لآفاق حرة
إضاءة على رواية “ناجية من أوراق متساقطة”
للأديبة. صباح السّباعيّ.
بقلم الرّوائي. محمد فتحي المقداد
“ناجية من أوراق متساقطة” رواية للكاتبة والأديبة السوريَّة صباح السِّباعي. هي رواية قصيرة من التي يُطلق عليها مُصطَلح “نوفيلا”، وهذا النّوع من الرّوايات تكون عدد كلماتها ما بين العشرة آلاف والعشرين ألف كلمة.
جملة (ناجية من أوراق متساقطة) جملة اِسْميّة تخلَّلها حرف جرٍّ للدَّلالة على جزء من كُلٍّ، وبخصوص العبارة بحدِّ ذاتها، تربَّعت على واجهة الغلاف؛ لتكون عنوانًا لافتًا حاملًا للعديد من الدَّلالات المُوحِيَة والمُحرِّضة على طرح التساؤلات، ربّما يستطيع القارئ الإجابة على بعضها، أو مجملها، أو لا يستطيع إلّا بعد الاِنْتهاء من قراءة الرِّواية، فتكون الفكرة وصورها وتفرُّعاتها قد اتّضحت في ذهنه.
وبالتوقّف في رحاب العنوان الطويل..؛ نلاحظ أنَّ الكلمة الأولى “ناجية” جاءت مُنكَّرةً، والتنكير دلالته النحويَّة أوسع من المُعرَّف. ومن هي هذه الناجية؟. هل هي ورقة أم امرأة؟ . من سياق العنوان تبدو أنَّها ناجية من أوراق، والأوراق دلالة الشّجرة التي تتعرّى شيئًا فشيئًا، وبحاجة للزّمن لزوم انتهاء الحالة، وتتساقط أوراقها عادة في الخريف. ورقة واحدة ناجية من أوراق مُتساقطة. فهي قد تساقطت بفعل ما.
وتتجلّى اِنْزياحيّة العنوان للتدليل على الأسرة، وإنَّ أيَّة أسرة هي بمثابة الشّجرة، ومنها مجموعة الأسر المُكوِّنة للعشيرة والقبيلة، يكون لها مُشجّرة عبارة عن مُدوَّنة الأنساب، بارتباطاتها القريبة والبعيدة، والتقاءات الفُروع بالأصول؛ وصولًا للسَّلف من الأجداد ومنها ما ينتهيوعند سيدنا آدم عليه السّلام، وهو ما يُطلَق عليه علم الأنساب.
وبالاِنْتقال إلى متن رواية “ناجية من أوراق متساقطة”، تُصنَّف على أنَّها من المدرسة الواقعيََة الاجتماعيّة باِمْتياز، بأبعادها الإنسانيَّة، وتتناول قصّة الزواج العائليّ، والظُّلم، والميراث، والطّلاق، والغيْرة، والحسد، وكلّ ما يبعث على الألم. قسوة قلب “جُهنة” على ابنتها “ليلى” من زواجها الأوّل، حيث تنكّرت لطفلتها، وتنصّلت من كل ألوان الأمومة واِلتزماتها، وهي تُمثّل حالة شاذّة مُستغرَبة. يا لقسوة قلبها عندما رمتها وهي صغيرة، ولم تنجُ البنت “ليلى” بعد زواجها من طمع وجشع أمِّها. الأمُّ أصيبت في نهاية حياتها بمرض القلب العُضال، وقرَّر الأطبَّاء إجراء عملية قلب مفتوح لها. لم تجد بجانبها إلا اِبْنتها “ليلى” التي عانت من ظلمها وقسوتها.
والرّواية من ذات المسار الواحد في سياق الأسرة من الأبويْن والجدّة والخال والأعمام، وزوج الأمّ، وأولادها منه. هذه الأوراق المُتساقطة، من شجرة العائلة، واحدًا تلو الآخر، ضمن ظروف موضوعيّة، عالحتها سرديّة الرّواية بطريقة بسيطة مُفنعة مُتسلسلة، بلا تعقيد، وفي الرُّبع الأخير من الرّواية، ذهبت في مسار آخر؛ لتصبح الرّواية من شِقَّيْن، الأوّل؛ وهو الأساسيّ في الأسرة، والثّاني شِقٌّ تضمّن حياة الأمّ “جُهنة” مع زوجها وأولادها وأحفادها، والتنويه عن مصائرهم المُختلفة، والذين تساقطوا على دروب الحياة، ولكلٍّ سببه. إضافة لمن تساقط من الشِقِّ الأوَل من الأسرة. وبقيت “ليلى” طيبة القلب الحنونة، ولم تتوقَّف عند مأساتها، بل كانت الإنسانة البارّة بأمّها القاسية معها طيلة حياتها، وبما أوقعت بها من ظلم، وما أحدثت بنفس ابنتها من خدوش ونُدوب لن تنحمي آثارها، ولكنّها الحالة الإنسانية المُثلى. حين تتنازعها دوافع الواجب والاِلْتزام الأدبيِّ والاِجْتماعيِّ، ونوازع الشرِّ والاِنْتقام.
السبت. 22/2/2025