لآفاق حرة
اسم الرواية : لستُ أنا.
عدد الصفحات: ٣٣٦ صفحة.
صادرة عن: دار الفينيق للنشر والتوزيع- عمان.
الكاتب: مظهر عاصف- الأردن.
يُلاحظ القارئ عند تبحّره في رواية لست أنا أن الكتابة الروائية تتميز بخاصية أساسية؛ تتمثل في السرد الحكائي للأحداث من جهة، والتأمل الفكري لمختلف المشاهد والأحداث التي ترافقها من جهة أخرى.
هي ليست قصة درامية فحسب، بل مساحات تأملية فكرية يتأنّى الكاتب قبل سرد أحداثها؛ فلا يقدمها بشكلها السريع والمباشر للقارئ إلا بعد أن يتلاعب بمهارة بحبكة شخوص وحكايا أبطال روايته، لتشعرَ أنه ضل طريقه في لحظةٍ ما؛ قبل أن تصل إلى الحبكة الغريبة لتدرك حينها مُراد الكاتب ممّا حدث.
لستُ أنا روايةٌ مقرونة بقضايا فلسفية ووجودية واجتماعية: كالموت، والحياة، والطهر، والشرف، وخيانة الوطن، والعبث، والبؤس، والجشع، والأمل، والحب؛ أراد من خلالها كاتبها تعريةَ الفلسفة الحياتية التي من الممكن أن نعيشها في المستقبل القريب، بالاتكاء على أحداث وواقع نعتاشه الآن كليّا ضمن أوقاتنا الحاضرة.
ينطلق الحدث بداية من جزيرة سنبار، مرورا بالحاضر والماضي والمستقبل، وصولا إلى عمان كونها الوطن الذي سيحتضن الحدث الأخير، أو الأهم في الرواية.
قبلها أو بعدها سيتحدث عن الحياة بغرائبية متناولًا عائلة العجان كمثال رئيس لها، والتي كانت سبباً هامّا بتشعب الأبطال حول مركزية هذه العائلة الهابطة عبر الصدفة. هي عائلة لا تتواني عن القيام بأي شيء باستثناء القتل كمنهج التزم به كبيرُهم، غير أنه في نهاية الرواية سيسقط أحدهم في مستنقع الجريمة المنظمة؛ خائنا عائلته ونفسه ووطنه دون أن يجدي الندم شيئا.
التناقض في الرواية: برع الكاتب بخلط القيم والمسلمات ببعضها البعض؛ لتظهر الفجوات بين الأخلاق والافكار المصطنعة القشورية وبين أصلها الضائع في ذات المدّعين لها، مشيرا إلى حقيقة الشيء دون محسّنات كاذبة، أي ثنائية: الجميل- القبيح، الصدق- الكذب، الجاهل-المتعلم المثقف، الفضيلة- الرذيلة، وما شابه.
وإن كان بهذه لا يبدو مباشرًا فهو سيبدو كذلك حين يتحدث عن فلسفة الحياة والموت، حيث ستجد نفسك وسط حياة تتسع على نحو وجود أكثر من تعدد الحياة والموت البيولوجيين؛ ليقودنا بهدوء لإدراك تفاهة الأنا واستمرارية بقائها بشكل يروق لنا بالأغلب لا ضمن شكلها الأساسي. يعتمد بذلك على تعزيز مصطلح نحتَه من اللغة يدعى: الحمض الأنوي- فلسفة الأنا. هنا نجده قد أصر على استمرارية الأنا المنبثقة من الخوف والأمل والتناقض الفكري للشخوص.
الحياة في الحاضر تعنى كما قرأنا في كتب ومقالات علم النفس هي: عدم التعلق بالماضي، وفقدان الأمل في المستقبل. هناك حكمة قديمة تقول: “عليّ أن أموت كي أولد من جديد”. الموت الذي تتحدث عنه هذه الحكمة هو الموت النفسي، وليس الموت الجسدي، وهو تماما ما أراده الكاتب بحيث جعل المريض البطل في روايته يقظاً ومنتبهاً لحالته الذهنية؛ غير أنه تاه في عوالم بعيدة أو قريبة حسب مقتضيات الحبكة متلبّسا الموت كحالة قد يتحرر منها في لحظة الحقيقة لتتساءل حينها: هل أنا هنا أمام البطل الحي أم الميت؟ ستنتظر بالطبع لنهاية الرواية لاكتشاف الأمر.
من أهم القضايا الاجتماعية التي تناولتها الرواية هي التفاضل الطبقي والعرقي؛ الذي جعل الإنسان يصارع منذ أمد بعيد كلّ شيء من أجل حصوله على كلّ شيء، دون أن ينال أي شيء.
قضية يفصلّها تفصيلا الكاتب حين يختبر تأثير الآباء على أبنائهم منذ لحظة الولادة؛ حيث نجدهم يفصلون مقاس أحلامهم وقناعاتهم معتقدهم على مقاسهم الخاص لا على مقاس قدرات وآمال أبنائهم.
وهذا ما دفعه تلقائيا للحديث عن الحرمان. هذا الحرمان الذي قد يدفع الشخص لارتكاب الجريمة؛ سامحًا له أن يتعاظم حتى يغدو إنساناً غير سوي؛ حاقداً على معظم الأشخاص في المجتمع.
بين الفينة والفينة سنرى الكاتب يتطرق للحديث عن خيانة الوطن على شكل محبوبة تنتمي للوساد الإسرائيلي؛ فكان هذا الحب مسموما قتلَ أوّل ما قتل من خُدع به ليكتشف العاشق على الفور أن أسوأ ما فيه: أن تعشق عدوك ويعشقك عن طريق خطأ لا يغتفر؛ أو فخّ لا ينجو منه سوى الثابت على مبدئه.
الغريب أن تقوم الحبكة منذ بدايتها على حالة مرضية نادرة دون أن يدرك القارئ ذلك إلا في نهاية الأحداث ضمن صدمة غير متوقعه.
أما الحبكة التي اعتمدت على حبكات متتالية سريعة في النهاية فهي أشبه بالقنبلة التي تدفعك للضحك والاندهاش والتسمّر للحظات وللحظات أمام ما اكتشفته اللحظة، سيما بعد أن تكون قد تهت بالكامل بين الأحداث والشخوص والتناقضات والرؤى والمقصد والعمق؛ أو بعد رجوعك لمرات كثيرة للصفحات المقروءة لتأكّدك أنّك ما زلت تمسك خيط الحدث المتشكك بفهمه.
اللغة: أنت أمام كاتب يتمني لمدرسة الشعر بدوواين ثلاثة؛ لذا لن يكون من الغريب أن تكون اللغة قوية جزلة سلسة رغم تماهيها مع الكثير من المصطلحات المعجمية التي تنم عن ثقافة الشاعر وتمكّنه من أدواته.
الاقتباسات:
لأننا ورغم كل شيء نتمسك بوهم الأمل عندما نشعر بفقدانه.
الكذب سادتي أخطر من إهراق ماء الوجه فالوجه من الممكن أن يفضح صاحبه لكن اللسان من يُوهم الآخرين ببراءة هذا الوجه.
من ينجُ من العقاب مراراً يغرق في الذنب.