كتبت: هيام فهيم
في عالمٍ يختلط فيه الخير بالشر غالبًا ما يتلاشى الخير ويصبح وبالًا على صاحبه، وهذا ما يثير اهتمام البعض من الباحثين في أمر استكشاف الأسباب الدفينة التي تدفع الأفراد أو المجتمعات للخضوع لمسألة تفشي السلوك الشرير.
ومن ثم أخذ الكاتب يُسلط الضوء نحو أسباب تفشي ذلك السلوك من خلال شخصيات الرواية، موضحًا الرؤى الشخصية للإنسان التي تدفعه لاختيار الطريق الذي يسلكه. فمنهم من كان يؤمن بأنه شريف رغم كل الظروف وقد ورد ذلك على لسان أحدهم قائلًا: “الظروف ليست سببًا، فثمةَ أُناس شرفاء رحماء قد ذاقوا من المعاناةِ والألم والشقاء ما يجعلهم يتمنون الموت، ولكن ما يسكتهم هو الإيمان بأنهم شرفاء”، ومنهم من كان يرى أن الشرف والأخلاق هي مجرد عباراتٍ واهية يستتر وراءها الإنسان حتى يصل إلى غايته، وهناك بعضًا يرى طريقًا آخر يتحدد فيه أخلاق الإنسان حسب الظروف والأحوال.
استعرضت الرواية عدة عوامل سلبية أظهرت تلك الرؤى وما ترتب عليها من خلل، وأول تلك العوامل هو: فك الارتباط الديني والأخلاقي الذي بدى واضحًا في قصة الشاب الفقير والفتاة التي انتحرت، والذي أظهر لنا منظور الإنسان المتحول بسبب الظروف؛ فمعيار الدين والأخلاق التي يتربى عليها الفرد في المجتمع هنا تعتبر حجر أساس في منع الفرد من الانخراط في سلوك منحرف أو تبريره لأفعال مُشينة أو لوم الآخرين على سوء سلوكهم.
ثانيًا: المؤثرات البيئية والتي تعتبر عامل مكمل لسلوك الفرد، فيمكن للظروف الخارجية والضغوط البيئية أن تلعب دورًا هامًا في دفع الأفراد نحو الشر. تبعًا لعدة عوامل ظهرت بشكلٍ واضح في الرواية، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن للفقر، والتنمر، وتهميش التعليم، والتعرض للعنف أن يخلق بيئة من المتحولين تؤدي إلى تآكل البوصلة الأخلاقية للفرد. والنتيجة تبدو واضحة بالتابعية فلليأس، وغرائز البقاء، والحاجة إلى الحفاظ على الذات أن تجبر الأفراد على التخلي عن طبيعتهم الخيرية للتعايش مع ظروف البيئة، وفي تلك الحالة يُظهر كل فرد من المجتمع نظرة تترتب على الرؤية التي كونها منذ صغره فمن الناس من يسلك الخير رغم المعوقات وهؤلاء غالبًا ما يكونوا من فئة المعذبين في الأرض، ومنهم من يرى أن السلوك الشرير هو القوة، وبين هذا وذاك يغرق المتحولون وهم الأغلبية.
ثالثًا: التحيزات المعرفية والتي تبدو نتيجةً طبيعية لرؤية الفرد لمؤثرات البيئة السلبية وضعف خلقه، وقد تتمثل في إدراكه لتصورات مشوهة للواقع، حيث يسعى الأفراد للحصول على معلومات تؤكد تلك العقائد والتصورات، وهذا ما يؤدي لظهور رؤية مشوهة للصواب والخطأ. ولهذا التحيز نتائج؛ فقد يسهل على الأفراد تبرير أفعالهم وإقناع أنفسهم بأن سلوكهم السيء هو الصواب. وقد بدا ذلك واضحًا مع شخصيات تلك الرواية وضوح الشمس في كبد السماء فقد كان منهم من يؤمن بالمال، وأنه إذا امتلكه فقد يستطيع أن يتفوه بأي كلمة يريدها أو أن يفعل ما يحلو له، ومنهم من تربى على الرحمة المطلقة، وما إن أنكب على أنفه بسبب البيئة حتى تجرد من ذلك الخلق القويم، ولم يكتفِ بالسكوت بل أصبح سفاحًا يفتك بالناس دون تفرقة، وهذا يرجع إلى سلوكيات المجتمع وقناعة الفرد التي ظهرت بالتبعية؛ فقد أصبح يبرر فعله بقوله “وهل للرحمةِ مكانٌ بين البشر” وأن أخلاق الناس تتبدل حسب الظروف والأحوال. تلك الأفكار السامة غالبًا ما تتحول إلى أفعال مميتة تهشم الطابع الأخلاقي للفرد، وتجعله يسلك الطريق الخاطئ، وعند تلك الحالة لا نجد أفرادًا ذوي أخلاق سوى فئة المتمسكين بالأخلاق رغم كل تلك الظروف العصيبة.
نهاية القول.. إن فهم الأسباب الكامنة وراء التحول من الخير إلى الشر أمر بالغ الأهمية، لتعزيز مجتمع أكثر تعاطفًا وتعطفًا. من خلال التعرف على العوامل التي تساهم في هذا التحول، يمكننا العمل على معالجة تلك العوامل، وخلق بيئة تشجع الأفراد على الحفاظ على حسهم الأخلاقي، وكبح جماح السلوك المُشين. ومن خلال الجهود الجماعية، والتعليم، يمكننا أن نسعى جاهدين لمنع الانحدار إلى الظلام وتعزيز الخير المتأصل في كل واحد منا. وقد يبدأ هذا الأمر بجهودٍ فردية، وأخرى من السلطات المعنية، لكي نعيش حياةً فيها سلامٌ وأمان؛ فكلنا أفراد في مجتمعٍ يحمل رايةً شريفة تدعى الوطن.
الرواية من أحدث إصدارات اسكرايب للنشر والتوزيع – 2023.