لآفاق حرة
قد يكون ما سأقوله من منطلق ما يسمي بنقد النقد أو قراءة القراءة وقد تكون ميتاقراءة علي الميتات السردية التي راجت في العقود الأخيرة في محاولة من الكتاب للخروج من أسر نمطية القص أو كنوع من استعراض ذات السارد علي لسان السارد العليم أو باقتحام مباشر بمقولة أو طرفة أوحكاية جانبية
ومع أنني بدأت حياتي مفتونا بكل أنواع التجدييد في السرد وما أسميناه أدبا طليعيا لكتاب يكتبون للكتاب وروايات لخاصة المثقفين واحتياجات القارئ الجديد ، وتداخل الأنواع ، وأدب اللامعقول لصمويل بيكيت ، والمسرواية لتوفيق الحكيم ، ورواية اللارواية لألان روب جرييه ، ومع دعوتي مبكرا عام ١٩٨٦ لكتابة القصة القصيرة جدا وقدمت نماذج منها ١٢ قصة في صفحتين وكانت دعوتي قائمة علي إيقاع العصر السريع لأفاجأ بعد ثلاثين عاما وقد أصبحت تيارا وموضة تمنح لها الجوائز وتقام لها المسابقات
الآن أجد نفسي بعد طول استقصاء وإبحار واستغراق، قد وصلت إلي حقيقة أن كل الخيارات مفتوحة ومتاحة للمبدع والقارئ معا ولا يمكن أن تفرض علي الكاتب أو القارئ المتلقي نوعا معينا أو تيارا تريد تسييده وأن الحرية كل الحرية للمبدع السارد لا حدود لا أسوار لاشيء علي إطلاقه في السرد ولا في الشعر بما في ذلك النقد ونقد النقد وحتي بعد موت المؤلف وموت الناقد وسيطرة القارئ وامتلاكه للنص بإعادة إنتاجه بقراءته التي بالتأكيد تختلف عن قراءة غيره لنفس النص لاختلاف المشارب والثقافات والتوجهات لكل قارئ وأن ما قد تراه أنت فتحا قد يراه غيرك عاديا وما قد تراه متجاوزا قد يراه غيرة تقليديا ومع تطور الأساليب والتقنيات وخلخلة البنيات السردية وتشظيها ومحاولات لملمتها من قارئ يشحذ ذهنه وخياله في سباق مع المؤلف / النص لإيجاد دلالات ورموز وأفكار ربما لم تخطر أصلا علي ذهن ومخيلة الكاتب لحظة الميلاد …!
أعود لأقول بعد كل ماذكرت مما جري في عالم السرد والنقد أن الأصل في العمل الروائي هو الحكاية حتي بمعناها البسيط كحدوتة وبدونها لا شكل ولا قوام للرواية فالحكاية هي العمود الفقري للرواية ومنها تنتج الدلالات والرموز بالطبع هناك الروايات النفسية التي قوامها الأفكار وهناك روايات الخيال العلمي والفانتازيا وكلها تعتمد علي الأفكار المجنحة بالخيال الذي يفتح آفاق النصوص حتي في الرويات الفلسفية كالتي تعالج أزمة الوجود وحرية الفرد والذوات المغتربة المسحوقة والمنكفئة علي نفسها ..!
وتظل لكل روائي بصمته ولغته وأسلوبه وماؤه السردي كماء الشعر عند الشاعر وما أسميه سحر السرد الذي يأخذ بتلابيب المتلقي كمشارك في النص لا كمشاهد ليخرج بعد القراءة شخصا غير الذي كان قبل القراءة …!!
د. عيد صالح. مصر