بالحب وبعقد عمل هناك في بلاد الثلج ,وكانت خيبتها الأولى واعتبرته مجرّد حلم. وهناك تعرفت على الكثيرين ,وجميعهم انجذب إليها, وفيهم من عبّرعن رغبته في ممارسة العشق معها, وافراغ رغبته المكبوتة في جسدها الشهيّ . غيرأنّ أخلاقها وتربيتها العربيّة الإسلامية وثقافتها العالية منعتها. وكم كان صراعها مع هؤلاء شديدا وشرسا في بعض الأحيان .وظلت وفية لمبادئها ومصرة على القيام بدورها على الوجه الأكمل وقد جاء على لسانها في الرواية :
(…أنّ طموحي القراءة والفكر والوعي والشّعر والكتابة في تحسين ظروف المرأة والإنسان عموما…).
كما نلاحظ أيضا أن الكاتبة صاغت روايتها بأسلوب مشوق وبدقّة رهيبة في الوصف وتصويرالجزئيات والتفاصيل . فهي إضافة إلى أنها قدمت نموذجاً لأنثى تتحدى الجميع وتعشق الطموح وسط مجتمع تسيطرعليه الذكورية , فإنها لم تترك شاردة ولا واردة إلا و دوّنتها مشهدا مشهدا . بداية من الثّورة المغتصبة , مرورا بحُرقة (الحرقة) , واغتراب أصحاب الشهائد ,والبطالة والعنوسة . ووصولا إلى الإغتيالات فرادى وجماعات في الأحياء وفي الشّوارع العموميّة في تلك العشرية التي هيمن فيها الفكرالإسلاموي في تونس التي لم تعد تعرفها .
والروائية بسمة مرواني في حوار لها قالت عن “مرايا نوران” :
(…هي في مضمونها أعتبرها من زاويتي الانتصارالمتجلي لنموذج امرأة تعشق الطموح, خيلُ ذهنها تركض نحو إثبات كينونتها ولا مندوحة لعقلها, هذا إن لم تستعمله كطعامها اليومي, صوتها المسموع ككبريائها الأعمى, مشرع كالهواء, مبطّن بارتواء الوعي ,ومفعم بالتواري الحضوري في محراب المجتمع العربي الذكوري…).
وخلاصة القول “مرايا نوران” على حد تعبيرالناقدة التونسية سهيلة بن حسين :
(…مرايا نوران رواية بين السير ذاتي واليوميات والحكي السردي :
وضعت أساس الرواية بين تونس و دولة كندا وهي رواية تتحدث في فصولها عن المرأة، التي تنتهك حقوقها بفعل الموروث التقليدي غالبًا وبعض العادات التي طبعت باسم التعاليم ، لترسخ في ذهنها بأن الاستقلالية والسلطة قريبان من الإثم وتستوجب فرض العقوبات الصارمة عليها. مرايا نوران غوص في أعماق السفر، في الوجع الأنثوي، حالة من الاستهجان والتمرد لامرأة قوية وواثقة سقت شتلات أفكارها ووعيها من أنهار العلم والثقافةوالقيم ، فتصرخ في وجه مجتمع ذكوري الذي يرى في المرأة الجسد والمتعة فقط دون النظر إليها ككيان مستقل أو أي اهتمام بها ككائن له ذهنية متقدة …).