عن دار النابغة للنشر والتوزيع بالقاهرة صدرت للقاصة وداد معروف مجموعة قصصية جديدة في مائة وعشر صفحات تحمل عنوان (لكنني أنثى).
تحتوي المجموعة على سبع عشرة قصة قصيرة، إضافة إلى بعض القصص القصيرة جدا جعلتْها ختاما لهذه المجموعة.
أول ما يسترعي انتباه القارئ في العنوان هو هذا الاستدراك (لكن)؛ فهل أرادت المؤلفة لبطلات قصصها أن يفعلن ويقلن ويصرخن؛ لكن منعهن كونهن إناثا؟ إن القارئ ليدرك في عدد غير يسير من قصص هذه المجموعة نوعا من استسلام المرأة لضغوط المجتمع وحكمه عليها، ويتبين له في بعض القصص تفسيراً لحالات غامضة تمر بها المرأة، تخفيها ابتسامتها أو شكلها الخارجي أو سعادتها الظاهرية من بيت وزوج وعيش رغيد.
في قصة (الغرفة الخرساء) تتحدث ريم مع نسرين أختها عن السعادة الزوجية التي يتخيل الكثيرون ممن يحيطون بها أنها في قمتها؛ في حين أن الواقع عكس ذلك تماماً. ريم وزوجها زوجان في الظاهر فقط فكل منهما ينام في غرفة لمانع ما. تقول واصفة حالها: «دارت عيناها في غرفتها الجميلة، كل شيء فيها رائع.. أثاث وستائر وورود ملونة وإضاءة هادئة ناعمة، وفراشها الذي أعدته بأناقة لكن برودته تلسعني.. كل هذا التناغم بين الأضواء والألوان لم يمتد بظلاله إلى تلك الحياة حالكة الألوان فيرسمها ويلونها من جديد». ص21
تستشف أختها نسرين من حديثها أنها تفكر في الانفصال عن هذا الزوج الصوري فتذكرها بأمومتها. تقول ريم لأختها: «الخيار بين الأمومة والأنوثة وكلاهما غريزتان مهمتان، وإن كانت الأمومة أعلى بكثير، لكن فقدان الثانية يترك خلفه أماً مسكونة بالتعاسة». فترد نسرين: «وفي الحالين ستكونين تعيسة فلتكن تعاستك وأبناؤك معك أفضل من تعاستك وأنت دونهم». ص25
وأخيرا تستسلم لعاطفة الأمومة مقابل التخلي عن أنوثتها!
وتتناول قصة (صقيع الحب) طغيان المادة على المشاعر مما يسيء إلى التعاملات مع أقرب الأقربين، فـ (شوقي) زوج (إيناس) يعمل بمدينة جدة، أرسل لزوجته تأشيرة لزيارته.. وصلت إلى مطار جدة ومعها طفلها الوليد، فاستقبلها بلهفة تكاد لا توصف.. في البيت كان زوجها قد هيأ لها مائدة مزدانة بالشموع، وبأطيب الأطباق الشرقية، لكن كل هذه الحفاوة وكرم الاستقبال لم يبدد ما بها من كدر لدرجة أن لاحظ شوقي ذلك عليها، فسألها ما بالها؟ لتجيبه إجابة صادمة، إذ تطلب منه مرتب ثلاثة أشهر – مدة الإجازة – ومكافأة الامتحان التي خسرتها بسبب مجيئها قبل الامتحانات!.
رد عليها: «إن هناك أشياء لا أستطيع أن أجعلك تشعرين بها، هي من طبيعة الأنثى تولد معها وتنمو معها؛ هي في أصل خلقتها.. هو اكتمال المرأة حينما تلتئم بنصفها الآخر.. هو هذا الشمل الذي تتمناه كل امرأة أن تكون حيث كان زوجها وأبناؤها». ص36
هذا ما قاله لها، أما ما أقدم عليه فقد توجه إلى مكتب الطيران ليحجز لها رحلة العودة في أقرب وقت.
أما قصة (صاحب الصورة) فهي قصة إنسانية رائعة؛ إذا تسامحنا مع عدم واقعيتها. البروفيسور (صبور) ماتت زوجته ولم ينجب منها، ولم يتزوج بعد ذلك، وليس له أقارب.. تفرغ لأبحاثه ولطلابه، ومن بين هؤلاء الطلاب النجباء (عمر) الذي يواصل دراساته العليا في بلد آخر. تزداد على الدكتور صبور أمراض الكبد حتى يحس بنهايته، ويفكر بعمل يبقي أثره بعد رحيله؛ فلا يجد أمامه سوى تلميذه عمر ليساعده على تكملة مشواره العلمي، ويتولى نشر أبحاثه من بعده. لا يخاطب عمر مباشرة ولكن يوصي صديقةً له مسنة تعرَّف عليها من خلال (الفيسبوك) ليس لها أولاد، فيعلمها أن عمر بمثابة ابنه، ويطلب منها أن تكون هي له بمثابة الأم. يكلفها بأن تبحث له عن زوجة وتزوجه، وأن تتابعه حتى ينهي دراساته العليا، وتبلغه برغبة أستاذه في أن ينشر أبحاثه من بعده، كما يوصيها بإعلامه بكيفية الحصول على ما ترك له من أموال، فهو يريد أن يجعل منه وريثه. كل ذلك والمرأة المسنة لا تعرف حتى صورة الدكتور صبور. تطلب منه صورته فيقول لها: سترينها في صفحة نعيي!
يعلن الدكتور صبور في صفحة الفيسبوك أنه سيجري عملية زراعة كبد، ويجريها فعلا، وتنجح العملية، لكن ما هي إلا أيام حتى وجدت صورته التي لم تكن رأتها من قبل ينشرها صديقه الحميم (زياد) مرفقة بنعيه. تتصل بعمر لإبلاغه بوفاة (والده) فلا يرد عليها لأنه في ذلك الوقت كان قد سافر للصلاة عليه ومواراة جثمانه. ويسافر عمر إلى (أمه) فتخبره بوصية الدكتور وبالمال الذي تركه له.. يقبل عمر كل ما كلفه به من مهام، أما المال فيخصصه لمرضى الكبد؛ هذا المرض الذي فتك بأبيه الروحي.
ومن قصص البؤس والفقر قصة (تعلوه فراشة كريستال) بطلتها (رؤى) فتاة تعشق المطر، لكنها تخشى تبعاته عليها، فهو يجعل غرفتها أشبه بالبحيرة، ويجعل أقدامها تخوض في الماء والطين وهي في طريقها للمدرسة؛ فتمضي بعض الوقت قبل دخول الفصل تغسل ما علق بأقدامها وبحذائها الممزق من الطين.
من كثرة انشغالها بحصولها على حذاء فقد رسمت في خيالها الحذاء الذي تأمل في الحصول عليه، وهو حذاء أسود تعلوه فراشة كريستال. وعدها أخوها بإحضاره لها، ودخل عليها يوما ما يحمل كيسا عليه شعار متجر الأحذية الشهير في بلدتهم، فخطفته منه، ولكن يا لبؤسها حين اكتشفت أنه حذاء رجالي! ولم يرتح بالها إلا حين كشف أخوها عن حذائه القديم الممزق ليثبت لها أنه أكثر حاجة منها، ووعدها بشراء الحذاء الذي تريده من أول دخل يقبضه.
أما قصة (لكنني أنثى) التي حملت المجموعة اسمها فتحكي قصة قسم في إدارة يتألف من موظفيْن وموظفة، تحل عليهم (غادة) الموظفة الجديدة الجميلة فيبادر الموظفان لاستقبالها والترحيب بها؛ بل والعمل نيابة عنها، مما يغيظ زميلتهما القديمة (منى) التي ترتدي نقابا يخفي دمامة وجهها. بعد أيام تُزف الموظفة الجميلة لابن صاحب الشركة، وينتقل عملها إلى مكتبه؛ في حين تبقى الموظفة المنقبة تنتظر قرارا بترقيتها.. يدخل أحد زميليها يحمل ورقة في يده وينظر إلى زميلته المنقبة مبتسما، فلا تشك أن ما يحمله هو قرار ترقيتها، لكنها تفاجأ بأنه تعميم بحظر النقاب في الإدارة!.
فحوى القصة والمجموعة يتلخص في حديث لا تفصح به لزميليها، ولكن تحدث به نفسها: «كيف تشعران بما أشعر؟ فحينما أردتما الزواج دققتما الباب على أنثاكما وكان لكما ما أردتما، لكني أنا الأنثى التي لو ظلت مائة عام لن تجرؤ على طلب يد الرجل أبدا، وإن حدث فستهزمني الأعراف لا محالة» ص60 .
وحين تعبر عن أحلامها تقول: «ألست أنا أيضا أنثى؟ اقتربت من الأربعين.. نعم ولكن نفسي تهفو لما تهفو له كل أنثى: بيتا وزوجا وطفلا. أمشي أمام الناس متأبطة ذراعه، أسند رأسي على كتفه في السيارة، أجلس وسط زميلاتي وصديقاتي وقريباتي وأقول: قال زوجي، اشترى لي زوجي، رفض زوجي، أقسم علي زوجي». ص59
( الجزيرة )